اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

 

نسبه الشّريف عليه السّلام
هو الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد الباقر بن عليّ السّجاد بن الحُسين سيّد الشّهداء بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.


أُمّه عليه السّلام
أُمّه أُم ولد يُقال لها: حميدة البربرية، ويُقال لها: حميدة المصفاة.


تأريخ ومحل ولادته عليه السّلام
ولد عليه السّلام بالأبواء - منزل بين مكّة والمدينة - في السّابع من صفر سنة 128هـ.
عن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله في السّنة التي ولد فيها ابنه موسى فلمّا نزلنا الأبواء

وضع لنا أبو عبد الله الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة أن الطّلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا, فقام أبو عبد الله فرحا مسرورا، فلم يلبث أن عاد إلينا، حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّه فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك، ما صنعت حميدة ؟ فقال: وهب الله لي غلاما، وهو خير من برأ الله، ولقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها, قلت: جعلت فداك وما خبرتك عنه حميدة ؟ قال: ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله وأمارة الامام من بعده.
فقلت: جعلت فداك وما تلك من علامة الامام ؟ فقال: إنه لما كان في الليلة التي علق بجدي فيها، أتى آت جد أبي وهو راقد، فأتاه بكأس فيها شربة أرق من الماء، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الثلج, فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق فيها بجدي، ولما كان في الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقا جد أبي وأمره بالجماع فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بأبي، ولما كان في الليلة التي علق بي فيها، أتى آت أبي فسقاه وأمره كما أمرهم، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بي، ولما كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا، أتاني آت كما أتى جد أبي وجدي وأبي فسقاني كما سقاهم، وأمرني كما أمرهم، فقمت فرحا مسرورا بعلم الله بما وهب لي، فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي.
عن منهال القصاب قال: خرجت من مكّة وأنا أريد المدينة، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله فسبقته إلى المدينة، ودخل بعدي فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا إلى الغد حتى أعود فآكل فمكثت بذلك ثلاثا أطعم حتى أرتفق ثم لا أطعم شيئا إلى الغد.


ألقابه وكُناه عليه السّلام
أوّلاً: كُناه عليه السّلام: أبو إبراهيم، وأبو الحسن، وأبو علي.

ثانياً: ألقابه عليه السّلام: الكاظم وهو أشهرها، (وسمّي الكاظم لما كظمه من الغيظ، وغضّ بصره عمّا فعله الظّالمون به حتى مضى قتيلاً في حبسهم) والوفي, والزاهر، والصابر، والأمين, والعبد الصالح، والنفس الزكية، وزين المجتهدين.


نقش خاتمه عليه السّلام
حسبي الله, وقيل: المُلك لله وحده.


أولاد الإمام الكاظم عليه السّلام
كان لأبي الحسن سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى منهم:
الذكور: علي بن موسى الرضا, وإبراهيم , والعباس, والقاسم , وإسماعيل, وجعفر , وهارون, والحسن, وأحمد , ومحمد , وحمزة , وعبد الله, وإسحاق, وعبيد الله , وزيد , والحسين, والفضل , وسليمان.
الأُناث: فاطمة الكبرى, وفاطمة الصغرى، ورقية، وحكيمة، وأم أبيها، ورقية الصغرى، وكلثم وأم جعفر، ولبانة، وزينب، وخديجة، وعلية، وآمنة، وحسنة، وبريهة، وعائشة, وأم سلمة، وميمونة، وأم كلثوم.
وورد في مناقب ابن شهرآشوب: أولاده ثلاثون فقط، ويُقال: سبعة وثلاثون, فأبناؤه ثمانية عشر.
وفي كشف الغمّة: قال ابن الخشاب: ولد له عشرون ابنا وثمانية عشر بنتا.
وفي عمدة الطالب: ولد ستين ولدا, سبعا وثلاثين بنتا وثلاث وعشرين ابنا.


إخوة وأخوات الإمام الكاظم عليه السّلام
كان له ستة إخوة وثلاثة أخوات وهم: إسماعيل، وعبد الله الأفطح، وأُم فروة: اسمها عالية أمهم فاطمة بنت الحُسين بن علي بن الحسين (ونقل عن ابن إدريس رحمه الله أنه قال أم إسماعيل فاطمة بنت الحُسين الأثرم ابن الحُسين بن أبي طالب) وإسحاق لام ولد, والعبّاس وعليّ ومُحمّد وأسماء وفاطمة لأمهات أولاد شتى.


عِلم الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - هارون يسأل موسى بن جعفر عليه السّلام عن حقّهم من الخمس
كتاب الاستدراك: عن التلعكبري بإسناده عن الكاظم قال: قال لي هارون: أتقولون أن الخمس لكم ؟ قلت: نعم قال: إنه لكثير، قال: قلت: إن الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير.
2 - قول موسى بن جعفر عليه السلام لأبرهة النصراني: كيف علمك بكتابك ؟
مناقب ابن شهرآشوب: هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر لأبرهة النصراني: كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا عالم به وبتأويله قال: فابتدأ موسى يقرأ الإنجيل فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلا المسيح، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة، فأسلم على يديه.
3 - قال أبو حنيفة لموسى عليه السلام: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟
الكافي: علي بن إبراهيم رفعه قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله وأبو الحسن موسى عليهما السلام قائم وهو غلام، فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد، وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار ومنازل النزال، ولا تستقبل القبلة بغائط، ولا بول، وارفع ثوبك، وضع حيث شئت.
4 - جواب موسى بن جعفر عليه السلام لعبد الصمد بن علي لركوبه البغلة
الكافي: علي بن إبراهيم أو غيره رفعه قال: خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي الحسن مقبلا راكبا بغلا فقال لمن معه: مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر، فلما دنا منه قال له: ما هذه الدابة التي لا تدرك عليها الثأر، ولا تصلح عند النزال ؟ فقال له أبو الحسن: تطأطأت عن سمو الخيل وتجاوزت قموء العير، وخير الأمور أوسطها. فأفحم عبد الصمد فما أحار جوابا.
5 - قول نفيع الأنصاري لموسى بن جعفر عليه السّلام: مَن أنت ؟
الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة: قال: قال نفيع الأنصاري لموسى بن جعفر ـ وكان مع عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فمنعه من كلامه فأبى ـ: من أنت ؟ فقال: إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله، ابن إسماعيل ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين وعليك إن كنت منهم الحج إليه، وإن كنت تريد المناظرة في الرتبة فما رضي مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاءا لهم حين قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فانصرف مخزيا.
6 - سؤال أبو يوسف موسى بن جعفر عليه السّلام في المحرم
- الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل وبشير بن إسماعيل قال: قال لي محمد: ألا أسرك يا ابن المثنى ؟ قال: قلت: بلى، وقمت إليه قال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن الكاظم، ثم أقبل عليه فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم أيستظل على المحمل ؟ فقال له: لا قال: فيستظل في الخباء ؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك فقال: يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا فقال: يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس كقياسك، أنتم تلعبون بالدين، إنا صنعنا كما صنع رسول الله ، وقلنا كما قال رسول الله ، كان رسول الله يركب راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس، فيستر جسده بعضه ببعض، وربما ستر وجهه بيده وإذا نزل استظل بالخباء، وفي البيت وفي الجدار.
7 - المهدي وسؤاله موسى عليه السلام عن الهواء الذي يخرج من البئر
الخرائج: روي أن المهدي أمر بحفر بئر بقرب قبر العبادي، لعطش الحاج هناك فحفرا أكثر من مائة قامة فبينما هم يحفرون إذ خرقوا خرقا فإذا تحته هواء لا يدرى قعره، وهو مظلم، وللريح فيه دوي، فأدخلوا رجلين فلما خرجا تغيرت ألوانهما فقالا: رأينا هواءا ورأينا بيوتا قائمة، ورجالا، ونساءا، وإبلا، وبقرا وغنما، كلما مسسنا شيئا منها رأيناه هباءا، فسألنا الفقهاء عن ذلك فلم يدر أحد ما هو، فقدم أبو الحسن موسى على المهدي فسأله عنه فقال: أولئك أصحاب الأحقاف هم بقية من قوم عاد، ساخت بهم منازلهم وذكر على مثل قول الرجلين.
8 - عيسى شلقان وسؤاله موسى عليه السلام عن موالات والتبرأ من أبي الخطاب
الكافي، علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وغيره عن عيسى شلقان قال: كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى عليه السلام ومعه بهيمة قال: فقلت: يا غلام ما ترى ما يصنع أبوك ؟ يأمرنا بالشئ ثم ينهانا عنه: أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرأ منه ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام وهو غلام: إن الله خلق خلقا للايمان لا زوال له، وخلق خلقا للكفر لا زوال له، وخلق خلقا بين ذلك أعارهم الله الايمان يسمون المعارين إذا شاء سلبهم، وكان أبو الخطاب ممن أعير الايمان، قال: فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته ما قلت لأبي الحسن عليه السلام وما قال لي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنه نبعة نبوة.
9 - موسى بن جعفر عليه السلام و راهب الشام
دخل موسى بن جعفر عليه السلام بعض قرى الشام متنكرا هاربا فوقع في غار وفيه راهب يعظ في كل سنة يوما فلما رآه الراهب دخله منه هيبة فقال: يا هذا أنت غريب ؟ قال: نعم قال: منا ؟ أو علينا ؟ قال: لست منكم قال: أنت من الأمة المرحومة ؟ قال: نعم قال: أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال: لست من جهالهم فقال: كيف طوبى أصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمد وأغصانها في كل دار ؟.
فقال : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع، وهي في السماء قال: وفي الجنة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شئ ؟ قال: السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شئ، قال: وفي الجنة ظل ممدود ؟ فقال: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود قوله " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " قال: ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولا ولا غائطا ؟ قال: الجنين في بطن أمه قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال: إذا احتاج الانسان إلى شئ عرفت أعضاؤه ذلك، ويفعلون بمراده من غير أمر قال: مفاتيح الجنة من ذهب ؟ أو فضة ؟ قال: مفتاح الجنة لسان العبد لا إله إلا الله قال: صدقت، وأسلم والجماعة معه.
10 - فيما سئله أبو حنيفة موسى عليه السّلام في أفعال العباد اعلام الدين للديلمي: روي عن أبي حنيفة أنه قال: أتيت الصادق لأسأله عن مسائل فقيل لي: إنه نائم، فجلست أنتظر انتباهه فرأيت غلاما خماسيا أو سداسيا جميل المنظر ذا هيبة وحسن سمت فسألت عنه فقالوا: هذا موسى بن جعفر فسلمت عليه وقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في أفعال العباد ممن هي ؟ فجلس ثم تربع وجعل كمه الأيمن على الأيسر وقال: يا نعمان قد سألت فاسمع، وإذا سمعت فعه، وإذا وعيت فاعمل، إن أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال: إما من الله على انفراده، أو من الله والعبد شركة، أو من العبد بانفراده, فان كانت من الله على انفراده فما باله سبحانه يعذب عبده على ما لم يفعله مع عدله ورحمته وحكمته، وإن كانت من الله والعبد شركة فما بال الشريك القوي يعذب شريكه على ما قد شركه فيه وأعانه عليه، قال: استحال الوجهان يا نعمان ؟ فقال: نعم، فقال له: فلم يبق إلا أن يكون من العبد على انفراده. ثم أنشأ يقول:
لم تخل أفعالنا التي نذم بها إحدى ثلاث خصال حين نبديها
إما تفرد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنا حين نأتيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لألهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها
11 - فيما سأل به المهدي أبا الحسن عن الخمر: هل هي محرمة في كتاب الله ؟
الكافي: أبو علي الأشعري، عن بعض أصحابنا وعلي، عن أبيه جميعا، عن ابن البطائني، عن أبيه، عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أبا الحسن عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل ؟ فان الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها، فقال له أبو الحسن: بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أمير المؤمنين، فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أبا الحسن ؟ فقال: قول الله عز وجل " إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق".
فأما قوله ما ظهر منها يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأما قوله عز وجل " وما بطن " يعني ما نكح الآباء لان الناس كانوا قبل أن يبعث النبي إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه، فحرم الله عز وجل ذلك.
وأما الاثم فإنها الخمرة بعينها، وقد قال الله تبارك وتعالى في موضع آخر " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما كبير كما قال الله عز وجل.
12 - حديث بريه وموسى بن جعفر عليهما السلام
الكافي: علي، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس، عن هشام ابن الحكم في حديث بريه أنه لما جاء معه إلى أبي عبد الله فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال أبو الحسن لبرية: يا برية كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنابه عالم ثم قال: كيف ثقتك بتأويله ؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه ! قال: فابتدأ أبو الحسن يقرأ الإنجيل، فقال بريه: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال: فقال: فآمن بريه وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه, فدخل هشام وبرية والمرأة على أبي عبد الله عليه السلام فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه السلام وبين بريه فقال أبو عبد الله عليه السلام: " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ", فقال بريه: أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرأها كما قرؤوها ونقولها كما قالوا، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول لا أدري.
13 - نفيع الأنصاري وموسى بن جعفر عليه السلام
الشريف المرتضى في الغرر والديلمي في أعلام الدين عن أبي عبد الله بإسناده عن أيوب الهاشمي أنه حضر باب الرشيد رجل يقال له: نفيع الأنصاري وحضر موسى بن جعفر على حمار له، فتلقاه الحاجب بالإكرام، وعجل له بالاذن فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر: من هذا الشيخ ؟ قال: شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد، هذا موسى بن جعفر قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير أما إن خرج لأسوءنه.
فقال له عبد العزيز: لا تفعل، فإن هؤلاء أهل بيت قل ما تعرض لهم أحد في الخطاب إلا وسموه في الجواب سمة يبقي عارها عليه مدى الدهر قال: وخرج موسى وأخذ نفيع بلجام حماره وقال: من أنت يا هذا ؟.
قال: يا هذا إن كنت تريد النسب أنا ابن محمد حبيب الله ابن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين، و عليك إن كنت منهم الحج إليه، وإن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاءا لهم حتى قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، و إن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، فنحن آل محمد، خل عن الحمار, فخلى عنه ويده ترعد، وانصرف مخزيا فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك ؟ !.

14 - رجل تزوج جارية معصرة لم تطمث فلمّا افتضّها سال الدم
- الكافي: علي، عن أبيه، والعدة، عن البرقي جميعا، عن محمد بن خالد، عن خلف بن حماد، ورواه أحمد أيضا عن محمد بن أسلم، عن خلف بن حماد الكوفي قال: تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام قال: فأروها القوابل، ومن ظنوا أنه يبصر ذلك من النساء، فاختلفن فقال بعض: هذا من دم الحيض وقال بعض: هو من دم العذرة, فسألوا عن ذلك فقهاءهم مثل أبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا: هذا شئ قد أشكل والصلاة فريضة واجبة، فلتتوضأ ولتصل، وليمسك عنها زوجها، حتى ترى البياض، فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة، وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة، ففعلت الجارية ذلك, وحججت في تلك السنة، فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت: جعلت فداك إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا فان رأيت أن تأذن لي فأتيك فأسألك عنها فبعث إلي: إذا هدأت الرجل، وانقطع الطريق، فأقبل إن شاء الله قال خلف: فرعيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمنى توجهت إلى مضربه , فلما كنت قريبا إذا أنا بأسود قاعد على الطريق فقال: من الرجل ؟ فقلت: رجل من الحاج فقال: ما اسمك ؟ قلت: خلف بن حماد فقال: ادخل بغير إذن فقد أمرني أن أقعد ههنا، فإذا أتيت أذنت لك، فدخلت فسلمت فرد علي السلام وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره، فلما صرت بين يديه سألني و سألته عن حاله,. فقلت له: إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث، فلما افتضها فافترعها سال الدم، فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام، وإن القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن: دم الحيض وقال بعضهن: دم العذرة، فما ينبغي لها أن تصنع ؟ قال: فلتتق الله، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر، وليمسك عنها بعلها، وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك، فقلت له: وكيف لهم أن يعلموا مما هي ؟ حتى يفعلوا ما ينبغي ؟ قال: فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد قال: ثم نهد إلي فقال: يا خلف سر الله، فلا تذيعوه، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال قال: ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال: تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، وإن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض. قال خلف: فاستخفني الفرح، فبكيت فلما سكن بكائي فقال: ما أبكاك ؟ قلت: جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك قال: فرفع يده إلى السماء وقال: والله إني ما أخبرك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله عز وجل.
15 - قصّة الرشيد وموسى بن جعفر عليه السّلام في الحج
- مناقب ابن شهرآشوب: الفضل بن الربيع ورجل آخر قالا: حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف، ومنعت العامة من ذلك، لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت، وجعل يطوف معه.
فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة، فانتهرهم الأعرابي وقال: إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال " سواءا العاكف فيه والباد " فأمر الحاجب بالكف عنه، فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه والتثمه، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الأعرابي أمامه.
فلما فرغ هارون من صلاته، استدعى الأعرابي فقال الحجاب: أجب أمير المؤمنين فقال: مالي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال: صدق فمشى إليه وسلم عليه فرد فقال هارون: أجلس يا أعرابي ؟ فقال: ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس، إنما هو بيت الله نصبه لعباده، فان أحببت أن تجلس فاجلس، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف. فجلس هارون وقال: ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك ؟ قال: نعم وفي مستمع قال: فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت ؟ قال: بل سؤال متعلم قال: اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول.
فقال هارون: أخبرني ما فرضك ؟ قال: إن الفرض رحمك الله واحد وخمسة وسبعة عشر، وأربع وثلاثون، وأربع وتسعون، ومائة وثلاثة وخمسون، على سبعة عشر، ومن اثني عشر واحد، ومن أربعين واحد، ومن مأتين خمس، ومن الدهر كله واحد، وواحد بواحد.
قال: فضحك الرشيد وقال: ويحك أسألك عن فرضك، وأنت تعد علي الحساب ! ؟ قال: أما علمت أن الدين كله حساب، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا، ثم قرأ " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين " قال: فبين لي ما قلت ؟ وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة.
فقال الحاجب: تهبه لله ولهذا المقام قال: فضحك الأعرابي من قوله، فقال الرشيد: مما ضحكت يا أعرابي ؟ قال: تعجبا منكما، إذ لا أدري من الأجهل منكما، الذي يستوهب أجلا قد حضر، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر.
فقال الرشيد: فسر ما قلت ؟ قال: أما قولي الفرض واحد: فدين الاسلام كله واحد، وعليه خمس صلوات، وهي سبع عشر ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة، وأما قولي من اثني عشر واحد: فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا، وأما قولي: من الأربعين واحد فمن ملك أربعين دينار أوجب الله عليه دينارا، وأما قولي: من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم. وأما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام، وأما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه قال الله تعالى: " النفس بالنفس " فقال الرشيد: لله درك، وأعطاه بدرة فقال: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون بالكلام ؟ أو بالمسألة ؟ قال: بالكلام قال: فإني سائلك عن مسألة فان أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدق بها على فقراء الحي من قومي، فأمر بإيراد أخرى وقال: سل عما بدا لك. فقال: أخبرني عن الخنفساء تزق ؟ أم ترضع ولدها ؟ فحرد هارون و قال: ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة ؟ ! فقال: سمعت ممن سمع من رسول الله يقول: من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم، وأنت إمام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شئ من أمر دينك، ومن الفرايض، إلا أجبت عنها، فهل عندك له الجواب ؟.
قال هارون: رحمك الله لا فبين لي ما قلته، وخذ البدرتين فقال: إن الله تعالى لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض الذي من غير فرث، ولا دم، خلقها من التراب، وجعل رزقها وعيشها منه، فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب.
فقال هارون: والله ما ابتلى أحد بمثل هذه المسألة، وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج، فتبعه بعض الناس، وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد فأخبر هارون بذلك فقال: والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة.
16 - سؤال هارون موسى بن جعفر عن علمهم بعلم النجوم ومسائل اُخر
روي أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر فأحضره، فلما حضر عنده قال: إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة، وفقهاء العامة يقولون: إن رسول الله قال: إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا وأمير المؤمنين كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولاده وذريته الذين يقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.
فقال له الكاظم : هذا حديث ضعيف، وأسناده مطعون فيه والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل والأنبياء كانوا عالمين بها، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ".
وقال في موضع آخر " فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم " فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، وما قال إني سقيم، وإدريس كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم " وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " وقال في موضع " والنازغات غرقا " إلى قوله " فالمدبرات أمرا " يعني بذلك اثني عشر برجا، وسبعة سيارات، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عز وجل، و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء، و ورثة الأنبياء الذين قال الله عز وجل " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.
فقال له هارون: بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهره عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشنعوا عليك وأنفس عن العوام به، وغط هذا العلم، وارجع إلى حرم جدك.
ثم قال له هارون وقد بقي مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها قال له: سل فقال: بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله أخبرني أنت تموت قبلي ؟ أو أنا أموت قبلك ؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى: آمني حتى أخبرك فقال: لك الأمان فقال: أنا أموت قبلك، وما كذبت ولا أكذب، ووفاتي قريب.
فقال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر فقال له: سل فقال: خبروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا، و جوارينا، وأنكم تقولون من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم ؟ فقال له موسى ؟ كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك، وإذا كان الامر كذلك، فكيف يصح البيع والشراء عليهم، ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم ونقعد معهم، ونأكل معهم، ونشتري المملوك، ونقول له: يا بني وللجارية يا بنتي، ونقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله سبحانه فلو أنهم عبيدنا وجوارينا، ما صح البيع والشراء وقد قال النبي لما حضرته الوفاة: الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، يعني: صلوا وأكرموا مماليككم، وجواريكم، ونحن نعتقهم وهذا الذي سمعته غلط من قائله، ودعوى باطلة، ولكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين، والذي يوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة، فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.
وأما الغنائم والخمس من بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله فقد منعونا ذلك ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدم، الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك فإن نفذ إلينا أحد هدية ولا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي لي كراع لقبلت - والكراع اسم القرية، والكراع يد الشاة - وذلك سنة إلى يوم القيامة، ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنها زكاة رددناها، وإن كانت هدية قبلناها، ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاده هارون وأطعمه السم فتوفي .
17 - ما جرى بين موسى عليه السلام وبين هارون حول مسائل عدّة عيون أخبار الرضا: أبو أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي رضي الله عنه عن أبيه باسناده رفعه إلى موسى بن جعفر قال: لما أُدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال: يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج ؟ !
فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله بما علم ذلك عندك، فان رأيت بقرابتك من رسول الله أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله ؟ فقال: قد أذنت لك.
فقلت: أخبرني أبي عن آبائه عن جدي رسول الله قال: إن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت، فناولني يدك جعلني الله فداك فقال: ادن فدنوت منه، فأخذ بيدي، ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا، ثم تركني وقال: اجلس يا موسى فليس عليك بأس، فنظرت إليه فإذا أنه قد دمعت عيناه، فرجعت إلى نفسي فقال: صدقت وصدق جدك لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة وفاضت عيناي، وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، لم أسأل عنها أحدا فان أنت أجبتني عنها خليت عنك، ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني أنك لم تكذب قط فأصدقني عما أسألك مما في قلبي فقلت: ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت آمنتني ؟ قال: لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة، فقلت ليسأل أمير المؤمنين عما شاء
قال: أخبرني لم فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، إنا بنو العباس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عما رسول الله وقرابتهما منه سواء ؟
فقلت: نحن أقرب قال: وكيف ذلك ؟ قلت: لان عبد الله وأبا طالب لأب وأم، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله، ولا من أم أبي طالب قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي ؟ والعم يحجب ابن العم، وقبض رسول الله وقد توفي أبو طالب قبله، والعباس عمه حي ؟
فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني عن كل باب سواه يريده فقال: لا أو تجيب فقلت: فآمني ؟ قال: قد آمنتك قبل الكلام فقلت: إن في قول علي بن أبي طالب إذ ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثى لاحد سهم إلا للأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب، إلا أن تيما وعديا وبني أمية قالوا: العم والد رأيا منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن النبي,
ومن قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دراج يقول: في هذه المسألة بقول علي وقد حكم به، وقد ولاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة، وقد قضى به فأنهي إلى أمير المؤمنين فأمر باحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري، وإبراهيم المدني والفضيل بن عياض فشهدوا أنه قول علي في هذه المسألة فقال لهم - فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن دراج ؟ فقالوا جسر نوح وجبنا وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي أنه قال: علي أقضاكم، وكذلك قال عمر بن الخطاب علي أقضانا، وهو اسم جامع لان جميع ما مدح به النبي أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء.
قال: زدني يا موسى، قلت: المجالس بالأمانات وخاصة مجلسك ؟ فقال: لا بأس عليك فقلت: إن النبي لم يورث من لم يهاجر، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر فقال: ما حجتك فيه ؟ قلت: قول الله تبارك وتعالى: " والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا " وإن عمي العباس لم يهاجر، فقال لي: أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا ؟ أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشئ ؟ فقلت: اللهم لا، وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين.
ثم قال: لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله و يقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي جدكم من قبل أمكم ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه ؟ ! بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك، فقلت: لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه فقال: ولم ؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك فقال: أحسنت يا موسى.
ثم قال: كيف قلتم إنا ذرية النبي، والنبي لم يعقب ؟ وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب ؟
فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة فقال: لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم، وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شئ ألف ولا واو، إلا وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل، " ما فرطنا في الكتاب من شئ " وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم فقلت: تأذن لي في الجواب ؟
قال: هات فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف و موسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى " من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
فقال: ليس لعيسى أب فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم ، وكذلك ألحقنا بذراري النبي من قبل امنا فاطمة.
أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال: هات، قلت: قول الله عز وجل " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا و نساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ولم يدع أحد أنه أدخل النبي تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين فكان تأويل قوله عز وجل أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب، إن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي قال: لأنه مني وأنا منه فقال جبرئيل: وأنا منكما يا رسول الله ثم قال: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فكان كما مدح الله عز وجل به خليله إذ يقول: " فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " إنا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل إنه منا.
فقال: أحسنت يا موسى، ارفع إلينا حوائجك فقلت له: أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده وإلى عياله فقال: ننظر إن شاء الله.
فروي أنه أنزله عند السندي بن شاهك فزعم أنه توفي عنده والله أعلم.
18 - موسى عليه السلام وقول هارون: لمَ لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله, وغيرها من المسائل ؟
الاختصاص: ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد ابن إسماعيل العلوي قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر : لما أمر هارون الرشيد بحملي، دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام ورأيته مغضبا، فرمى إلي بطومار,
فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله وأنتم ولد علي وفاطمة إنما هي وعاء، والولد ينسب إلى الأب لا إلى الأم ؟
فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل ؟
فقال: لست أفعل أو أجبت
فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شئ ؟
فقال: لك الأمان
قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم" ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى، وعيسى " فمن أبو عيسى ؟
فقال: ليس له أب إنما خلق من كلام الله عز وجل وروح القدس
فقلت: إنما الحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم، وألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي
فقال: أحسنت أحسنت يا موسى زدني من مثله.
فقلت: اجتمعت الأمّة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين فقال الله تبارك وتعالى " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب
فقال: أحسنت.
ثم قال: أخبرني عن قولكم: ليس للعم مع ولد الصلب ميراث ؟
فقلت: أسألك يا أمير المؤمنين بحق الله وبحق رسوله أن تعفيني من تأويل هذه الآية وكشفها، وهي عند العلماء مستورة.
فقال: إنك قد ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك ولست أعفيك.
فقلت: فجدد لي الأمان ؟
فقال: قد أمنتك.
فقلت: إن النبي لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، وإن عمي العباس قدر على الهجرة فلم يهاجر، وإنما كان في عدد الأسارى عند النبي، وجحد أن يكون له الفداء فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي يخبره بدفين له من ذهب، فبعث عليا فأخرجه من عند أم الفضل، وأخبر العباس بما أخبره جبرئيل عن الله تبارك وتعالى فأذن لعلي وأعطاه علامة الذي دفن فيه،
فقال العباس عند ذلك: يا ابن أخي ما فاتني منك أكثر، وأشهد أنك رسول رب العالمين.
فلما أحضر علي الذهب فقال العباس: أفقرتني يا ابن أخي فأنزل الله تبارك وتعالى: " إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم " وقوله: "والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا " ثم قال: " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر " فرأيته قد اغتم.
ثم قال: أخبرني من أين قلتم إن الانسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله ؟
فقلت: أخبرك يا أمير المؤمنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لاحد ما دمت حيا، وعن قريب يفرق الله بيننا وبين من ظلمنا، وهذه مسألة لم يسألها أحدا من السلاطين غير أمير المؤمنين.
قال: ولا تيم ولا عدي ولا بنو أمية ولا أحد من آبائنا ؟
قلت: ما سئلت ولا سئل أبو عبد الله جعفر ابن محمد عنها
قال: فإن بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به رجعت عما آمنتك.
فقلت: لك على ذلك.
فقال: أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول وفروع، يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك من أبي عبد الله؟
فقلت: نعم وعلى عيني يا أمير المؤمنين.
قال: فإذا فرغت فارفع حوائجك، وقام، ووكل بي من يحفظني، وبعث إلي في كل يوم بمائة سرية, فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم أمور الدنيا أمران: أمر لا اختلاف فيه، وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها والاخبار المجتمع عليها المعروض عليها شبهة، والمستنبط منها كل حادثة، وأمر يحتمل الشك والانكار، وسبيل استنصاح أهله الحجة عليه، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله، أو سنة عن النبي لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، ضاق على من استوضح تلك الحجة ردها، ووجب عليه قبولها، والاقرار والديانة بها، وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله، أو سنة عن النبي لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، وسع خاص الأمة وعامها الشك فيه، والانكار له، كذلك. هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه إلى أرش الخدش, فما دونه فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عنك ضوؤه نفيته، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله، ونعم الوكيل. فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته، فأخبره فخرج، وعرضت عليه
فقال: أحسنت هو كلام موجز جامع، ... .


مناظرات الإمام الكاظم عليه السلام
1 - مناظرة الاِمام الكاظم عليه السلام مع عبدالله بن نافع
في مسألة قتال أميرالمؤمنين عليه السلام لاَهل النهروان
الكليني : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسين بن يزيد النوفليّ ، عن عليّ بن داود اليعقوبي ، عن عيسى بن عبدالله العلوي ، قال : وحدّثني الاُسيديّ ومحمد بن مبشّر أنّ عبدالله بن نافع الاَزرق كان يقول : لو أنّي علمت أنّ بين قطريها أحداً تبلغني إليه المطايا ، يخصمني أنّ علياً قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم ، لرحلت إليه.
فقيل له : ولا ولده ؟
فقال : أفي ولده عالم ؟
فقيل له : هذا أوّل جهلك ، وهم يخلون من عالم ؟ !
قال : فمن عالمهم اليوم ؟
قيل : محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام.
قال : فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة ، فاستأذن على أبي جعفر عليه السلام.
فقيل له : هذا عبدالله بن نافع.
فقال : وما يصنع بي وهو يبرء منّي ومن أبي طرفي النهار.
فقال له أبو بصير الكوفي : جعلت فداك إنَّ هذا يزعم أنّه لو علم أنّ بين قطريها أحداً تبلغه المطايا إليه يخصمه أنّ عليّاً عليه السلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه.
فقال له أبو جعفر عليه السلام : أتراه جاءني مناظراً ؟
قال : نعم.
قال : يا غلام اخرج فحطّ رحله وقل له : إذا كان الغد فأتنا.
قال : فلمّا أصبح عبدالله بن نافع غدا في صناديد أصحابه ، وبعث أبوجعفر عليه السلام إلى جميع أبناء المهاجرين والاَنصار فجمعهم ، ثمَّ خرج إلى الناس في ثوبين ممغّرين ، وأقبل على الناس كأنّه فلقة قمر ، فقال : الحمد لله محيّث الحيث ، ومكيّف الكيف ، ومؤيّن الاَين ، الحمد لله الّذي ( لاَ تَأخذه سنّة وَلاَ نَوم لَه مَا في السموات وَمَا في الاَرض ) إلى آخر الآية ـ وأشهد أن لا إله إلاّ الله [ وحده لا شريك له ] وأشهد أنّ محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ، الحمد لله الّذي أكرمنا بنبوّته ، واختصّنا بولايته ، يا معشر أبناء المهاجرين والاَنصار من كانت عنده منقبة في عليّ بن أبي طالب عليه السلام فليقم وليتحدَّث ؟
قال : فقام الناس فسردوا تلك المناقب.
فقال عبدالله : أنا أروي لهذه المناقب من هؤلاء ، وإنّما أحدث عليٌّ الكفر بعد تحكيمه الحكمين ـ حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر لاَعطينَّ الرَّاية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه. فقال أبو جعفر عليه السلام : ما تقول في هذا الحديث ؟
فقال : هو حقٌّ لا شكّ فيه ، ولكن أحدث الكفر بعد.
فقال له أبو جعفر عليه السلام : أخبرني عن الله عزّ وجلّ أحبَّ عليّ بن أبي طالب يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟
قال ابن نافع : أعد عليَّ ؟!
فقال له أبو جعفر عليه السلام : أخبرني عن الله جلّ ذكره أحبَّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم أحبّه ، وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟
قال : إن قلت : لا ، كفرت. قال : فقال : قد علم.
قال : فأحبّه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته ؟
فقال : على أن يعمل بطاعته.
فقال له أبو جعفر عليه السلام : فقم مخصوماً.
فقام وهو يقول : ( حتّى يتبيّن لَكُم الخيط الاَبيض من الخيط الاَسود من الفجر ) والله أعلم حيث يجعل رسالته.
2 - مناظرة الإمام الكاظم عليه السلام مع أبي حنيفة في أنّ المعصية من فعل العبد
قال الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ : وأخبرني الشيخ أيده الله أيضاً قال: قال أبو حنيفة: دخلت المدينة فأتيت جعفر بن محمد عليه السلام فسلّمت عليه وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى عليه السلام في دهليز قاعداً في مكتب له وهو صبي صغير السن فقلت له : يا غلام ، أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك ؟
فنظر إليَّ ثمّ قال : يا شيخ اجتنب شطوط الاَنهار ، ومسقط الثمار ، وفيىء النزَّال ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، وارفع وضع بعد ذلك حيث شئت.
قال : فلمّا سمعت هذا القول منه ، نَبُل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك ، ممّن المعصية ؟
فنظر إليَّ نظراً ازدراني به ثمّ قال : اجلس حتى أخبرك ، فجلست بين يديه.
فقال: إنَّ المعصية لا بدَّ من أن تكون من العبد أو من خالقه أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الاَمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حق الثواب ، وعليه العقاب ، ووجبت له الجنّة والنار.
قال أبو حنيفة : فلمّا سمعت ذلك ، قلت : ( ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).
قال الشيخ أيّده الله : وفي ذلك يقول الشاعر :
لم تخـل أفعالنــا اللاّتي يـُذمُّ بهـا *** إحدى ثلاث معانٍ حيـن نأتيهــــا
إمــا تفــرد بارينـا بصنعتهــا *** فيسقط اللوم عنّا حيـن ننشيهــــا
أو كـان يشركنــا فيهـا فيلحقــه *** ما سوف يلحقنا من لائـم فيهــــا
أو لـم يكـن لاِلهي فـي جنايتهــا *** ذنب فما الذنب إلاّ ذنب ‌جانيهــا

3 - مناظرة الإمام الكاظم مع هارون الرشيد في أنهم ورثة النبي صلى الله عليه وآله وأولاده
قال الشيخ الطبرسي عليه الرحمة : وحدث أبو أحمد هاني بن محمد العبدي، قال : حدّثني أبو محمد ، رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما السلام قال : لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد عليَّ السلام ثمّ قال : يا موسى بن جعفر ، خليفتان يُجبى إليهما الخراج ؟
فقلت : يا أمير المؤمنين ! أُعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك ، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ، كما علم ذلك عندك ، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله أن تأذن لي أُحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال : قد أذنت لك .
فقلت : أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : إنّ الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت ، فناولني يدك جعلني الله فداك .
قال : ادن مني ! فدنوت منه ، فأخذ بيدي ثمّ جذبني إلى نفسه وعانقني طويلاً ثمّ تركني وقال : اجلس يا موسى ! فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه ، فرجعت إليَّ نفسي ، فقال : صدقت وصدق جدّك صلى الله عليه وآله لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت عليَّ الرقة وفاضت عيناي ، وأنا أريد أن اسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين ، لم أسأل عنها أحداً ، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك ، وقد بلغني عنك أنّك لم تكذب قطّ ، فأصدقني فيما أسألك ممّا في قلبي .
فقلت : ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت أمنتني .
قال : لك الاَمان إن أصدقتني ، وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة.
فقلت : ليسأل أمير المؤمنين عمّا يشاء .
قال : أخبرني لِمَ فُضّلتم علينا ، ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطّلب ونحن وأنت واحد ، إنّا بنو عبّاس وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عمّا رسول الله صلى الله عليه وآله وقرابتهما منه سواء ؟
فقلت : نحن أقرب .
قال : وكيف ذلك ؟
قلت : لاَنّ عبدالله وأبا طالب لاَب واُمّ ، وأبوكم العباس ليس هو من اُم عبدالله ولا من اُمّ أبي طالب .
قال : فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي صلى الله عليه وآله والعم يحجب ابن العم وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وقد توفي أبو طالب قبله والعباس عمّه حي ؟
فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة ، ويسألني عن كل باب سواه يريده .
فقال : لا ، أو تجيب .
فقلت : فآمني .
قال : قد آمنتك قبل الكلام .
فقلت : إنَّ في قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام : إنّه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو اُنثى لاَحد سهم إلاّ الاَبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنّة ، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني اُميّة قالوا : العم والدٌ ، رأياً منهم بلا حقيقة ولا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن قال بقول علي عليه السلام من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي عليه السلام ، وقد حكم به ، وقد ولاّه أمير المؤمنين فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله ، منهم : سفيان الثوري ، وإبراهيم المدني ، والفضيل بن عياض ، فشهدوا أنّه قول علي عليه السلام في هذه المسألة ، فقال لهم فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز : لم لا تفتون وقد قضى به نوح بن دراج ؟
فقالوا : جسر وجبنّا ، وقد أمضى أمير المؤمنين عليه السلام قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : أقضاكم علي (2) وكذلك عمر بن الخطاب قال : عليّ أقضانا وهو اسم جامع ، لاَنّ جميع ما مدح به النبي صلى الله عليه وآله أصحابه من القرابة والفرائض والعلم داخل في القضاء .
قال : زدني يا موسى !
قلت : المجالس بالاَمانات وخاصة مجلسك ؟
فقال : لا بأس به .
فقلت : إنَّ النبي صلى الله عليه وآله لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر.
فقال : ما حجّتك فيه ؟
قلت : قول الله تبارك وتعالى : ( وَالّذين آمنُوا وَلَم يُهاجِرُوا ما لَكُم مِنْ ولايَتِهِم مِن شيءٍ حتى يُهاجِرُوا ) وإنّ عمّي العباس لم يهاجر .
فقال لي : إنّي أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا ، أم أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء ؟
فقلت : اللّهم لا ، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين .
ثمّ قال لي : لِمَ جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولوا لكم : يا بني رسول الله ! وأنتم بنو علي ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبي صلى الله عليه وآله جدّكم من قبل اُمّكم؟
فقلت : يا أمير المؤمنين ! لو أنَّ النبي صلى الله عليه وآله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟
فقال : سبحان الله ! ولِمَ لا اُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك .
فقلت له : لكنّه لا يخطب إليَّ ولا أُزوجه .
فقال : ولِمَ ؟
فقلت : لاَنّه ولدني ولم يلدك .
فقال : أحسنت يا موسى ! ثمّ قال : كيف قلتم إنّا ذرّية النبي صلى الله عليه وآله والنبي لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى ، وأنت ولد الابنة ولا يكون لها عقب له .
قلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه ، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة .
فقال : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا اُنهي إليَّ ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم تدعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ تأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : ( ما فَرَّطنا في الكتاب مِن شيءٍ ) واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم .
فقلت : تأذن لي في الجواب ؟
قال : هات .
فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمِن ذُريَّتهِ داوُد وسُليمان وأيُّوبَ وَموسى وَهارُون وَكذلِكَ نَجزِي المُحسنينَ وَزَكريا وَيحيى وَعيسى وإلياس كُلُّ مِنَ الصالحينَ ) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
فقال : ليس لعيسى أب .
فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الاَنبياء : من طريق مريم عليها السلام ، وكذلك اُلحقنا بذراري النبي عليهم السلام من قبل اُمنا فاطمة عليها السلام ، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟
قال : هات .
قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( فَمن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العلم فقُل تَعالُوا نَدعُ أبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسنا وأنفُسكُم ثُمَّ نَبتَهِلُ فَنجعل لَعنةَ اللهِ عَلى الكاذبين ) ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي صلى الله عليه وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، فأبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب: ، على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم أحد : يا محمد ! إنَّ هذه لهي المواساة من علي قال : لاَنّه مني وأنا منه .
فقال جبرئيل : "وأنا منكما يا رسول الله" ثمّ قال :
لا سيف إلاّ ذو الفقار *** ولا فتى إلاّ علي
فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله عليه السلام إذ يقول : ( قالُوا سَمِعنا فَتىً يَذكُرُهُم يُقال لَهُ إبراهيمُ ) إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا .
فقال : أحسنت يا موسى ! إرفع إلينا حوائجك .
فقلت له : إنَّ أول حاجة لي أن تأذن لابن عمّك أن يرجع إلى حرم جده صلى الله عليه وآله وإلى عياله .
فقال : ننظر إن شاء الله.
وروي أنه لما حج الرشيد ونزل في المدينة ، اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والاَنصار ووجوه الناس ، وكان في الناس الاِمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام .
فقال لهم الرشيد : قوموا إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : ثمّ نهض معتمداً على يد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام حتى انتهى إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فوقف ثمّ قال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا بن عم ، افتخاراً ! على قبائل العرب الذين حضروا معه ، واستطالةً عليهم بالنسب ؟!
قال : فنزع أبو الحسن موسى عليه السلام يده من يده ثمّ تقدم ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبة .
قال : فتغيّر لون الرشيد ثمّ قال : يا أبا الحسن ، إن هذا لهو الفخر الجسيم.


كرامات الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - عن سليمان بن عبد الله قال: كنت عند أبي الحسن موسى قاعدا فاتي بامرأة قد صار وجهها قفاها فوضع يده اليمنى في جبينها ويده اليسرى من خلف ذلك، ثم عصر وجهها عن اليمين ثم قال: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
فرجع وجهها فقال: احذري أن تفعلين كما فعلت قالوا: يا ابن رسول الله وما فعلت ؟ فقال: ذلك مستور إلا أن تتكلم به، فسألوها فقالت: كانت لي ضرة فقمت أصلي فظننت أن زوجي معها، فالتفت إليها فرأيتها قاعدة وليس هو معها، فرجع وجهها على ما كان.
2 - عن علي بن جعفر قال: أخبرتني جارية لأبي الحسن موسى وكانت توضئه، وكانت خادما صادقا قالت: وضأته بقديد وهو على منبر وأنا أصب عليه الماء، فجرى الماء على الميزاب فإذا قرطان من ذهب فيهما در ما رأيت أحسن منه فرفع رأسه إلي فقال: هل رأيت ؟ فقلت: نعم، فقال: خمريه بالتراب ولا تخبرين به أحدا، قالت: ففعلت وما أخبرت به أحدا حتى مات وعلى آبائه والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.
3 - عن عثمان بن عيسى قال: قلت لأبي الحسن الأول إن الحسن بن محمد له إخوة من أبيه، وليس يولد له ولد إلا مات، فادع الله له فقال: قضيت حاجته، فولد له غلامان.
4 - عن الوشاء قال: حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس فكتبنا إلى أبي الحسن الأول فكتب خالي: إن لي بنات وليس لي ذكر وقد قل رجالنا، وقد خلفت امرأتي وهي حامل فادع الله أن يجعله غلاما وسمه، فوقع في الكتاب: قد قضى الله تبارك وتعالى حاجتك وسمه محمدا. فقدمنا الكوفة وقد ولد لي غلام قبل دخولي الكوفة بستة أيام، ودخلنا يوم سابعه قال أبو محمد: فهو والله اليوم رجل له أولاد.
5 - عن علي بن جعفر بن ناجية أنه كان اشترى طيلسانا طرازيا أزرق بمائة درهم، وحمله معه إلى أبي الحسن الأول ولم يعلم به أحد، وكنت أخرج أنا مع عبد الرحمان بن الحجاج، وكان هو إذ ذاك قيما لأبي الحسن الأول فبعث بما كان معه فكتب: اطلبوا لي ساجا طرازيا أزرق فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد فقلت له: هو ذا هو معي، وما جئت به إلا له فبعثوا به إليه، وقالوا له: أصبناه مع علي بن جعفر، ولما كان من قابل اشتريت طيلسانا مثله وحملته معي، ولم يعلم به أحد، فلما قدمنا المدينة أرسل إليهم: اطلبوا لي طيلسانا مثله مع ذلك الرجل، فسألوني فقلت: هو ذا هو معي، فبعثوا به إليه.
6 - عن عبد الرحمان ابن الحجاج قال: استقرضت من غالب مولى الربيع ستة آلاف درهم تمت بها بضاعتي ودفع إلي شيئا أدفعه إلى أبي الحسن الأول وقال: إذا قضيت من الستة آلاف درهم حاجتك فادفعها أيضا إلى أبي الحسن، فلما قدمت المدينة بعثت إليه بما كان معي والذي من قبل غالب، فأرسل إلي: فأين الستة آلاف درهم ؟ فقلت: استقرضتها منه، وأمرني أن أدفعها إليك، فإذا بعت متاعي بعثت بها إليك، فأرسل إلي عجلها لنا وإنا نحتاج إليها، فبعثت بها إليه.
7 - عن موسى بن بكر قال: دفع إلي أبو الحسن الأول عليه السلام رقعة فيها حوائج وقال لي: اعمل بما فيها فوضعتها تحت المصلى، وتوانيت عنها، فمررت فإذا الرقعة في يده، فسألني عن الرقعة فقلت: في البيت فقال: يا موسى إذا أمرتك بالشئ فاعمله، وإلا غضبت عليك، فعلمت أن الذي دفعها إليه بعض صبيان الجن.
8 - عن عثمان ابن عيسى قال: رأيت أبا الحسن الماضي في حوض من حياض ما بين مكة والمدينة عليه إزار، وهو في الماء فجعل يأخذ الماء في فيه ثم يمجه، وهو يصفر فقلت: هذا خير من خلق الله في زمانه ويفعل هذا ؟ ! ثم دخلت عليه بالمدينة فقال لي: أين نزلت ؟ فقلت له: نزلت أنا ورفيق لي في دار فلان فقال: بادروا وحولوا ثيابكم واخرجوا منها الساعة قال: فبادرت وأخذت ثيابنا وخرجنا فلما صرنا خارجا من الدار انهارت الدار.
9 - عن مرازم قال: دخلت المدينة فرأيت جارية في الدار التي نزلتها فعجبتني فأردت أن أتمتع منها فأبت أن تزوجني نفسها، قال: فجئت بعد العتمة فقرعت الباب فكانت هي التي فتحت لي فوضعت يدي على صدرها، فبادرتني حتى دخلت، فلما أصبحت دخلت على أبي الحسن فقال: يا مرازم ليس من شيعتنا من خلا ثم لم يرع قلبه.
10 - عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى يقول: لا والله لا يرى أبو جعفر بيت الله أبدا فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا، فلم نلبث أن خرج فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت: لا والله لا يرى بيت الله أبدا، فلما صار إلى البستان اجتمعوا أيضا إلي فقالوا: بقي بعد هذا شئ ؟ ! قلت: لا والله لا يرى بيت الله أبدا فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن فوجدته في المحراب قد سجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه إلي فقال: اخرج فانظر ما يقول الناس، فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر فرجعت فأخبرته قال: الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبدا.
11 - عن إبراهيم ابن عبد الحميد قال: كتب إلي أبو الحسن قال عثمان بن عيسى وكنت حاضرا بالمدينة: تحول عن منزلك، فاغتم بذلك، وكان منزله منزلا وسطا بين المسجد والسوق، فلم يتحول، فعاد إليه الرسول: تحول عن منزلك، فبقي ثم عاد إليه الثالثة: تحول عن منزلك، فذهب وطلب منزلا، وكنت في المسجد ولم يجئ إلى المسجد إلا عتمة فقلت له: ما خلفك ؟ فقال: ما تدري ما أصابني اليوم ؟ قلت: لا قال: ذهبت أستقي الماء من البئر لأتوضأ فخرج الدلو مملوءا خرؤا وقد عجنا خبزنا بذلك الماء، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا، فشغلني عن المجئ ونقلت متاعي إلى البيت الذي اكتريته، فليس بالمنزل إلا الجارية، الساعة أنصرف وآخذ بيدها، فقلت: بارك الله لك، ثم افترقنا، فلما كان سحرا خرجنا إلى المسجد فجاء فقال: ما ترون ما حدث في هذه الليلة ؟ قلت: لا، قال: سقط والله منزلي، السفلى والعليا.
12 - عن عثمان بن عيسى قال: قال أبو الحسن لإبراهيم بن عبد الحميد، ولقيه سحرا وإبراهيم ذاهب إلى قبا، وأبو الحسن داخل إلى المدينة فقال: يا إبراهيم فقلت: لبيك قال: إلى أين ؟ قلت: إلى قبا فقال: في أي شئ ؟ فقلت: إنا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر فأردت أن آتي رجلا من الأنصار فأشتري منه من الثمار، فقال: وقد أمنتم الجراد ؟ ! ثم دخل ومضيت أنا فأخبرت أبا العز فقال: لا والله لا أشتري العام نخلة، فما مرت بنا خامسة، حتى بعث الله جرادا فأكل عامة ما في النخل.
13 - عن عثمان بن عيسى قال: وهب رجل جارية لابنه، فولدت أولادا فقالت الجارية بعد ذلك: قد كان أبوك وطأني قبل أن يهبني لك، فسئل أبو الحسن عنها فقال: لا تصدق إنما تفر من سوء خلقه، فقيل ذلك للجارية فقالت: صدق والله ما هربت إلا من سوء خلقه.
14 - قال الحافظ عبد العزيز: حدث عيسى بن محمد بن مغيث القرطي وبلغ تسعين سنة قال: زرعت بطيخا وقثاءا وقرعا في موضع بالجوانية على بئر يقال لها أم عظام، فلما قرب الخير واستوى الزرع، بيتني الجراد وأتى على الزرع كله، وكنت غرمت على الزرع ثمن جملين ومائة وعشرين دينارا فبينا أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر بن محمد فسلم ثم قال: أيش حالك ؟ قلت: أصبحت كالصريم، بيتني الجراد، فأكل زرعي قال: وكم غرمت ؟ قلت: مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين قال: فقال: يا عرفة إن لأبي الغيث مائة وخمسين دينارا فربحك ثلاثون دينارا والجملان فقلت: يا مبارك ادع لي فيها بالبركة، فدخل ودعا، وحدثني عن رسول الله أنه قال: تمسكوا ببقاء المصائب ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيه البركة وزكت فبعت منها بعشرة آلاف.
15 - قال أبو الوضاح: وأخبرني أبي قال: لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن [ بن الحسن ] بفخ وتفرق الناس عنه حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلا:
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا
ولكن حكم السيف فينا مسلط فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا بني عمنا لو كان أمرا مدانيا
فان قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا
ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأخذ من الطالبيين، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر فنال منه قال: والله ما خرج حسين إلا عن أمره ولا اتبع إلا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله إن أبقيت عليه.
فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئا عليه: يا أمير المؤمنين أقول أم أسكت ؟ فقال: قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر، ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعلمه وفضله، وما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه وتفضيله لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقا، فقال أبو يوسف: نساؤه طوالق، وعتق جميع ما يملك من الرقيق، وتصدق بجميع ما يملك من المال، وحبس دوابه، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج لا يذهب إليه ولا مذهب أحد من ولده، ولا ينبغي أن يكون هذا منهم، ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون.
فقال: وما كان بقي من الزيدية إلا هذه العصابة الذين كانوا قد خرجوا مع حسين وقد ظفر أمير المؤمنين بهم، ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه.
قال: وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر بصورة الامر فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبو الحسن على ما ورد عليه من الخبر وقال لهم: ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا: نشير عليك أصلحك الله وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار، وتغيب شخصك دونه فإنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه، سيما وقد توعدك وإيانا معك، فتبسم موسى ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو: زعمت سخينة أن ستغلب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال: ليفرخ روعكم إنه لا يرد أول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن المهدي وهلاكه فقال: وما ذلك أصلحك الله ؟ قال: قد - وحرمة هذا القبر - مات في يومه هذا، والله " إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " سأخبركم بذلك.
بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي وقد تنومت عيناي إذا سنح جدي رسول الله في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته وأنا مشفق من غوائله، فقال لي: لتطب نفسك يا موسى، فما جعل الله لموسى عليك سبيلا، فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي: قد أهلك الله آنفا عدوك فليحسن لله شكرك.
قال: ثم استقبل أبو الحسن القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو، فقال أبو الوضاح: فحدثني أبي قال: كان جماعة من خاصة أبي الحسن من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن بكلمة وأفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك، قال: فسمعناه وهو يقول في دعائه شكرا لله جلت عظمته، ثم ذكر الدعاء.
وقال: ثم أقبل علينا مولانا أبو الحسن ثم قال: سمعت من أبي جعفر بن محمد يحدث عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده أمير المؤمنين أنه قد سمع رسول الله يقول: اعترفوا بنعمة الله ربكم عز وجل وتوبوا إليه من جميع ذنوبكم، فإن الله يحب الشاكرين من عباده، قال: ثم قمنا إلى الصلاة وتفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي والبيعة لهارون الرشيد.
16 - قال الفضل بن الربيع: لما اصطبح الرشيد يوما استدعا حاجبه فقال له: امض إلى علي بن موسى العلوي وأخرجه من الحبس، وألقه في بركة السباع، فما زلت ألطف به وأرفق، ولا يزداد إلا غضبا وقال: والله لئن لم تلقه إلى السباع لألقينك عوضه.
قال: فمضيت إلى علي بن موسى الرضا، فقلت له: إن أمير المؤمنين أمرني بكذا وبكذا، قال: افعل ما أمرت به فإني مستعين بالله تعالى عليه، وأقبل بهذه العوذة وهو يمشي معي إلى أن انتهيت إلى البركة ففتحت بابها وأدخلته فيها، و فيها أربعون سبعا وعندي من الغم والقلق أن يكون قتل مثله على يدي، وعدت إلى موضعي.
فلما انتصف الليل أتاني خادم فقال لي: إن أمير المؤمنين يدعوك فصرت إليه فقال: لعلي أخطأت البارحة بخطيئة أو أتيت منكرا فاني رأيت البارحة مناما هالني، وذلك أني رأيت جماعة من الرجال دخلوا علي وبأيديهم سائر السلاح وفي وسطهم رجل كأنه القمر ودخل إلى قلبي هيبته فقال لي قائل: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعلى أبنائه فتقدمت إليه لأقبل قدميه فصرفني عنه، فقال: " هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " ثم حول وجهه فدخل بابا. فانتبهت مذعورا لذلك ! فقلت: يا أمير المؤمنين أمرتني أن القي علي بن موسى للسباع فقال: ويلك ألقيته ؟ فقلت: إي والله، فقال: امض وانظر ما حاله فأخذت الشمع بين يدي وطالعته فإذا هو قائم يصلي، والسباع حوله، فعدت إليه فأخبرته فلم يصدقني، ونهض واطلع إليه فشاهده في تلك الحال: فقال: السلام عليك يا ابن عم، فلم يجبه حتى فرغ من صلاته، ثم قال: وعليك السلام يا ابن عم قد كنت أرجو أن لا تسلم علي في مثل هذا الموضع فقال: أقلني فاني معتذر إليك فقال له: قد نجانا الله تعالى بلطفه فله الحمد، ثم أمر باخراجه فاخرج فقال: فلا والله ما تبعه سبع.
فلما حضر بين يدي الرشيد عانقه، ثم حمله إلى مجلسه ورفعه فوق سريره وقال: يا ابن عم إن أردت المقام عندنا ففي الرحب والسعة، وقد أمرنا لك ولأهلك بمال وثياب، فقال له: لا حاجة لي في المال ولا الثياب، ولكن في قريش نفر يفرق ذلك عليهم، وذكر له قوما فأمر له بصلة وكسوة.
ثم سأله أن ركبه على بغال البريد إلى الموضع الذي يحب فأجابه إلى ذلك، وقال لي: شيعه فشيعته إلى بعض الطريق، وقلت له يا سيدي إن رأيت أن تطول علي بالعوذة فقال: منعنا أن ندفع عوذنا وتسبيحنا إلى كل أحد، ولكن لك علي حق الصحبة والخدمة فاحتفظ بها فكتبتها في دفتر وشددتها في منديل في كمي فما دخلت إلى أمير المؤمنين إلا ضحك إلي وقضى حوائجي، ولا سافرت إلا كانت حرزا وأمانا من كل مخوف، ولا وقعت في الشدة إلا دعوت بها، ففرج عني ثم ذكرها.


معاجز الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الأصابع إلى الكعبين ؟ أم هو من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى: إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فان رأيت أن تكتب إلي بخطك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله. فكتب إليه أبو الحسن: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك إلى غيره.
فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب بما رسم فيه، مما أجمع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، وكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالا لأمر أبي الحسن، وسعى بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل: إنه رافضي مخالف لك.
فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقرف له بخلافنا وميله إلى الرفض ولست أرى في خدمته لي تقصيرا، وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرف به وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك، فيتحرز مني.
فقيل له: إن الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فامتحنه يا أمير المؤمنين من حيث لا يعلم، بالوقوف على وضوئه، فقال: أجل إن هذا الوجه يظهر به أمره، ثم تركه مدة وناطه بشئ من الشغل في الدار، حتى دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين، ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا، ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه.
فلما رآه وقد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة.
وصلحت حاله عنده، وورد عليه كتاب أبي الحسن : ابتداءا: من الآن يا علي بن يقطين فتوض كما أمر الله، واغسل وجهك مرة فريضة، وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك، وظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام.
2 - عن الحسن، عن أخيه، عن أبيه علي بن يقطين قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر ويقطعه ويخجله في المجلس فانتدب له رجل معزم، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز، فكان كلما رام خادم أبي الحسن تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه واستفز هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور فقال له: يا أسد الله خذ عدو الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم، وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن: أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل فقال: إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه.
3 - الخرائج: روي عن ابن أبي حمزة قال: كنت عند أبي الحسن موسى إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبشة اشتروا له، فتكلم غلام منهم فكان جميلا بكلام فأجابه موسى بلغته، فتعجب الغلام وتعجبوا جميعا وظنوا أنه لا يفهم كلامهم، فقال له موسى: إني لأدفع إليك مالا فادفع إلى كل منهم ثلاثين درهما فخرجوا وبعضهم يقول لبعض: إنه أفصح منا بلغاتنا، وهذه نعمة من الله عليناقال علي بن أبي حمزة: فلما خرجوا قلت: يا ابن رسول الله رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ؟ ! قال: نعم، قال: وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشئ دونهم ؟ قال: نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا وأن يعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهما، لأنه لما تكلم كان أعلمهم فإنه من أبناء ملوكهم، فجعلته عليهم وأوصيته بما يحتاجون إليه، وهو مع هذا غلام صدق، ثم قال: لعلك عجبت من كلامي إياهم بالحبشة ؟ قلت: إي والله قال: لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب، وما الذي سمعته مني إلا كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة، أفترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر ؟ ! والامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده وعجائبه أكثر من عجائب البحر.
4 - قرب الإسناد: محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن فضال، عن علي بن أبي حمزة قال: كنت عند أبي الحسن إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش وقد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، وكان من الحبش جميل، فكلمه بكلام ساعة حتى أتى على جميع ما يريد، وأعطاه درهما فقال: أعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما، ثم خرجوا فقلت: جعلت فداك لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية، فماذا أمرته ؟ قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه، فقبل وصيتي، ومع هذا غلام صدق.
ثم قال: لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية ؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الامام أعجب وأكثر، وما هذا من الامام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا ؟ قال: فإن الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك، والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا، ولا تنفد عجائبه.
5 - خالد السمان في خبر أنه دعا الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني وقال له: أنت الذي تقول: إن السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان ؟ فقال: نعم قال: فحدثنا كيف كان ؟ قال: كسر مركبي في لجج البحر فبقيت ثلاثة أيام على لوح تضربني الأمواج، فألقتني الأمواج إلى البر فإذا أنا بأنهار وأشجار، فنمت تحت ظل شجرة، فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتا هائلا، فانتبهت فزعا مذعورا فإذا أنا بدابتين يقتتلان على هيئة الفرس، لا أحسن أن أصفهما، فلما بصرا بي دخلتا في البحر، فبينما أنا كذلك إذ رأيت طائرا عظيم الخلق، فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل، فقمت مستترا في الشجر حتى دنوت منه لأتأمله فلما رآني طار وجعلت أقفو أثره, فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا وتهليلا وتكبيرا وتلاوة القرآن، و دنوت من الكهف فناداني مناد من الكهف: ادخل يا علي بن صالح الطالقاني، رحمك الله، فدخلت وسلمت فإذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس عظيم الجثة أنزع أعين، فرد علي السلام وقال: يا علي بن صالح الطالقاني أنت من معدن الكنوز لقد أقمت ممتحنا بالجوع والعطش والخوف، لولا أن الله رحمك في هذا اليوم فأنجاك وسقاك شرابا طيبا، ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها، وكم أقمت في البحر، وحين كسر بك المركب، وكم لبثت تضربك الأمواج، وما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت، لعظيم ما نزل بك، والساعة التي نجوت فيها، ورؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين، واتباعك للطائر الذي رأيته واقعا، فلما رآك صعد طائرا إلى السماء، فهلم فاقعد رحمك الله.
فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله من أعلمك بحالي ؟ فقال: عالم الغيب والشهادة، والذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، ثم قال: أنت جائع فتكلم بكلام تململت به شفتاه، فإذا بمائدة عليها منديل، فكشفه وقال: هلم إلى ما رزقك الله فكل، فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه، ثم سقاني ماءا ما رأيت ألذ منه ولا أعذب، ثم صلى ركعتين ثم قال: يا علي أتحب الرجوع إلى بلدك ؟ فقلت: ومن لي بذلك ؟ ! فقال: وكرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك، ثم دعا بدعوات ورفع يده إلى السماء وقال: الساعة الساعة، فإذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا، وكلما وافت سحابة قالت: سلام عليك يا ولي الله وحجته فيقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة، ثم يقول لها: أين تريدين ؟ فتقول: أرض كذا فيقول: الرحمة ؟ أو سخط ؟ فنقول: لرحمة أو سخط وتمضي، حتى جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت: السلام عليك يا ولي الله وحجته قال: وعليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة، أين تريدين ؟ فقالت: أرض طالقان فقال: لرحمة أو سخط ؟ فقالت: لرحمة فقال لها: احملي ما حملت مودعا في الله فقالت: سمعا وطاعة قال لها: فاستقري بإذن الله على وجه الأرض فاستقرت، فأخذ بعض عضدي فأجلسني عليها.
فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم وبحق محمد خاتم النبيين وعلي سيد الوصيين والأئمة الطاهرين من أنت ؟ فقد أعطيت والله أمرا عظيما فقال: ويحك يا علي بن صالح إن الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، إما باطن وإما ظاهر، أنا حجة الله الظاهرة، وحجته الباطنة، أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم، وأنا المؤدي الناطق عن الرسول أنا في وقتي هذا، موسى بن جعفر، فذكرت إمامته وإمامة آبائه وأمر السحاب بالطيران، فطارت، فوالله ما وجدت ألما ولا فزعت فما كان بأسرع من طرفة العين حتى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي وعقاري سالما في عافية فقتله الرشيد وقال لا يسمع بهذا أحد.
6 - عن أبي بصير عن أبي الحسن الماضي قال: دخلت عليه فقلت له: جعلت فداك بم يعرف الامام ؟ فقال: بخصال أما أولهن فشئ تقدم من أبيه فيه، وعرفه الناس، ونصبه لهم علما، حتى يكون حجة عليهم، لان رسول الله صلى الله عليه وآله نصب عليا علما وعرفه الناس، وكذلك الأئمة يعرفونهم الناس، وينصبونهم لهم حتى يعرفوه ويسأل فيجيب، ويسكت عنه فيبتدي ويخبر الناس بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان، فقال لي: يا أبا محمد الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها, فوالله ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية، فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن أكلمك بكلامي إلا أني ظننت أنك لا تحسن، فقال: سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك، ثم قال: يا أبا محمد إن الامام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة، ولا شئ فيه روح، بهذا يعرف الامام، فإن لم يكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام.
7 - عن حماد بن عيسى قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر بالبصرة فقلت له: جعلت فداك ادع الله تعالى أن يرزقني دارا، وزوجة، وولدا، وخادما، والحج في كل سنة، قال: فرفع يده ثم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد وارزق حماد بن عيسى دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة قال حماد: فلما اشترط خمسين سنة علمت أني لا أحج أكثر من خمسين سنة، قال حماد: وقد حججت ثمانية وأربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذه خادمي وقد رزقت كل ذلك، فحج بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين، ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أبا العباس النوفلي فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرق، فمات رحمنا الله وإياه قبل أن يحج زيادة على الخمسين وقبره بسيالة.

8 - عن أمية بن علي القيسي قال: دخلت أنا وحماد ابن عيسى على أبي جعفر بالمدينة لنودعه فقال لنا: لا تخرجا أقيما إلى غد قال: فلما خرجنا من عنده، قال حماد: أنا أخرج فقد خرج ثقلي قلت: أما أنا فأقيم قال: فخرج حماد فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيالة.

9 - بصائر الدرجات: أحمد بن محمد، عن القاسم، عن جده، عن يعقوب بن إبراهيم الجعفري قال: سمعت إبراهيم بن وهب وهو يقول: خرجت وأنا أريد أبا الحسن بالعريض فانطلقت حتى أشرفت على قصر بني سراة ثم انحدرت الوادي فسمعت صوتا لا أرى شخصه وهو يقول: يا أبا جعفر صاحبك خلف القصر عند السدة فاقرأه مني السلام، فالتفت فلم أر أحدا ثم رد على الصوت باللفظ الذي كان، ثم فعل ذلك ثلاثا فاقشعر جلدي ثم انحدرت في الوادي حتى أتيت قصد الطريق الذي خلف القصر، ولم أطأ في القصر، ثم أتيت السد نحو السمرات ثم انطلقت قصد الغدير، فوجدت خمسين حياة روافع من عند الغدير.
ثم استمعت فسمعت كلاما ومراجعة فطفقت بنعلي ليسمع وطئي، فسمعت أبا الحسن يتنحنح، فتنحنحت وأجبته، ثم هجمت فإذا حية متعلقة بساق شجرة فقال: لا تخشي ولا ضائر، فرمت بنفسها، ثم نهضت على منكبه، ثم أدخلت رأسها في اذنه فأكثرت من الصفير، فأجاب: بلى قد فصلت بينكم، ولا يبغي خلاف ما أقول إلا ظالم، ومن ظلم في دنياه فله عذاب النار في آخرته، مع عقاب شديد، أعاقبه إياه وآخذ ماله إن كان له حتى يتوب، فقلت: بأبي أنت وأمي ألكم عليهم طاعة ؟ فقال: نعم والذي أكرم محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة، وأعز عليا عليه السلام بالوصية والولاية إنهم لأطوع لنا منكم، يا معشر الانس وقليل ما هم.
10 - عن علي بن يقطين قال: أردت أن أكتب إليه أسأله يتنور الرجل وهو جنب ؟ قال: فكتب إلي ابتداءا: النورة تزيد الجنب نظافة، ولكن لا يجامع الرجل مختضبا ولا تجامع مرأة مختضبة.


حِكم الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - مناقب ابن شهرآشوب: موسى بن جعفر قال: دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي قال: فأجلسني أبي بين يديه وقال: يا بني اكتب: تنح عن القبيح ولا ترده ثم قال: أجزه، فقلت: ومن أوليته حسنا فزده.
ثم قال: ستلقى من عدوك كل كيد, فقلت: إذا كاد العدو فلا تكده قال: فقال: ذرية بعضها من بعض.
2 - عن عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي الحسن فذكر محمد فقال: إني جعلت على أن لا يظلني وإياه سقف بيت، فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر والصلة ويقول هذا لعمه قال: فنظر إلي فقال: هذا من البر والصلة إنه متى يأتيني ويدخل علي، فيقول ويصدقه الناس وإذا لم يدخل علي، لم يقبل قوله إذا قال.
3 - عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى قال: قلت له: إني قد أشفقت من دعوة أبي عبد الله على ابن يقطين وما ولد فقال: يا أبا الحسن ليس حيث تذهب إنما المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللبنة، يجئ المطر فيغسل اللبنة فلا يضر الحصاة شيئا.
4 - عن إبراهيم بن المفضل بن قيس، قال: سمعت أبا الحسن الأول وهو يحلف أن لا يكلم محمد بن عبد الله الأرقط أبدا، فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر والصلة ويحلف أن لا يكلم ابن عمه أبدا، قال: فقال: هذا من بري به، هو لا يصبر أن يذكرني ويعينني فإذا علم الناس ألا أكلمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكري فكان خيرا له.
5 - عن صفوان قال: سألني أبو الحسن ومحمد بن خلف جالس فقال لي: مات يحيى بن القاسم الحذاء ؟ فقلت له: نعم، ومات زرعة فقال: كان جعفر يقول: فمستقر ومستودع، فالمستقر قوم يعطون الايمان ومستقر في قلوبهم والمستودع قوم يعطون الايمان ثم يسلبونه.
6 - لقي الرشيد موسى بن جعفر على بغلة فاستنكر ذلك وقال : أتركب دابة إن طلبت عليها لم تلحق وإن طلبت له لم تسبق، فقال: لست بحيث أحتاج أن أطلب أو أطلب، فإنها دابة تنحط عن خيلاء وترتفع عن ذلة الحمير وخير الأمور أوساطها.


عبادة الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - الحسين بن سعيد أو النوادر: إبراهيم بن أبي البلاد قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: إني أستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة.
2 - عن حفص قال: ما رأيت أحدا أشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر ولا أرجى للناس منه وكانت قراءته حزنا فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا.
3 - اليوناني كانت لموسى بن جعفر - بضع عشرة سنة - كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن، وبكى السامعون لتلاوته، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع.
4 - عن هشام ابن أحمر قال: كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود ؟ ! فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي.
5 - عن أبي الوضاح محمد ابن عبد الله النهشلي، عن أبيه قال: سمعت الامام أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: التحدث بنعم الله شكر، وترك ذلك كفر، فارتبطوا نعم ربكم تعالى بالشكر وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا البلاء بالدعاء، فإن الدعاء جنة منجية ترد البلاء وقد أبرم إبراما.
6 - أحمد بن عبد الله، عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: أشرف على هذا البيت وانظر ما ترى ؟ فقلت: ثوبا مطروحا فقال: انظر حسنا فتأملت فقلت: رجل ساجد، فقال لي تعرفه ؟ هو موسى بن جعفر، أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على هذه الحالة إنه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد أوقات الصلاة، فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء، وهو دأبه، فإذا صلى العتمة أفطر، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر، وقال بعض عيونه: كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه " اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد ".
وكان يقول في سجوده " قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو والتجاوز من عندك ".
ومن دعائه " اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.


أدعية الإمام موسى الكاظم عليه السلام
1- دعاؤه لطلب الرزق:
قال: يا الله، أسألك بحقّ من حقّه عليك عظيم، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن ترزقني العمل بما علّمتني من معرفة حقّك، وأن تبسط عليّ ما حظرت من رزقك.
2 - دعاؤه لطلب العافية:
قال: توكّلت على الحيّ الذي لا يموت، وتحصّنت بذي العزّة والجبروت، واستعنت بذي الكبرياء والملكوت، مولاي استسلمت إليك فلا تسلّمني، وتوكّلت عليك فلا تخذلني، ولجأت إلى ظلّك البسيط فلا تطرحني، أنت المطلب، واليك المهرب، تعلم ما أخفي وما أعلن، وتعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فامسك عنّي اللَّهمَّ أيدي الظالمين من الجنّ والإنس أجمعين، واشفني يا أرحم الراحمين .
3 - دعاؤه في الأخلاق:
قال: السر عندك علانية، والغيب عندك شهادة، تعلم وهم القلوب، ورجم الغيوب، ورجع الألسن، وخائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنت رجاؤنا عند كل شدّة، وغياثنا عند كل محل، وسيّدنا في كل كريهة، وناصرنا عند كل ظلم، وقوّتنا عند كل ضعف، وبلاغنا في كل عجز, كم من كريهة وشدّة ضعفت فيها القوّة، وقلّت فيها الحيلة، أسلمنا فيها الرفيق، وخذلنا فيها الشفيق، أنزلتها بك يا رب، ولم نرج غيرك، ففرّجتها وخففت ثقلها، وكشفت غمرتها، وكفيتنا إيّاها عمّن سواك.
4 - دعاؤه لوفاء الدين:
قال: اللّهم اردد على جميع خلقك مظالمهم التي قِبَلِي، صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية، وما لم تبلغه قوّتي، ولم تسعه ذات يدي، ولم يقوَ عليه بدني ويقيني ونفسي، فأدّه عنّي من جزيل ما عندك من فضلك، ثمّ لا تخلف عليّ منه شيئاً تقضيه من حسناتي، يا أرحم الراحمين، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.
5 - دعاؤه في القنوت:
قال : يا مفزع الفازع، ويا مأمن الهالع، ومطمع الطامع، وملجأ الضارع، يا غوث اللهفان، ومأوى الحيوان، ومروي الظمآن، ومشبع الجوعان، وكاسي العريان، وحاضر كل مكان، بلا درك ولا عيان، ولا صفة ولا بطان، عجزت الأفهام، وضلّت الأوهام عن موافقة صفة دابة من الهوام، فضلاً عن الأجرام العظام، ممّا أنشأت حجاباً لعظمتك، وأنّى يتغلغل إلى ما وراء ذلك بما لا يرام.
تقدّست يا قدّوس عن الظنون والحدوس، وأنت الملك القدوس، بارئ الأجسام والنفوس، ومنخر العظام، ومميت الأنام، ومعيدها بعد الفناء والتطميس.
أسألك يا ذا القدرة والعلاء، والعز والثناء، أن تصلّي على محمّد وآله أولي النهى، والمحل الأوفى، والمقام الأعلى، وأن تعجّل ما قد تأجّل، وتقدّم ما تأخّر، وتأتي بما قد أوجبت إثباته، وتقرّب ما قد تأخّر في النفوس الحصرة أوانه، وتكشف البأس وسوء البأس، وعوارض الوسواس الخنّاس في صدور الناس، وتكفينا ما قد رهقنا، وتصرف عنّا ما قد ركبنا، وتبادر اصطلام الظالمين، ونصر المؤمنين، والادالة من المعاندين، آمين رب العالمين.
6 - دعاؤه لطلب الحاجة:
قال: يا سابق كل فوت، يا سامعاً لكل صوت قوي أو خفي، يا محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية، ولا تشابه عليك اللغات المختلفة، ولا يشغلك شيء عن شيء، يا من لا يشغله دعوة داع دعاه من السماء، يا من له عند كل شيء من خلقه سمع سامع، وبصر نافذ، يا من لا تغلظه كثرة المسائل، ولا يبره إلحاح الملحّين، يا حيّ حين لا حيّ في ديمومة ملكه وبقائه، يا من سكن العلى، واحتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرقت لنوره دجا الظلم، أسألك باسمك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي هو من جميع أركانك، صلّ على محمّد وأهل بيته. ثمّ يسأل حاجته.


أدعية الإمام موسى الكاظم عليه السلام لأيام الأسبوع
دعاؤه ليوم الجمعة قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الإسلام كما وصف، والدين كما شرع، وأنّ الكتاب كما أنزل، والقول كما حدث، وإنّ الله هو الحق المبين، وصلوات الله وبركاته وشرايف تحياته وسلامه على محمّد وآله.
أصبحت في أمان الله الذي لا يستباح، وفي ذمّة الله التي لا تخفر، وفي جوار الله الذي لا يُضام، وكنفه الذي لا يرام، وجار الله آمن محفوظ، ما شاء الله، كل نعمة فمن الله، ما شاء الله، لا يأتي الخير إلاّ الله، ما شاء الله، نعم القادر الله، ما شاء الله، توكّلت على الله.
أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
اللّهم اغفر لي كل ذنب يحبس رزقي، ويحجب مسألتي، أو يقصر بي عن بلوغ مسألتي، أو يصد بوجهك الكريم عنّي.
اللّهم اغفر لي، وارزقني، وارحمني، وأجبرني، وعافني، واعف عنّي، وارفعني، واهدني، وانصرني، والق قلبي الصبر، والنصر يا مالك الملك، فإنّه لا يملك ذلك غيرك.
اللّهم وما كتبت عليّ من خير فوفّقني واهدني له، ومُنَّ عليّ به، وأعنّي وثبّتني عليه، واجعله أحب إليّ من غيره، وأثر عندي ممّا سواه، وزدني من فضلك.
اللّهم إنّي أسألك رضوانك والجنّة، وأعوذ بك من سخطك والنار، وأسألك النصيب الأوفر في جنّات النعيم.
اللّهم طهّر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وبصري من الخيانة، فإنّك تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.
اللّهم إن كنت عندك محروماً مقتراً عليّ رزقي فامح حرماني، وتقتير رزقي، واكتبني عندك مرزوقاً موفّقاً للخيرات، فإنّك قلت تباركت وتعاليت: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. صلّى الله على محمّد وآله، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم السبت قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وإنّ الدين كما شرع، وإنّ الكتاب كما أنزل، والقول كما حدث، وإنّ الله هو الحق المبين، وصلوات الله وسلامه على محمّد وآله.
أصبحت اللّهم في أمانك، أسلمت إليك نفسي، ووجّهت إليك وجهي، وفوّضت إليك أمري، وألجأت إليك ظهري، رهبة منك، ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ورسولك الذي أرسلت.
اللّهم إنّي فقير إليك فارزقني بغير حساب، إنّك ترزق من تشاء بغير حساب، اللّهم إنّي أسألك الطيّبات من الرزق، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليّ.
اللّهم إنّي أسألك بكرامتك التي أنت أهلها، أن تتجاوز عن سوء ما عندي، بحسن ما عندك يا الله، وأن تعطيني من جزيل عطائك، أفضل ما أعطيته أحداً من عبادك.
اللّهم إنّي أعوذ بك من مال يكون عليّ فتنة، ومن ولد يكون لي عدواً، اللّهم قد ترى مكاني، وتسمع ندائي وكلامي، وتعلم حاجتي، أسألك بجميع أسمائك أن تقضي لي كل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة.
اللّهم إنّي أدعوك دعاء عبد ضعفت قوّته، واشتدت فاقته، وعظم جرمه، وقلّ عدده، وضعف عمله، دعاء من لا يجد لفاقته ساداً غيرك، ولا لضعفه عوناً سواك، أسألك جوامع الخير وخواتمه وسوابقه وفوائده، وجميع ذلك بدوام فضلك وإحسانك، ويمنك ورحمتك، فارحمني واعتقني من النار.
يا من كبس الأرض على الماء، يا من سمك السماء في الهواء، ويا واحداً قبل كل أحد، ويا واحداً بعد كل شيء، ويا من لا يعلم ولا يدري كيف هو إلاّ هو، ويا من لا يقدّر قدرته إلاّ هو، ويا من كل يوم هو في شأن، يا من لا يشغله شأن عن شأن، ويا غوث المستغيثين، ويا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطرّين، ويا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما.
رب ارحمني رحمة لا تضلّني ولا تشقني بعدها أبداً، إنّك حميد مجيد، وصلّى الله على محمّد وآله.

دعاؤه ليوم الأحد قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: باسم الله، اشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، واشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ الإسلام كما وصف، والدين كما شرع، وأنّ الكتاب كما أنزل، والقول كما حدث، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلى عليه كما هو أهله وعلى آله.
أصبحت وأصبح الملك والكبرياء والعظمة، والخلق والأمر، والليل والنهار، وما يكون فيهما لله وحده لا شريك له.
اللهم اجعل أوّل هذا النهار صلاحاً، وأوسطه نجاحاً، وآخره فلاحاً، وأسألك خير الدنيا والآخرة.
اللّهم لا تدع لي ذنباً إلاّ غفرته، ولا همّاً إلاّ فرّجته، ولا ديناً إلاّ قضيته، ولا غائباً إلاّ حفظته، وأدّيته، ولا مريضاً إلاّ شفيته، وعافيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى، ولي فيها صلاح إلاّ قضيتها.
اللّهم تمّ نورك فهديت، وعظم حلمك فعفوت، وبسطت يدك فأعطيت، فلك الحمد، وجهك خير الوجوه، وعطيّتك أنفع العطية، فلك الحمد تطاع ربّنا فتشكر، وتعصى ربّنا فتغفر، تجيب المضطرّ وتكشف الضر، وتشفي السقم، وتنجي من الكرب العظيم ؛ لا تجزي بآلائك، ولا يحصي نعمائك أحدٌ، رحمتك وسعت كل شيء فارحمني، ومن الخيرات فارزقني.
تقبّل صلاتي، واسمع دعائي، ولا تعرض عنّي يا مولاي حين أدعوك، ولا تحرمني الهي حين أسألك من أجل خطاياي ؛ الهي لا تحرمني لقاءك، واجعل محبّتي وإرادتي محبّتك وإرادتك، واكفني هول المطلع.
اللّهم إنّي أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفذ، ومرافقة محمّد في أعلى جنّة الخلد.
اللّهم وأسألك العفاف والتقى، والعمل بما تحب وترضى، والرضا بالقضاء، والنظر إلى وجهك، اللّهم لقّني حجّتي عند الممات، ولا ترني عملي حسرات.
اللّهم اكفني طلب ما لم تقدر لي من الرزق، وما قسمت لي فاتني به يا الله في يسر منك وعافية.
اللّهم إنّي أسألك توبة نصوحاً تقبلها منّي، تبقي عليّ بركتها، وتغفر بها ما مضى من ذنوبي، وتعصمني بها فيما مضى من عمري، يا أهل التقوى والمغفرة، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم الاثنين قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأنّ الدين كما شرع، وأنّ القول كما حدث، وأنّ الكتاب كما أنزل، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلى عليه وعلى آله.
اللّهم ما أصبحت فيه من عافية في ديني ودنياي، فأنت الذي أعطيتني ورزقتني ووفّقتني له، وسترتني، ولا حمد لي يا الهي في ما كان منّي من خير، ولا عذر لي منه.
اللهم إنّه لا حول ولا قوّة لي على جميع ذلك إلاّ بك، يا من بلغ أهل الخير وأعانهم عليه، بلّغني الخير وأعنّي عليه.
اللّهم أحسن عاقبتي في الأمور كلّها، وأجرني من مواقف الخزي في الدنيا والآخرة، إنّك على كل شيء قدير.
اللّهم إنّي أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك الغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، وأسألك الفوز بالجنّة، والنجاة من النار.
اللّهم رضّني بقضائك حتّى لا أحب تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت عليّ، اللّهم اعطني ما أحببت، واجعله خيراً لي، اللّهم ما أنسيتني فلا تنسني ذكرك، وما أحببت فلا أحب معصيتك.
اللّهم امكر لي ولا تمكر عليّ، واعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، واهدني ويسّر لي الهدى، واعنّي على من ظلمني حتّى أبلغ فيه ثأري، اللّهم اجعلني لك شاكراً ذاكراً لك، محبّاً لك، راهباً، واختم لي منك بخير.
اللّهم إنّي أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أن تحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وإن تتوفّاني إذا كانت الوفاة خيراً لي، وأسألك خشيتك في السر والعلانية، والعدل في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأن تحبّب إليّ لقاءك في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنةٍ مضلّة، واختم لي بما ختمت به لعبادك الصالحين، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم الثلاثاء قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأنّ الدين كما شرع، وأنّ القول كما حدث، وأنّ الكتاب كما أنزل، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلّى عليه وعلى آله.
وأصبحت أسألك يا الله، والعافية في ديني ودنياي وآخرتي، وأهلي ومالي وولدي، اللّهم استر عوراتي، وأجب دعواتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، اللّهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني، وإن تضعني فمن ذا الذي يرفعني.
اللّهم لا تجعلني للبلاء عرضاً، ولا للفتنة نصباً، ولا تتبعني ببلاء على أثر بلاء، فقد ترى ضعفي وقلّة حيلتي وتضرّعي، أعوذ بك من جميع غضبك فأعذني، واستجير بك فأعنّي، وأتوكّل عليك فاكفني، واستهديك فاهدني، واستعصمك فاعصمني، واستغفرك فاغفر لي، واسترحمك فارحمني، واسترزقك فارزقني ؛ سبحانك من ذا يعلم ما أنت ولا يخافك، ومن يعرف قدرتك ولا يهابك، سبحانك ربّنا.
اللّهم إنّي أسألك إيماناً دائماً، وقلباً خاشعاً، وعلماً نافعاً، ويقيناً صادقاً، وأسألك ديناً قيّماً، وأسألك رزقاً واسعاً.
اللّهم لا تقطع رجاءنا، ولا تخيّب دعاءنا، ولا تجهد بلاءنا، وأسألك العافية والشكر على العافية، وأسألك الغنى عن الناس أجمعين، يا ارحم الراحمين، ويا منتهى همّة الراغبين، والمفرّج عن المغمومين، ويا من إذا أراد شيئاً فحسبه أن يقول له كن فيكون.
اللّهم إنّ كل شيء لك، وكل شيء بيدك، وكل شيء إليك يصير، وأنت على كل شيء قدير ؛ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ميسّر لما عسّرت، ولا معقّب لما حكمت، ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ، ولا قوّة إلاّ بك، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن.
اللّهم فما قصر عنه عملي ورأيي، ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحداً من خلقك، وخير أنت معطيه أحداً من خلقك، فإنّي أسألك وأرغب إليك فيه، يا أرحم الراحمين، اللّهم صل على محمّد وآله، إنّك حميد مجيد.

دعاؤه ليوم الأربعاء قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، والدين كما شرع، وأنّ الكتاب كما أنزل، وأنّ القول كما حدث، وأنّ الله هو الحق المبين، حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلّى عليه وعلى آله.
اللّهم اجعلني من أفضل عبادك نصيباً في كل خير تقسمه في هذا اليوم، من نور تهدي به، أو رزق تبسطه، أو ضرّ تكشفه، أو بلاء تصرفه، أو شرّ تدفعه، أو رحمة تنشرها، أو معصية تصرفها.
اللّهم اغفر لي ما قد سلف من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملاً ترضى به عنّي.
اللّهم إنّي أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في شيء من كتبك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو علّمته أحداً من خلقك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، وشفاء صدري، ونور بصري، وذهاب همّي وحزني إنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك.
اللّهم رب الأرواح الفانية، ورب الأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح البالغة إلى عروجها، وبطاعة القبور المشتقّة عن أهلها، وبدعوتك الصادقة فيهم، وأخذك الحق بينهم وبين الخلائق مثلاً ينطقون من مخافتك، يرجون رحمتك، ويخافون عذابك، أسألك النور في بصري، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، وذكرك على لساني أبداً ما أبقيتني.
اللّهم ما فتحت لي من باب طاعة فلا تغلقه عنّي أبداً، وما أغلقت عنّي من باب معصية فلا تفتحه عليّ أبداً، اللّهم ارزقني حلاوة الإيمان، وطعم المغفرة، ولذّة الإسلام، وبرد العيش بعد الموت، إنّه لا يملك ذلك غيرك.
اللّهم إنّي أعوذ بك أن أضل أو أذل، أو أظلم أو آمر، أو أجهل أو يجهل عليّ، أو أجور أو يجار عليّ، أخرجني من الدنيا مغفوراً لي ذنبي، ومقبولاً عملي، واعطني كتابي بيميني، واحشرني في زمرة النبي محمّد وآله.

دعاؤه ليوم الخميس قال: مرحباً بخلق الله الجديد، وبكما من كاتبين وشاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، واشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّ الإسلام كما وصف، وأنّ الدين كما شرع، والقول كما حدث، والكتاب كما أنزل، وإنّ الله هو الحق المبين ؛ حيّا الله محمّداً بالسلام، وصلّى عليه وعلى آله.
أصبحت أعوذ بوجه الله الكريم، واسمه العظيم، وكلماته التامّة، من شر السامّة والهامّة، والعين اللامة، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر كل دابّة ربّي أخذ بناصيتها، إنّ ربّي على صراط مستقيم.
اللّهم إنّي أعوذ بك من جميع خلقك، وأتوكّل عليك في جميع أموري، فاحفظني من بين يدي ومن خلفي، ومن فوقي ومن تحتي، ولا تكلني في حوائجي إلى عبد من عبادك فيخذلني، أنت مولاي وسيّدي فلا تخيّبني من رحمتك.
اللّهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحويل عافيتك، استعنت بحول الله وقوّته من حول خلقه وقوّتهم، وأعوذ برب الفلق من شر ما خلق، حسبي الله ونعم الوكيل.
اللّهم أعزّني بطاعتك، وأذلّ أعدائي بمعصيتك، واقصمهم يا قاصم كل جبّار عنيد، يا من لا يخيب من دعاه، ويا من إذا توكّل العبد عليه كفاه، اكفني كل مهم من أمر الدنيا والآخرة.
اللّهم إنّي أسألك عمل الخائفين، وخوف العاملين، وخشوع العابدين، وعبادة المتّقين، وإخبات المؤمنين، وإنابة المخبتين، وتوكّل الموقنين، ويسر المتوكّلين، وألحقنا بالأحياء المرزوقين، وأدخلنا الجنّة، واعتقنا من النار، واصلح لنا شأننا كلّه.
اللّهم إنّي أسألك إيماناً صادقاً، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، إنّك بكل خير عالم غير معلّم، أن تقضي لي حوائجي، وأن تغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله، إنّك حميد مجيد.


استجابة دعاء الإمام موسى الكاظم عليه السلام
1ـ قال عبد الله بن صالح: حدّثنا صاحب الفضل بن الربيع، قال: كنت ذات ليلة في فراشي، مع بعض جواري، فلمّا كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة، فراعني ذلك، فقالت الجارية: لعلّ هذا من الهواء، فلم يمض إلاّ يسير حتّى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ, فقال: أجب الرشيد، ولم يسلّم عليّ، فيئست من نفسي، وقلت: هذا مسرور، ويدخل بلا إذن ولم يسلّم، ما هو إلاّ القتل ؛ فقالت الجارية لمّا رأت تحيّري: ثق بالله عزّ وجلّ وانهض، فنهضت ولبست ثيابي، وخرجت معه حتّى أتيت الدار، فسلّمت على أمير المؤمنين ـ وهو في مرقده ـ فردّ عليّ السلام، فسقطت, فقال: تداخلك رعب ! قلت: نعم يا أمير المؤمنين, فتركني ساعة حتّى سكنت، ثمّ قال: صر إلى حبسنا فاخرج موسى بن جعفر بن محمّد، وادفع إليه ثلاثين ألف درهم، واخلع عليه خمس خلع، واحمله على ثلاثة مراكب، وخيّره بين المقام معنا، أو الرحيل عنّا إلى أي بلاد أحب, فقلت له: يا أمير المؤمنين ! تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ؟! قال: نعم، فكررت ثلاث مرّات، فقال: نعم، ويلك ! أتريد أن أنكث العهد ؟! فقلت: يا أمير المؤمنين ! وما العهد ؟!
قال: بينا أنا في مرقدي هذا، إذ ساورني أسد، ما رأيت من الأسود أعظم منه، فقعد على صدري، وقبض على حلقي، وقال لي: حبست موسى بن جعفر ظالماً له, فقلت: وأنا أطلقه، وأهب له، وأخلع عليه، فأخذ عليّ عهد الله عزّ وجلّ وميثاقه، وقام عن صدري، وقد كادت نفسي أن تخرج، فقال: فخرجت من عنده، ووافيت موسى بن جعفر وهو في حبسه، فرأيته قائماً يصلّي، فجلست حتّى سلّم، ثمّ أبلغته سلام أمير المؤمنين، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره، وإنّي قد أحضرت ما وصله به, فقال: إن كنت أمرت بشيء غير هذا، فأفعله, فقلت: لا، وحق جدّك رسول الله، ما أمرت إلاّ بهذا, فقال: لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال، إذا كانت فيه حقوق الأمّة, فقلت: ناشدتك الله أن لا تردّه فيغتاظ، فقال: اعمل به ما أحببت.
وأخذت بيده ، وأخرجته من السجن، ثمّ قلت له: يا ابن رسول الله، أخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقّي عليك لبشارتي إيّاك، ولما أجراه الله تعالى من هذا الأمر ؟
فقال: رأيت النبي ليلة الأربعاء في النوم، فقال لي: يا موسى أنت محبوس مظلوم، فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم، فكرّر عليّ ثلاثاً، ثمّ قال: لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ, الأنبياء:
أصبح غداً صائماً، واتبعه بصيام الخميس والجمعة، فإذا كان وقت الإفطار فصل اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة: الحمد واثنتي عشرة قل هو الله أحد، فإذا صليت منها أربع ركعات فاسجد.
ثمّ قل: يا سابق الفوت، يا سامع كل صوت، ويا محي العظام وهي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم، أن تصلّي على محمّد عبدك ورسولك، وعلى أهل بيته الطاهرين، وأن تعجّل لي الفرج ممّا أنا فيه، ففعلت فكان الذي رأيت.
2ـ نقل صاحب كتاب نثر الدرر: أنّ الإمام موسى الكاظم ذكر له، أنّ الهادي قد هم بك، قال لأهل بيته ومن يليه: ما تشيرون به عليّ من الرأي ؟.
فقالوا: نرى أن تتباعد عنه، وأن تغيّب شخصك عنه، فإنّه لا يؤمن عليك من شرّه، فتبسّم، ثمّ قال:
زعمت سخينة أن ستغلب ** ربّها وليغلبن مغالب الغلاب.
ثمّ رفع يده إلى السماء، فقال: الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، وأرهف لي شبا حدّه، وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عنّي عين حراسته، فلمّا رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمّات الحوائج، صرفت ذلك عنّي بحولك وقوّتك، لا بحلوي وقوّتي، وألقيته في الحفيرة التي احتفرها لي، خائباً ممّا أمله في دنياه، متباعداً عمّا يرجوه في أخراه, فلك الحمد على قدر ما عممتني فيه نعمك، وما توليتني من جودك وكرمك، اللّهم فخذه بقوّتك، وافلل حدّه عنّي بقدرتك، واجعل له شغلاً فيما يليه، وعجزاً به عما ينويه.
اللَّهُمَّ واعدني عليه عدوة حاضرة، تكون من غيظي شفاءً، ومن حنقي عليه وفاءً، وصل اللّهم دعائي بالإجابة، وانظم شايتي بالتغيير، وعرفه عمّا قليل ما وعدت به من الإجابة لعبيدك المضطرين، إنّك ذو الفضل العظيم، والمن الجسيم.
ثمّ إنّ أهل بيته انصرفوا عنه، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة، اجتمعوا لقراءة الكتاب الوارد على موسى الكاظم بموت الهادي.
3ـ عن ابن أبي عمير قال: حدّثني أبو جعفر الشامي، قال: حدّثني رجل بالشام يقال له هلقام، قال: أتيت أبا إبراهيم، فقلت له: جعلت فداك علّمني دعاء جامعاً للدنيا والآخرة وأوجز.
فقال: قل في دبر الفجر إلى أن تطلع الشمس: سبحان الله العظيم وبحمده، استغفر الله، وأسأله من فضله, قال هلقام: لقد كنت من أسوء أهل بيتي حالاً، فما علمت حتّى أتاني ميراث من قبل رجل ما ظننت أنّ بيني وبينه قرابة، وإنّي اليوم من أيسر أهل بيتي، وما ذلك إلاّ بما علّمني مولاي العبد الصالح .
4ـ قال داود بن زربي: سمعت أبا الحسن الأوّل يقول: اللّهم إنّي أسألك العافية، وأسألك جميل العافية، وأسألك شكر العافية، وأسألك شكر شكر العافية. وكان النبي يدعو ويقول: أسألك تمام العافية، ثمّ قال: تمام العافية الفوز بالجنّة، والنجاة من النار. ولا ريب أنّ الدعاء من قلب العبد الصالح المؤمن، التقي، الورع، يستجاب من الله العزيز القدير، وجاء ذلك في القرآن الكريم: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.
5 - مناقب ابن شهرآشوب: حكي أنه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه وأخذ جليدا فأذابه بدواء، ثم أخذ ماءا وعقده بدواء وقال: هذا الطب إلا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك فقال الخليفة: علي بموسى بن جعفر فاتي به فسمع في الطريق أنينه، فدعا الله سبحانه، وزال مغص الخليفة فقال له: بحق جدك المصطفى أن تقول بم دعوت لي ؟ فقال قلت: اللهم كما رأيته ذل معصيته، فأره عز طاعتي، فشفاه الله من ساعته.
6 - عن عبد الله بن الفضل، عن أبيه الفضل قال: كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوما غضبانا وبيده سيف يقلبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك، فقلت: بمن أجيئك ؟ فقال: بهذا الحجازي قلت: وأي الحجازيين ؟ قال موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب.
قال الفضل: فخفت من الله عز وجل إن جئت به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له: أفعل فقال: ائتني بسواطين وهبنازين وجلادين قال: فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر, فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود فقلت له: استأذن لي على مولاك يرحمك الله فقال لي: لج ليس له حاجب ولا بواب، فولجت إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده فقلت له: السلام عليك يا ابن رسول الله أجب الرشيد فقال: ما للرشيد و مالي ؟ أما تشغله نعمته عني ؟ ثم قام مسرعا، وهو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله : أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ما جئت.
فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله فقال : أليس معي من يملك الدنيا والآخرة، ولن يقدر اليوم على سوء بي إنشاء الله قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح على رأسه ثلاث مرات فدخلت إلى الرشيد فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلما رآني قال لي: يا فضل فقلت: لبيك فقال: جئتني بابن عمي ؟ قلت: نعم قال: لا تكون أزعجته ؟ فقلت: لا قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان ؟ فاني قد هيجت على نفسي ما لم أرده ائذن له بالدخول فأذنت له.
فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له: مرحبا بابن عمي وأخي، ووارث نعمتي، ثم أجلسه على فخذه وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا ؟ فقال: سعة ملكك وحبك للدنيا فقال: ائتوني بحقة الغالية، فاتي بها فغلفه بيده ثم أمره أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال موسى بن جعفر: والله لولا أني أرى من أزوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثم تولى عليه السلام وهو يقول: الحمد لله رب العالمين.
فقال الفضل: يا أمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته ؟ فقال لي: يا فضل إنك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه.
فتبعته فقلت له: ما الذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد ؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي طالب كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلا هزمه، ولا إلى فارس إلا قهره، وهو دعاء كفاية البلاء قلت: وما هو ؟ قال: قلت: اللهم بك أساور، وبك أحاول، وبك أحاور، وبك أصول، وبك أنتصر، وبك أموت، وبك أحيى أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد بلطف ما خولتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قومتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني.
7 - عن علي بن يقطين قال: أنهي الخبر إلى أبي الحسن موسى بن جعفر وعنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسى ابن المهدي في أمره فقال لأهل بيته: ما تشيرون ؟ قالوا: نرى أن تتباعد عنه، وأن تغيب شخصك منه، فإنه لا يؤمن شره، فتبسم أبو الحسن ثم قال:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها * وليغلبن مغلب الغلاب.
ثم رفع يده إلى السماء فقال: اللهم كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، وأرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوايح صرفت عني ذلك بحولك وقوتك، لا بحولي وقوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك سيدي, اللهم فخذه بعزتك وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عمن يناويه، اللهم وأعدني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفاءا ومن حقي عليه وفاءا وصل اللهم دعائي بالإجابة، وانظم شكايتي بالتغيير، وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، إنك ذو الفضل العظيم، والمن الكريم ".
قال: ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدي، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى من أهل بيته:
وسارية لم تسر في الأرض تبتغي محلا ولم يقطع بها البعد قاطع
سرت حيث لم تحد الركاب ولم تنخ لورد ولم يقصر لها البعد مانع
تمر وراء الليل والليل ضارب بجثمانه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السماء ودونها إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا وردت لم يردد الله وفدها على أهلها والله راء وسامع
وإني لأرجو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ما الله صانع.
8 - ماجيلويه، عن علي، عن أبيه قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس الرشيد موسى بن جعفر جن عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسى طهوره واستقبل بوجهه القبلة وصلى لله عز وجل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، وخلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء، خلصني من يدي هارون.
قال: فلما دعا موسى بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه وبيده سيف قد سله، فوقف على رأس هارون وهو يقول: يا هارون أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب فقال له: اذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال: من ذا ؟ قال: إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك، وأطلق عنه، فصاح السجان يا موسى: إن الخليفة يدعوك.
فقام موسى مذعورا فزعا وهو يقول: لا يدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريد بي، ... فجاء إلى هارون وهو ترتعد فرائصه فقال: سلام على هارون فرد ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات ؟ فقال: نعم، قال: وما هن ؟ قال: جددت طهورا وصليت لله عز وجل أربع ركعات، ورفعت طرفي إلى السماء و قلت: يا سيدي خلصني من يد هارون وذكره وشره، وذكر له ما كان من دعائه فقال هارون قد استجاب الله دعوتك يا حاجب أطلق عن هذا، ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا وحمله على فرسه وأكرمه وصيره نديما لنفسه، ثم قال: هات الكلمات فعلمه فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه إلى الدار ويكون معه، فصار موسى بن جعفر كريما شريفا عند هارون، وكان يدخل عليه في كل خميس إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي بن شاهك وقتله بالسم.


جود وكرم الإمام الكاظم عليه السلام
1 - عن محمد بن عبد الله البكري قال: قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن فشكوت إليه، فأتيته بنقمي في ضيعته، فخرج إلي ومعه غلام ومعه منسف فيه قديد مجزع، ليس معه غيره، فأكل فأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل ولم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه: اذهب ثم مد يده إلي فناولني صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي وانصرفت.

2 - الحسن بن محمد، عن جده، عن غير واحد من أصحابه ومشايخه أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى ويسبه إذا رآه، ويشتم عليا فقال له بعض حاشيته يوما: دعنا نقتل هذا الفاجر، فنهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم، وسأل عن العمري فذكر أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه، فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري: لا توطئ زرعنا، فتوطأه بالحمار حتى وصل إليه، ونزل وجلس عنده، وباسطه وضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا ؟ قال: مائة دينار، قال: فكم ترجو أن تصيب ؟ قال: لست أعلم الغيب قال له: إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه ؟ قال: أرجو أن يجئ مائتا دينار.
قال: فأخرج له أبو الحسن صرة فيها ثلاثمائة دينار، وقال هذا زرعك على حاله، والله يرزقك فيه ما ترجو قال: فقام العمري فقبل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه فتبسم إليه أبو الحسن وانصرف، قال: وراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر إليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته قال: فوثب أصحابه إليه فقالوا له: ما قضيتك ؟ قد كنت تقول غير هذا قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، وجعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام فخاصموه وخاصمهم، فلما رجع أبو الحسن إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري: أيما كان خيرا ما أردتم ؟ أم ما أردت ؟ إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم، وكفيت به شره.
3 - حُكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنية في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه فقال: إني قد فتشت الاخبار عن جدي رسول الله فلم أجد لهذا العيد خبرا وإنه سنة للفرس ومحاها الاسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الاسلام.
فقال المنصور: إنما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم إلا جلست, فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنؤونه، ويحملون إليه الهدايا والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن فقال له: يا ابن بنت رسول الله إنني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي :
عجبت لمصقول علاك فرنده يوم الهياج وقد علاك غبار
ولأسهم نفذتك دون حرائر يدعون جدك والدموع غزار
ألا تغضغضت السهام وعاقها عن جسمك الاجلال والاكبار
قال: قبلت هديتك، اجلس بارك الله فيك، ورفع رأسه إلى الخادم وقال: امض إلى أمير المؤمنين وعرفه بهذا المال، وما يصنع به، فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلها هبة مني له، يفعل به ما أراد فقال موسى للشيخ: اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك.
4 - عن يحيى بن الحسن، قال: كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينار فكانت صرار موسى مثلا.


زهد وحلم الإمام الكاظم عليه السلام
1 - عن موسى بن بكر قال: ما أحصى ما سمعت أبا الحسن موسى صلوات الله عليه ينشد:
فان يك يا أميم علي دين * فعمران بن موسى يستدين.
2 - عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: دخلت على أبي الحسن الأول في بيته الذي كان يصلي فيه، فإذا ليس في البيت شئ إلا خصفة وسيف معلق، ومصحف.
3 - عن ربيع بن عبد الرحمان قال: كان والله موسى بن جعفر من المتوسمين يعلم من يقف عليه بعد موته، ويجحد الامام بعده إمامته، فكان يكظم غيظه عليهم، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم، فسمي الكاظم لذلك.
4 - علي بن جعفر قال: خرجنا مع أخي موسى بن جعفر في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوما، وأخرى خمسة وعشرين يوما، وأخرى أربعة وعشرين يوما وأخرى أحدا وعشرين يوما.
5 - ذكر ابن عمارة وغيره من الرواة أنه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسى بن جعفر على بغلة، فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ وأنت إن تطلب عليها لم تلحق وإن طلبت عليها لم تفت فقال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير، وخير الأمور أوساطها.
6 - عن حماد بن عثمان قال: بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى تشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى مقبلا من المروة على بغلة، فأمر ابن هياج - رجلا من همدان منقطعا إليه - أن يتعلق بلجامه ويدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة، فثنى أبو الحسن رجله فنزل عنها وقال لغلمانه: خذوا سرجها وادفعوها إليه، فقال: والسرج أيضا لي، فقال له أبو الحسن: كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي، وأما البغلة فأنا اشتريتها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت.
7 - عن معتب قال: كان أبو الحسن موسى عليه السلام في حائط له يصرم, فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط، فأتيته فأخذته وذهبت به إليه فقلت له: جعلت فداك إني وجدت هذا وهذه الكارة فقال للغلام: فلان ! قال: لبيك قال: أتجوع ؟ قال: لا يا سيدي قال: فتعرى ؟ قال: لا يا سيدي قال: فلأي شئ أخذت هذه ؟ قال: اشتهيت ذلك قال: اذهب فهي لك وقال: خلوا عنه.
8 - عن محمد بن جعفر العاصمي، عن أبيه، عن جده قال: حججت ومعي جماعة من أصحابنا فأتيت المدينة، فقصدنا مكانا ننزله فاستقبلنا أبو الحسن موسى عليه السلام على حمار أخضر يتبعه طعام، ونزلنا بين النخل وجاء ونزل واتي بالطست والماء والأشنان، فبدأ بغسل يديه، وأدير الطست عن يمينه حتى بلغ آخرنا، ثم أعيد إلى من على يساره حتى أتى إلى آخرنا، ثم قدم الطعام، فبدأ بالملح، ثم قال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ثنى بالخل ثم اتي بكتف مشوي فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم اتي بالخل والزيت فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب فاطمة عليها السلام، ثم أتي بسكباج فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فهذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين عليه السلام, ثم اتي بلحم مقلو فيه باذنجان فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا الطعام كان يعجب الحسن بن علي عليه السلام, ثم اتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب الحسين بن علي عليه السلام, ثم اتي بجبن مبزر فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب محمد بن علي عليهما السلام ثم أتي بتور فيه بيض كالعجة فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب أبي جعفر عليه السلام ثم اتي بحلواء فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجبني، ورفعت المائدة فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها فقال عليه السلام: إنما ذلك في المنازل تحت السقوف، فأما في مثل هذا الموضع فهو لعافية الطير والبهائم, ثم اتي بالخلال فقال: من حق الخلال أن تدير لسانك في فمك، فما أجابك ابتلعته وما امتنع ثم بالخلال تخرجه فتلفظه، واتي بالطست والماء فابتدئ بأول من على يساره حتى انتهى إليه فغسل ثم غسل من على يمينه حتى أتى على آخرهم ثم قال: يا عاصم كيف أنتم في التواصل والتبار؟ فقال: على أفضل ما كان عليه أحد فقال: أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده، فيأمر باخراج كيسه فيخرج فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟ ! قال: لا، قال: لستم على ما أحب من التواصل والضيقة والفقر.


سعيه عليه السلام لقضاء حوائج الناس
1 - مناقب ابن شهرآشوب: حكي أنه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه وأخذ جليدا فأذابه بدواء، ثم أخذ ماءا وعقده بدواء وقال: هذا الطب إلا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك فقال الخليفة: علي بموسى بن جعفر فاتي به فسمع في الطريق أنينه، فدعا الله سبحانه، وزال مغص الخليفة فقال له: بحق جدك المصطفى أن تقول بم دعوت لي ؟ فقال قلت: اللهم كما رأيته ذل معصيته، فأره عز طاعتي، فشفاه الله من ساعته.
2 - عن محمد بن سالم قال: لما حمل سيدي موسى بن جعفر إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي فقال له: يا سيدي قد كتب لي صك إلى الفضل بن يونس تسأله أن يروح أمري قال: فركب إليه أبو الحسن فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي أبو الحسن موسى بالباب فقال: فان كنت صادقا فأنت حر ولك كذا وكذا فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتى خرج إليه, فوقع على قدميه يقبلهما ثم سأله أن يدخل فدخل فقال له: اقض حاجة هشام بن إبراهيم، فقضاها ثم قال: يا سيدي قد حضر الغداء فتكرمني أن تتغدى عندي فقال: هات فجاء بالمائدة وعليها البوارد، فأجال يده في البارد ثم قال: البارد تجال اليد فيه، فلما رفع البارد وجاء بالحار فقال أبو الحسن: الحار حمى.
3 - يقول الرواة: إن شخصاً من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري، وقد عَجز عن تَسديدها، وخاف من الحكومة أن تصادر أمواله، وتُنزِل به العقوبة الصارمة.
فسأل عن الحاكم فأخبروه أنه من شيعة الإمام الكاظم ، فسافر إلى المدينة.
فلما انتهى إليها تَشرّف بمقابلة الإمام وشكا إليه حالَه وَضِيقَ مجالِه.
فاستجاب بالوقت له، وكتب إلى حاكم الري رسالة جاء فيها بعد البسملة:
اِعلَم أن لله تحت عرشه ظِلالاً يسكنه إلا من أسدَى إلى أخيه معروفاً، أو نَفّس عنه كُربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك والسلام.
وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجهَ صَوبَ وطنه، فلما انتهى إليه مضى إلى الحاكم ليلاً، فطرق باب بيته، فخرج غلامه فقال له: من أنت ؟
فقال: رسولُ الصابر موسى بن جعفر .
فَهرع إلى مولاه فأخبره بذلك، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له، فعانقه وَقبَّل ما بين عَينيه، وطفق يسأله بلهفة عن حال الإمام عليه السلام وهو يجيبه.
ثم ناوله رسالة الإمام ، فأخذها بإكبارٍ وقَبّلَها، فلما قرأها استدعى بأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها، وأعطاه قيمة ما لا يَقبلُ القسمة، وهو يقول له: يا أخي، هل سَرَرتُك ؟
وسارع الرجل قائلاً: أي والله، وزدتَ على ذلك.
ثم استدعى الحاكم السجِل، فَشَطب على جميع الديون التي على الرجل وأعطاه براءة منها.
فخرج وقد غَمَرَتْهُ موجات من الفرح والسرور، ورأى أن يجازي إحسانه بإحسان، فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له، ويخبر الإمام بما أسداه عليه من المعروف.
ولما أقبل مَوسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام، ولما انتهى إليه دعا للرجل بإخلاص، وأخبر الإمام بما أسداه حاكم الري من الإحسان إليه.
فَسُرَّ الإمام بذلك سروراً بالغاً، والتفت إليه الرجل قائلاً: يا مولاي، هل سَرَّكَ ذلك ؟
فقال الإمام : أي والله، لقد سَرَّني، وسَرَّ أمير المؤمنين، والله لقد سَرَّ جَدي رسول الله، ولقد سر الله تعالى.
4 - من كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي علي بن طاهر الصوري بإسناده عن رجل من أهل الري قال: ولي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد، و كان علي بقايا يطالبني بها، وخفت من إلزامي إياها خروجا عن نعمتي، وقيل لي: إنه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا أحب، فاجتمع رأي على أني هربت إلى الله تعالى وحججت ولقيت مولاي الصابر - يعني موسى بن جعفر - فشكوت حالي إليه فأصحبني مكتوبا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أن الله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا أو نفس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سرورا، وهذا أخوك والسلام.
قال: فعدت من الحج إلى بلدي، ومضيت إلى الرجل ليلا، واستأذنت عليه وقلت: رسول الصابر فخرج إلي حافيا ماشيا، ففتح لي بابه، وقبلني وضمني إليه، وجعل يقبل بين عيني، ويكرر ذلك كلما سألني عن رؤيته م وكلما أخبرته بسلامته، وصلاح أحواله، استبشر، وشكر الله، ثم أدخلني داره وصدرني في مجلسه وجلس بين يدي، فأخرجت إليه كتابه فقبله قائما وقرأه ثم استدعى بماله وثيابه، فقاسمني دينارا دينارا، ودرهما درهما، وثوبا ثوبا، و أعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته، وفي كل شئ من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك ؟ فأقول: إي والله، وزدت على السرور، ثم استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي وأعطاني براءة مما يتوجه علي منه، وودعته، وانصرفت عنه.
فقلت: لا أقدر على مكافاة هذا الرجل إلا بأن أحج في قابل وأدعو له وألقى الصابر عليه السلام واعرفه فعله، ففعلت ولقيت مولاي الصابر وجعلت أحدثه ووجهه يتهلل فرحا، فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك ؟ فقال: إي والله لقد سرني وسر أمير المؤمنين، والله لقد سر جدي رسول الله ، ولقد سر الله تعالى.


شعر الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الكاظم لم يكن شاعراً محترفاً، بل كان نظمه للشعر قليلاً جدّاً، ومن شعره:
1 - قوله عليه السلام في اللجوء إلى الله تعالى:
أنت ربّي إذ ظمئت إلى الماء وقوّتي إذا أردت الطعاما

2 - قوله عليه السلام في أفعال العباد:
لم تخل أفعالنا التـي نذم بها إحـدى ثلاث حيـن نبديـها
إمّا تفرّد باريـنا بصـنعتها فيسقط اللوم عنا حيـن نأتيها
أو كان يشـركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائـم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها

3 - ذكر الشيخ المفيد أبياتاً له تلاها الإمام الرضا عليه السلام على المأمون، ونسبها إلى أبيه:
كـن للمكاره بالعزاء مدافعـا فلعل يوماً لا ترى ما تكره
فلربما استتر الفتى فتنافسـت فيه العيـون وإنّه لممـوه
ولربما ابتسم الوقور من الأذى وضـميره من حرّه يتأوّه


4 - ذكر ذو النون المصري: أنّه اجتاز أثناء سياحته على قرية تسمّى بتدصر، فرأى جداراً قد كتبت عليه هذه الأبيات:
أنا ابن منى والمشـعرين وزمزم ومكّة والبيـت العتيـق المعظّـم
وجدّي النبي المصطفى وأبي الذي ولايتـه فرض على كلّ مسـلم
وأمّـي البتول المسـتضاء بنورها إذا مـا عددناها عديلـة مريـم
وسبطا رسـول الله عمّي ووالدي وأولاده الأطهـار تسـعة أنجـم
متى نعتلق منهـم بحبـل ولايـة تفز يـوم يجزى الفائزون وتنعم
أئمّـة هـذا الخلق بعـد نبيّهـم فإن كنـت لـم تعلـم بذلك فاعلم
أنا العلوي الفاطمـي الذي ارتمى به الخوف والأيّام بالمرء ترتمـي
فلممـت بالدار التـي أنا كاتـب عليها بشعري فأقر إن شئت والمم
وسـلّم لأمر الله فـي كل حالـة فليس أخو الإسـلام من لم يسـلّم
قال ذو النون: فعلمت أنّه علوي قد تخفى عن السلطة في خلافة هارون، واحتمل العلاّمة المجلسي أن تكون هذه الأبيات للإمام الكاظم عليه السلام ذهب إلى ذلك المكان، وكتبها لإتمام الحجّة على أعدائه.


ظلم الحكام للإمام الكاظم عليه السّلام وسلب حقه
1 - قال الحافظ عبد العزيز: حدث أحمد بن إسماعيل قال: بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت: إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون .
2 - الإحتجاج: قيل: لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي ومعه الناس فتقدم إلى قبر النبي فقال: السلام عليك يا ابن عم، مفتخرا بذلك على غيره فتقدم أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم إلى القبر فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبة، فتغير وجه الرشيد، وتبين الغيظ فيه.
3 - عن حماد بن عثمان قال: بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى تشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى مقبلا من المروة على بغلة، فأمر ابن هياج - رجلا من همدان منقطعا إليه - أن يتعلق بلجامه ويدعي البغلة، فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة، فثنى أبو الحسن رجله فنزل عنها وقال لغلمانه: خذوا سرجها وادفعوها إليه، فقال: والسرج أيضا لي، فقال له أبو الحسن: كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي، وأما البغلة فأنا اشتريتها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت.
4 - كامل الزيارة: الكليني العدة من أصحابه، عن سهل، عن علي بن حسان، عن بعض أصحابنا، قال: حضرت أبا الحسن الأول وهارون الخليفة، وعيسى بن جعفر، وجعفر بن يحيى، بالمدينة، وقد جاؤوا إلى قبر النبي فقال هارون لأبي الحسن: تقدم فأبى، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية، فقال عيسى ابن جعفر لأبي الحسن: تقدم فأبى، فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون وتقدم أبو الحسن فقال: السلام عليك يا أبه أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي عليك، فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال ؟ قال: نعم قال هارون: أشهد أنه أبوه حقا.
5 - مناقب ابن شهرآشوب: لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف فقال: أفديك بالمال والنفس فقال: هذا لسائر الناس قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يجبه المهدي فقال: أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين فقال: لله درك، فعاهده على ذلك، وأمره أن يقتل الكاظم في السحرة بغتة فنام فرأى في منامه عليا يشير إليه ويقرأ " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " فانتبه مذعورا، ونهى حميدا عما أمره، وأكرم الكاظم ووصله.
6 - عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري قال: كان مما قال هارون لأبي الحسن حين ادخل عليه: ما هذه الدار ؟ فقال: هذه دار الفاسقين قال الله تعالى " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا " الآية.
فقال له هارون: فدار من هي ؟ قال: هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة، قال فما بال صاحب الدار لا يأخذها ؟ فقال: اخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة قال: فأين شيعتك فقرأ أبو الحسن " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة " قال: فقال له فنحن كفار ؟ قال: لا ولكن كما قال الله " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " فغضب عند ذلك وغلظ عليه، فقد لقيه أبو الحسن بمثل هذه المقالة وما رهبه وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف.
7 - قال محمد بن طلحة: نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر ففي بعض الليالي رأى المهدي في منامه علي بن أبي طالب وهو يقول له: يا محمد " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " قال الربيع: فأرسل إلي ليلا فراعني وخفت من ذلك وجئت إليه، وإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا فقال: علي الآن بموسى بن جعفر ! فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال: يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم فقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي، فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار وزوده إلى أهله إلى المدينة. قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوايق.
8 - عن عبد الله بن بحر الشيباني قال: حدثني الخرزي أبو العباس بالكوفة قال: حدثني الثوباني قال: كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر - بضع عشرة سنة - كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال قال: فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبا الحسن فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجدا فقال للربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ قال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال قال الربيع: فقال لي هارون: أما إن هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس ! ؟ قال: هيهات لا بد من ذلك.
9 - عن علي بن أسباط قال: لما ورد أبو الحسن موسى على المهدي رآه يرد المظالم فقال: يا أمير المؤمنين ما بال مظلمتنا لا ترد ؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه " وآت ذا القربى حقه " فلم يدر رسول الله من هم، فراجع في ذلك جبرئيل، وراجع جبرئيل ربه، فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة, فدعاها رسول الله فقال لها: يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله فلما ولى أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها: ايتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين وأم أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرض، فخرجت والكتاب معها.
فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت: كتاب كتب لي ابن أبي قحافة قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب فضعي الجبال في رقابنا.
فقال له المهدي: يا أبا الحسن حدها إلي فقال: حد منها جبل أحد وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل، فقال له: كل هذا ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين هذا كله إن هذا كله مما لم يوجف أهله على رسول الله بخيل ولا ركاب فقال: كثير وأنظر فيه.
10 - عن الريان بن شبيب قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب أهل البيت وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه فلما حج الرشيد وكنت أنا ومحمد والقاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر فدخل فلما نظر إليه الرشيد تحرك، ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه.
فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه، ثم أقبل عليه فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن ؟ كيف عيالك وعيال أبيك ؟ كيف أنتم ؟ ما حالكم ؟ فما زال يسأله عن هذا، وأبو الحسن يقول: خير خير، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فقعد، وعانقه، وسلم عليه وودعه، قال المأمون: وكنت أجرأ ولد أبي عليه.
فلما خرج أبو الحسن موسى بن جعفر قلت لأبي: يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين والأنصار، ولا ببني هاشم، فمن هذا الرجل ؟ فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين هذا موسى بن جعفر بن محمد، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا، قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم.
11 - عن سفيان بن نزار قال: كنت يوما على رأس المأمون فقال: أتدرون من علمني التشيع ؟ فقال القوم جميعا: لا والله ما نعلم قال: علمنيه الرشيد قيل له: وكيف ذلك ؟ والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت ؟ قال: كان يقتلهم على الملك، لان الملك عقيم، ولقد حججت معه سنة، فلما صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه وقال: لا يدخلن علي رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه، فكان الرجل إذا دخل عليه قال: أنا فلان بن فلان حتى ينتهي إلى جده من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري، فيصله من المائة بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار، على قدر شرفه، وهجرة آبائه.
فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه، والأمين والمؤتمن وسائر القواد فقال: احفظوا على أنفسكم، ثم قال لآذنه ائذن له، ولا ينزل إلا على بساطي.
فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخد قد أنهكته العبادة، كأنه شن بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه، فلما رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه فصاح الرشيد: لا والله إلا على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه بأجمعنا بالاجلال والاعظام، فما زال يسير على حماره حتى سار إلى البساط، و الحجاب والقواد محدقون به، فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبل وجهه، وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس، وأجلسه معه فيه، و جعل يحدثه ويقبل بوجهه عليه، ويسأله عن أحواله.
ثم قال: يا أبا الحسن ما عليك من العيال ؟ فقال: يزيدون على الخمسمائة قال: أولاد كلهم ؟ قال: لا، أكثرهم موالي وحشم، فأما الولد فلي نيف وثلاثون الذكران منهم كذا، والنسوان منهم كذا، قال: فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن ؟ قال: اليد تقصر عن ذلك قال: فما حال الضيعة ؟ قال: تعطي في وقت وتمنع في آخر، قال: فهل عليك دين ؟ قال: نعم قال: كم ؟ قال: نحو من عشرة آلاف دينار.
فقال الرشيد: يا ابن عم أنا أعطيك من المال ما تزوج به الذكران والنسوان وتعمر الضياع فقال له: وصلتك رحم يا ابن عم، وشكر الله لك هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبي ، و صنو أبيه، وعم علي بن أبي طالب وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك، وأعلى محتدك فقال: أفعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة
فقال: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قد فرض على ولاة عهده، أن ينعشوا فقراء الأمة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري ويحسنوا إلى العاني، وأنت أولى من يفعل ذلك فقال: أفعل يا أبا الحسن، ثم قام، فقام الرشيد لقيامه، وقبل عينيه ووجهه، ثم أقبل علي وعلى الأمين و المؤتمن فقال: يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم بين يدي عمكم وسيدكم، خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه، وشيعوه إلى منزله، فأقبل أبو الحسن موسى بن جعفر سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال لي: إذا ملكت هذا الامر فأحسن إلى ولدي، ثم انصرفنا، وكنت أجرأ ولد أبي عليه.
فلما خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ ! فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لاحق بمقام رسول الله مني، ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فان الملك عقيم.
فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء، فيها مائتا دينار ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له: اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد هذا الوقت.
فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار و سائر قريش، وبني هاشم، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى ما دونها وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار ؟ ! أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس ؟ فقال: اسكت لا أم لك، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه وكتب الموت على جميع خلقه، وجعلهم أسوة فيه، عدلا منه عليهم عزيزا، وقدرة منه عليهم، لا مدفع لاحد منهم، ولا محيص له عنه، حتى يجمع الله تبارك وتعالى بذلك إلى دار البقاء خلقه، ويرث به أرضه ومن عليها، وإليه يرجعون.
بلغنا أطال الله بقاك ما كان من قضاء الله الغالب في وفاة أمير المؤمنين موسى صلوات الله عليه، ورحمته، ومغفرته، ورضوانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون إعظاما لمصيبته، وإجلالا لرزئه وفقده.
ثم إنا لله وإنا إليه راجعون، صبرا لأمر الله عز وجل، وتسليما لقضائه، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون لشدة مصيبتك علينا خاصة، وبلوغها من حر قلوبنا، ونشوز أنفسنا، نسأل الله أن يصلي على أمير المؤمنين وأن يرحمه، ويلحقه بنبيه ، ويصالح سلفه، وأن يجعل ما نقله إليه خيرا مما أخرجه منه, ونسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك، وأن يحسن عقباك، وأن يعوضك من المصيبة بأمير المؤمنين أفضل ما وعد الصابرين، من صلواته ورحمته وهداه، و نسأل الله أن يربط على قلبك، ويحسن عزاك وسلوتك، والخلف عليك، ولا يريك بعده مكروها في نفسك، ولا في شئ من نعمته. وأسأل الله أن يهنيك خلافة أمير المؤمنين أمتع الله به، وأطال بقاه، ومد في عمره، وأنسأ في أجله، وأن يسوغكما بأتم النعمة، وأفضل الكرامة، وأطول العمر وأحسن الكفاية، وأن يمتعك وإيانا خاصة، والمسلمين عامة بأمير المؤمنين حتى نبلغ به أفضل الامل فيه لنفسه ومنك أطال الله بقاه ومنا له. أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم، من بسط أيديهم وأعينهم.
فلما نظر إلى ذلك مخارق المغني دخله في ذلك غيظ، فقام إلى الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده، فأمر له بعشرة آلاف دينار فقال له: يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلي دين أحتاج أن أقضيه فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى.
فقال له: يا أمير المؤمنين بناتي أريد أن أزوجهن وأنا محتاج إلى جهازهن فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى فقال له: يا أمير المؤمنين لا بد من غلة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت، فأمر له بأقطاع ما يبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له من ساعته.
ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر وقال له: قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار، وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما أحتاج إلى شئ من ذلك، وما أخذته إلا لك، وأنا أشهد لك بهذه الاقطاع، وقد حملت المال إليك.
فقال: بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاك ما كنت لآخذ منه درهما واحدا ولا من هذه الاقطاع شيئا، وقد قبلت صلتك وبرك، فانصرف راشدا، ولا تراجعني في ذلك، فقبل يده وانصرف.


النّصّ على إمامة الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - الكافي: محمد بن يحيى والحسين بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن علي بن الحسين بن علي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة، عن معاذ بن كثير, عن أبي عبد الله قال: إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا لم ينزل على محمد كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئيل: يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله: أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ قال: نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم وميراثه لعلي وذريتك من صلبه
فقال: وكان عليها خواتيم قال: ففتح علي الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى لما امر به فيها.
فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك قال: ففعل فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك
ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لما حجب العلم، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها: أن فسر كتاب الله، وصدق أباك، وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله عز وجل، وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل ثم دفعها إلى الذي يليه قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو ؟ قال: فقال: ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي علي قال: فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات قال: قد فعل الله ذلك يا معاذ قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك ؟ قال: هذا الراقد، فأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد.
2 - الإرشاد: فممن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله الصادق على ابنه أبي الحسن موسى ، من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته وبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم أجمعين: المفضل بن عمر الجعفي ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمان بن الحجاج، والفيض بن المختار، ويعقوب السراج وسليمان بن خالد، وصفوان الجمال، وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب، وقد روى ذلك من إخوته إسحاق وعلي ابنا جعفر بن محمد، وكانا من الفضل والورع على مالا يختلف فيه اثنان.
3 - عن سليمان بن خالد قال: دعا أبو عبد الله أبا الحسن يوما، ونحن عنده فقال لنا: عليكم بهذا بعدي فهو والله صاحبكم بعدي.
4 - عن الفيض بن المختار قال: قلت لأبي عبد الله: خذ بيدي من النار، من لنا بعدك ؟ قال: فدخل أبو إبراهيم، وهو يومئذ غلام، فقال: هذا صاحبكم، فتمسك به.
5 - عن المفضل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد الله فدخل أبو إبراهيم موسى وهو غلام، فقال لي أبو عبد الله: استوص به، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك.
6 - عن المفضل بن عمر قال: دخلت على سيدي جعفر بن محمد فقلت: يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك ؟ فقال لي: يا مفضل الامام من بعدي ابني موسى، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى.
7 - عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله عن صاحب هذا الامر، قال: صاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن وهو صغير ومعه بهمة عناق مكية ويقول لها: اسجدي لربك، فأخذه أبو عبد الله وضمه إليه وقال: بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب.
8 - عن ابن حازم قال: قلت لأبي عبد الله: بأبي أنت وأمي إن الأنفس يغدي عليها ويراح، فإذا كان ذلك فمن ؟ قال أبو عبد الله: إذا كان ذلك، فهذا صاحبكم، وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن، وهو فيما أعلم يومئذ خماسي وعبد الله بن جعفر جالس معنا.
9 - عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله قال: قلت: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة، أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها فقال: قد فعل الله ذلك، قلت: من هو جعلت فداك ؟ فأشار إلى العبد الصالح، وهو راقد، فقال: هذا الراقد، وهو يومئذ غلام.
10 - عن طاهر بن محمد، عن أبي عبد الله قال: رأيته يلوم عبد الله ولده ويعظه ويقول له: ما يمنعك أن تكون مثل أخيك، فوالله إني لأعرف النور في وجهه فقال عبد الله: وكيف أليس أبي وأبوه واحدا ؟ وأصلي وأصله واحدا ؟ فقال له أبو عبد الله: إنه من نفسي وأنت ابني.
11 - عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله : جعلت فداك وقدمني للموت قبلك، إن كان كون، فإلى من ؟ قال: إلى ابني موسى، فكان ذلك الكون فوالله ما شككت في موسى طرفة عين قط، ثم مكثت نحوا من ثلاثين سنة ثم أتيت أبا الحسن موسى فقلت له: جعلت فداك إن كان كون فإلى من ؟ قال: فإلى علي ابني قال: فكان ذلك الكون فوالله ما شككت في علي طرفة عين قط.
12 - عن يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبد الله وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى، وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال: ادن إلى مولاك فسلم عليه فدنوت فسلمت عليه، فرد علي بلسان فصيح ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس، فإنه اسم يبغضه الله، وكانت ولدت لي بنت، وسميتها بالحميراء فقال أبو عبد الله: انته إلى أمره ترشد، فغيرت اسمها.
13 - عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: دخلت على جعفر بن محمد في منزله، وهو في بيت كذا من داره، في مسجد له، وهو يدعو، وعلى يمينه موسى بن جعفر يؤمن على دعائه، فقلت له: جعلني الله فداك، قد عرفت انقطاعي إليك، وخدمتي لك، فمن ولي الأمر بعدك ؟ قال: يا عبد الرحمان إن موسى قد لبس الدرع فاستوت عليه، فقلت له: لا أحتاج بعدها إلى شئ.
14 - عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب, عن خاله الصادق جعفر بن محمد قال: قلت له: إن كان كون، ولا أراني الله يومك فبمن أئتم فأومأ إلى موسى فقلت له: فان مضى فإلى من ؟ قال: فإلى ولده قلت: فان مضى ولده وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أئتم ؟ قال: بولده، ثم هكذا أبدا فقلت: فان أنا لم أعرفه ولم أعرفه موضعه فما أصنع ؟ قال: تقول: اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الامام الماضي, فان ذلك يجزيك.
15 - روى يعقوب بن جعفر الحميري، عن إسحاق بن جعفر الصادق قال: كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال: جعلت فداك إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك ؟ فقال: إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والغديرتين، وهو الطالع عليك من الباب، فما لبثنا أن طلع علينا كفان آخذتان بالباب بالبابين، حتى انفتحتا ودخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر، وهو صبي وعليه ثوبان أصفران.
16 - عن الحسين بن أبي العرندس قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام بمنى وعليه نقبة ورداء وهو متكئ على جواليق سود متكئ على يمينه، فأتاه غلام أسود بصحفة فيها رطب فجعل يتناول بيساره فيأكل وهو متكئ على يمينه، فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا قال: فقال لي: أنت رأيته يأكل بيساره ؟ قال: قلت: نعم قال: أما والله لحدثني سليمان بن خالد أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: صاحب هذا الامر كلتا يديه يمين.
17 - روى محمد بن الوليد قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته وأصحابه: استوصوا بموسى ابني خيرا فإنه أفضل ولدي، ومن أخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله عز وجل على كافة خلقه من بعدي، وكان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسى والانقطاع إليه، والتوفر على أخذ معالم الدين منه، وله مسائل مشهورة عنه، وجوابات رواها سماعا منه، والاخبار فيما ذكرناه أكثر من أن تحصى على ما بيناه ووصفناه.
18 - يزيد بن أسباط قال: دخلت على أبي عبد الله في مرضته التي مات فيها فقال: يا يزيد أترى هذا الصبي ؟ إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه، فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف إنما كان ذنبه عند إخوته حتى طرحوه في الجب الحسد له، حين أخبرهم أنه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وهم له ساجدون وكذلك لابد لهذا الغلام من أن يحسد، ثم دعا موسى، وعبد الله، وإسحاق، ومحمد والعباس وقال لهم: هذا وصي الأوصياء وعالم علم العلماء، وشهيد على الأموات والاحياء ثم قال: يا يزيد " ستكتب شهادتهم ويسألون ".
19 - عن الفيض بن المختار في حديث له طويل في أمر أبي الحسن حتى قال له: هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم فأقر له بحقه، فقمت حتى قبلت رأسه ويده، ودعوت الله له قال أبو عبد الله: أما إنه لم يؤذن له في ذلك، فقلت: جعلت فداك فأخبر به أحدا ؟ فقال: نعم، أهلك وولدك ورفقاءك، وكان معي أهلي وولدي، وكان يونس بن ظبيان من رفقائي، فلما أخبرتهم حمدوا الله على ذلك، وقال يونس: لا والله حتى نسمع ذلك منه، وكانت به عجلة، فخرج فاتبعته، فلما انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد الله يقول له وقد سبقني: يا يونس الامر كما قال لك فيض زرقه، قال: فقلت: قد فعلت والزرقة بالنبطية أي خذه إليك.
20 - عن إبراهيم الكرخي قال: دخلت على أبي عبد الله فاني لجالس عنده، إذ دخل أبو الحسن موسى ابن جعفر وهو غلام، فقمت إليه فقبلته وجلست فقال أبو عبد الله: يا إبراهيم أما إنه صاحبك من بعدي، أما ليهلكن فيه قوم، ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه سمي جده، ووارث علمه، وأحكامه وفضائله، معدن الإمامة، ورأس الحكمة يقتله جبار بني فلان، بعد عجائب طريفة، حسدا له، ولكن الله بالغ أمره، ولو كره المشركون، يخرج الله من صلبه تمام اثني عشر مهديا، اختصهم الله بكرامته وأحلهم دار قدسه، المقر بالثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله يذب عنه.
قال: فدخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام، فعدت إلى أبي عبد الله أحد عشر مرة أريد منه أن يستتم الكلام، فما قدرت على ذلك، فلما كان قابل السنة الثانية دخلت عليه وهو جالس فقال: يا إبراهيم هو المفرج للكرب عن شيعته، بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك يا إبراهيم ! فما رجعت بشئ أسر من هذا لقلبي، ولا أقر لعيني.
21 - عن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقينا أبا عبد الله في طريق مكة ونحن جماعة فقلت له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إلي شيئا ألقيه إلى من يخلفني.
فقال لي: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم، وأشار إلى ابنه موسى، وفيه علم الحكم، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه، فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عز وجل وفيه أخرى هي خير من هذا كله فقال له أبي: وما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال: يخرج الله تعالى منه غوث هذه الأمة، وغياثها، وعلمها، ونورها وفهمها، وحكمها خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل، وخيرنا شئ يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه، قوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه. قال: فقال أبي: بأبي أنت وأمي فيكون له ولد بعده ؟ قال: نعم، ثم قطع الكلام..
قال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن يعني موسى بن جعفر بعد فقلت له: بأبي أنت وأمي إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبر به أبوك قال: فقال: كان أبي في زمن ليس هذا مثله قال يزيد: فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله قال: فضحك ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني وأشركتهم مع علي ابني، وأفردته بوصيتي في الباطن.
ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين معه، ومعه خاتم، وسيف، وعصا، وكتاب، وعمامة، فقلت له: ما هذا ؟ فقال: أما العمامة: فسلطان الله عز وجل، وأما السيف: فعزة الله عز وجل، وأما الكتاب: فنور الله عز وجل، وأما العصا: فقوة الله عز وجل، وأما الخاتم: فجامع هذه الأمور، ثم قال رسول الله: والامر يخرج إلى علي ابنك، قال: ثم قال: يا يزيد إنها وديعة عندك، فلا تخبر بها إلا عاقلا أو عبدا امتحن الله قلبه للايمان، أو صادقا، ولا تكفر نعم الله تعالى، وإن سئلت عن الشهادة فأدها، فان الله تبارك وتعالى يقول: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " وقال عز وجل: " ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " فقلت: والله ما كنت لأفعل هذا أبدا قال: ثم قال أبو الحسن : ثم وصفه لي رسول الله فقال: علي ابنك الذي ينظر بنور الله، ويسمع بتفهيمه وينطق بحكمته، يصيب ولا يخطئ، ويعلم ولا يجهل، قد ملئ حكما وعلما، وما أقل مقامك معه، إنما هو شئ كأن لم يكن، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك، وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنه، ومجاور غيره، فاجمع ولدك، وأشهد الله عليهم جميعا، وكفى بالله شهيدا.
ثم قال: يا يزيد إني أؤخذ في هذه السنة، وعلي ابني سمي علي بن أبي طالب، وسمي علي بن الحسين أعطي فهم الأول وعلمه، ونصره ورداءه، وليس له أن يتكلم إلا بعد هارون بأربع سنين فإذا مضت أربع سنين فسله عما شئت يجبك إن شاء الله تعالى.
22 - عن المفضل بن عمر قال: لما قضي الصادق كانت وصيته في الإمامة إلى موسى الكاظم فادعى أخوه عبد الله الإمامة، وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك، وهو المعروف بالأفطح فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره فأرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه، فلما صار عنده ومع موسى جماعة من وجوه الامامية، وجلس إليه أخوه عبد الله، أمر موسى أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فاحترق كله، ولا يعلم الناس السبب فيه، حتى صار الحطب كله جمرا ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس فقال لأخيه عبد الله: إن كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس، فقالوا: فرأينا عبد الله قد تغير لونه فقام يجر رداءه حتى خرج من دار موسى.


أصحاب وروات الإمام الكاظم عليه السّلام
وسنذكر في هذا الباب بعض الثُّقات من أصحابه "عليه السّلام" ممّن كان عليهم المعوّل في نقل أحاديثه وأخباره, وهُم:
1 - إبراهيم بن عيسى الخزاز.
2 - إبراهيم بن مُحمّد الأشعري القمّي.
3 - إبراهيم بن أبي محمود الخراساني.
4 - إبراهيم بن مهزم الأسدي الكوفي.
5 - إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي.
6 - إبراهيم بن نعيم العبدي.
7 - إبراهيم بن أبي البلاد.
8 - إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الكندي الطّحان.
9 - أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي.
10- أحمد بن مُحمّد البزنطي.
11 - أحمد بن موسى الكاظم "عليه السّلام" الهاشمي العلوي.
12 - أُسامة بن حفص.
13 - إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمّي.
14 - إسماعيل بن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي.
15 - إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه الكوفي.
16 - إسماعيل بن الفضل الهاشمي.
17 - إسماعيل بن موسى الكاظم "عليه السّلام" القرشي الهاشمي العلوي.
18 - إسماعيل بن همام الكندي.
19 - أيّوب بن الحر الجعفي.
20 - أبو الحسن بسطام بن سابور الواسطي.
21 - بشر بن يسار العجلي.
22 - بشر بن مسلمة الكوفي.
23 - بكر بن الأشعث الكوفي.
24 - بكر بن مُحمّد بن عبد الرّحمن الأزدي الكوفي الغامدي.
25 - أبو حمزة الثّمالي ثابت بن دينار الأزدي الكوفي.
26 - ثعلبة بن ميمون الأسدي الكوفي.
27 - جعفر بن إبراهيم بن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن جعفر الطّيار ابن أبي طالب القرشي
28 - جميل بن صالح الأسدي الكوفي.
29 - جهم بن أبي جهم الكوفي.
30- الحارث بن المغيرة النّصري البصري, المعروف ببيّاع الزّطي.
31 - حبيب بن المعلل الخثعمي بالولاء الكوفي.
32 - حديد بن حكيم الأزدي المدايني.
33 - حذيفة بن منصور الكوفي, المعروف ببيّاع السّابري.
34 - حسان بن مهران الجمّال.
35 - الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشّيباني.
36 - الحسن بن زياد الضّبي الكوفي الصّيقل.
37 - الحسن بن صدقة المدايني الأزدي.
38 - الحسن بن عليّ بن زياد الوشاء
39 - الحسن بن عليّ بن فضال الكوفي.
40 - الحسن بن عليّ بن يقطين.
41 - الحسن بن محبوب بن وهب السّراد الكوفي.
42 - الحُسين بن عمر بن يزيد.
43 - حفص بن البختري الكوفي البغدادي.
44 - حفص بن سابور الواسطي، أخو بسطام.
45 - حفص بن سوقة العمري الكوفي.
46 - حمّاد بن عثمان بن زياد الرّؤاسي, المعروف بالنّاب.
47 - حمّاد بن عيسى الجهني.
48 - حمدان بن المعافى الصّبيحي.
49 - حميد بن المثنى العجلي أبو المغرا.
50- خالد بن زياد القلانسي الكوفي.
51 - خالد بن سعيد القمّاط الكوفي.
52 - خالد بن يزيد بن جبل الكوفي.
53 - خلف بن حمّاد بن ياسر الأسدي الكوفي.
54 - داود بن زربي البندار الكوفي.
55 - داود بن سرحان العطار الكوفي.
56 - داود بن سُليمان.
57 - داود بن عليّ اليعقوبي الهاشمي.
58 - داود بن فرقد الأسدي الكوفي.
59 - داود بن كثير الرّقي.
60- داود بن النّعمان الأنباري, بياع الأنماط.
61 - دعبل بن عليّ الخزاعي.
62 - ذريح بن مُحمّد بن يزيد المحاربي.
63 - ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي البصري.
64 - رفاعة بن موسى الأسدي النّخاس.
65 - رومي بن زرارة بن أعيُن الشّيباني.
66 - زرارة بن أعيُن الشّيباني.
67 - زكريا بن سابور الأزدي الواسطي.
68 - زكريا بن عبد الصّمد القمّي.
69 - زياد بن سابور الواسطي.
70 - زيد بن مُحمّد بن يونس الشّحام.
71 - سالم بن مكرم بن عبد الله الكناسي.
72 - سعد بن أبي خلف الزّهري بالولاء الكوفي.
73 - سعدان بن مُسلم بن عبد الرّحمن العامري.
74 - سعيد بن عبد الرّحمن الأعرج.
75 - سعيد بن يسار الضّبعي الحناط.
76 - سلمة بن مُحمّد بن عبد الله الخزاعي الكوفي.
77 - سليم بن عمران الغراء الكوفي.
78 - سُليمان بن جعفر الجعفري.
79 - سماعة بن مهران الحضرمي الكوفي.
80 - سندي بن الرّبيع البغدادي.
81 - سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد الأشعري القمّي.
82 - سيف بن عميرة النّخعي الكوفي.
83 - شُعيب بن يعقوب العقرقوفي.
84 - صالح بن خالد المحاملي.
85 - صفوان بن مهران الجمّال.
86 - صفوان بن يحيى البجلي.
87 - الضّحاك الحضرمي الكوفي.
88 - العبّاس بن عامر بن رباح القصّباني.
89 - عبد الحميد بن سالم العطار الكوفي.
90 - عبد الحميد بن عواض الطّائي الكسائي
91 - عبد الرّحمن بن الحجاج البجلي الكوفي.
92 - عبد العزيز بن المُهتدي الأشعري القمّي.
93 - عبد الكريم بن عتبة القرشي الهاشمي اللهبي الكوفي.
94 - عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي الكوفي الملقب ب‍ "كرام".
95 - عبد الله بن إبراهيم بن مُحمّد الجعفري الهاشمي.
96 - عبد الله بن جُندب البجلي الكوفي.
97 - عبد الله بن الحارث المخزومي.
98 - عبد الله بن حمّاد الأنصاري.
99 - عبد الله بن سنان الكوفي.
100 - عبد الله بن غالب الأسدي.
101 - عبد الله بن مسكان الكوفي.
102 - عبد الله بن المغيرة النّوفلي الخزاز.
103 - عبد الله بن الوضّاح الكوفي.
104 - عبد الله بن يحيى الكاهلي.
105 - عبد الله بن حكيم الخثعمي الكوفي.
106 - عبد الملك بن عتبة الصّيرفي.
107 - عليّ بن جعفر الصّادق "عليه السّلام", المعروف بالعريضي.
108 - عليّ بن حمزة بن الحسن القرشي الهاشمي.
109 - عليّ بن رئاب الطّحان.
110 - عليّ بن سويد السّائي.
111 - عليّ بن شجرة الشّيباني.
112 - عليّ بن عُبيد الله القرشي الهاشمي.
113 - عليّ بن عطية السّلمي.
114 - عليّ بن يقطين الكوفي البغدادي.
115 - عمّار بن موسى السّاباطي.
116 - عمرو بن أُذينة الكوفي.
117 - عمرو بن مُحمّد بن يزيد الثّقفي, المعروف ببيّاع السّابري.
118 - عمرو بن المنهال بن مقلاص القيسي.
119 - عيسى بن عبد الله الأشعري.
120 - عيص بن القاسم البجلي.
121 - فضالة بن أيّوب الأزدي.
122 - الفضل بن يونس الكاتب.
123 - الفيض بن المُختار الجُعفي.
124 - القاسم بن بُريد بن معاوية العجلي.
125 - الليث بن البختري المرادي.
126 - مُثنى الحناط.
127 - مُحمّد بن إسحاق الصّيرفي.
128 - مُحمّد بن إسماعيل بن بزيع الكوفي.
129 - مُحمّد بن بكر بن جناح.
130 - مُحمّد بن أبي عُمير الأزدي.
131 - مُحمّد بن الصّباح الكوفي.
132 - مُحمّد بن عذافر بن عثيم.
133 - مُحمّد بن عليّ بن النّعمان, مؤمن الطّاق.
134 - مُحمّد بن الفرج الرّخجي.
135 - مُحمّد بن الفضيل الأزدي.
136 - مُحمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النّهدي.
137 - مُحمّد بن مرازم بن حكيم السّاباطي.
138 - مُحمّد بن مسعود الطّائي الكوفي.
139 - مُحمّد بن مُسلم بن رباح الثّقفي الكوفي.
140 - مُحمّد بن يونس.
141 - مرازم بن حكيم الأزدي.
142 - مسمع بن عبد الملك البصري, المعروف بكردين.
143 - معاوية بن عمّار.
144 - معاوية بن وهب البجلي.
145 - معتب المدني.
146 - المغيرة بن توبة المخزومي الكوفي.
147 - منصور بن حازم البجلي.
148 - منصور بن يونس بزرج.
149 - نشيط بن صالح العجلي.
150 - نصر بن قابوس اللخمي.
151 - النّضر بن سويد الصّيرفي.
152 - نعيم القابوسي.
153 - هُشام بن الحكم.
154 - هُشام بن سالم الجواليقي.
155 - يحيى بن عبد الرّحمن الأزرق.
156 - يحيى بن عُمران الحلبي.
157 - يحيى بن القاسم.
158 - يعقوب بن شُعيب.
159 - يعقوب بن يقطين بن موسى الكوفي.
160 - يونس بن عبد الرّحمن القمّي.
161 - يونس بن يعقوب البجلي.
162 - أبو عامر بن جناح.
163 - أبو المحتمل الكوفي.
164 - أبو مُصعب الزّيدي.


سبب شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام
1 - مناقب ابن شهرآشوب: في كتاب أخبار الخلفاء أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: خذ فدكا حتى أردها إليك، فيأبى حتى ألح عليه فقال لا آخذها إلا بحدودها قال: وما حدودها ؟ قال: إن حددتها لم تردها قال: بحق جدك إلا فعلت ؟ قال: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: أيها، قال: والحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه قال: والحد الثالث إفريقية فاسود وجهه وقال: هيه قال: والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية قال الرشيد: فلم يبق لنا شئ، فتحول إلى مجلسي، قال موسى: قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها فعند ذلك عزم على قتله.
وفي رواية ابن أسباط أنه قال: أما الحد الأول: فعريش مصر، والثاني دومة الجندل، والثالث: أحد والرابع: سيف البحر، فقال هذا كله، هذه الدنيا فقال هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله على رسوله، بلا خيل ولا ركاب، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة .
2 - مناقب ابن شهرآشوب: لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف فقال: أفديك بالمال والنفس فقال: هذا لسائر الناس قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يجبه المهدي فقال: أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين فقال: لله درك، فعاهده على ذلك، وأمره أن يقتل الكاظم في السحرة بغتة فنام فرأى في منامه عليا يشير إليه ويقرأ " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " فانتبه مذعورا، ونهى حميدا عما أمره، وأكرم الكاظم ووصله.
3 - مناقب ابن شهرآشوب: علي بن أبي حمزة قال: كان يتقدم الرشيد إلى خدمه إذا خرج موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه، فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة والزمع فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب وجعل له وجها مثل وجه موسى بن جعفر وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين، وكانوا يفعلون ذلك أبدا، فلما كان في بعض الأيام جمعهم في الموضع، وهم سكارى، وأخرج سيدي إليهم فلما بصروا به هموا به على رسم الصورة. فلما علم منهم ما يريدون كلمهم بالخزرية والتركية، فرموا من أيديهم السكاكين، ووثبوا إلى قدميه فقبلوهما، وتضرعوا إليه، وتبعوه إلى أن شيعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا: إن هذا الرجل يصير إلينا في كل عام، فيقضي أحكامنا، ويرضي بعضا من بعض، ونستسقي به إذا قحط بلدنا، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه، فعاهدهم أنه لا يأمرهم بذلك فرجعوا.
4 - عيون أخبار الرضا : الطالقاني، عن محمد بن يحيى الصولي، عن أبي العباس أحمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن صالح بن علي بن عطية قال: كان السبب في وقوع موسى بن جعفر إلى بغداد أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الامر لابنه محمد بن زبيدة، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا فاختار منهم ثلاثة: محمد بن زبيدة، وجعله ولي عهده، وعبد الله المأمون، وجعل الامر له بعد ابن زبيدة، والقاسم المؤتمن، وجعل الامر له بعد المأمون، فأراد أن يحكم الامر في ذلك، و يشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام.
فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم، فأخذ هو طريق المدينة قال علي ابن محمد النوفلي: فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث، فساء ذلك يحيى، وقال: إذا مات الرشيد وأفضى الامر إلى محمد انقضت دولتي ودولة ولدي وتحول الامر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع، فأظهر له أنه على مذهبه فسر به جعفر وأفضى إليه بجميع أموره وذكر له ما هو عليه في موسى بن جعفر .
فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد، فكان الرشيد يرعى له موضعه و موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره ويؤخر، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه، إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما، وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى، ثم قال للرشيد: يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه، وههنا أمر فيه الفيصل قال: وما هو ؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الألف الدينار التي أمرت بها له فقال هارون: إن في هذا لفيصلا.
فأرسل إلى جعفر ليلا، وقد كان عرف سعاية يحيى به، فتباينا وأظهر كل واحد فيهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى، وأنه إنما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماءا ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما، ولبس بردة فوق ثيابه، وأقبل إلى الرشيد، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور، ورأي البردة عليه، قال: يا جعفر ما هذا ! ؟.
فقال: يا أمير المؤمنين قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي فأرسلت إلي لتقتلني.
فقال: كلا، ولكن قد خبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه: وأنك قد فعلت ذلك في العشرين الألف الدينار، فأحببت أن أعلم ذلك، فقال جعفر: الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها.
فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد، قال: وجعل يحيى يحتال في اسقاط جعفر.
5 - غيبة الشيخ الطوسي: أخبرنا أحمد بن عبدون سماعا وقراءة عليه قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال: حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، قال الأصبهاني: وحدثني أحمد بن سعيد قال: حدثني محمد بن الحسن العلوي وحدثني غيرهما ببعض قصته، وجمعت ذلك بعضه إلى بعض قالوا: كان السبب في أخذ موسى بن جعفر أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فحسده يحيى بن خالد البرمكي وقال: إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي، ودولة ولدي. فاحتال على جعفر بن محمد - وكان يقول بالإمامة - حتى داخله وآنس إليه وكان يكثر غشيانه في منزله، فيقف على أمره، فيرفعه إلى الرشيد، ويزيد عليه بما يقدح في قلبه ثم قال يوما لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج إليه فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيى بن خالد مالا وكان موسى يأنس إليه ويصله، وربما أفضى إليه بأسراره كلها، فكتب ليشخص به فأحس موسى بذلك فدعاه فقال: إلى أين يا بن أخي ؟ قال: إلى بغداد قال: وما تصنع ؟ قال: علي دين وأنا مملق قال: فأنا أقضي دينك، وأفعل بك وأصنع، فلم يلتفت إلى ذلك فقال له: انظر يا بن أخي لا تؤتم أولادي، وأمر له بثلاثمائة دينار، وأربعة آلاف درهم.
فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى لمن حضره: والله ليسعين في دمي، ويؤتمن أولادي فقالوا له: جعلنا الله فداك فأنت تعلم هذا من حاله و تعطيه وتصله ؟ ! فقال لهم: نعم حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله أن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله.
فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى ابن جعفر، ورفعه إلى الرشيد، وزاد عليه وقال له: إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب، وإن له بيوت أموال وإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة، وقال له صاحبها وقد أحضر المال: لا آخذ هذا النقد، ولا آخذ إلا نقد كذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه، فرفع ذلك كله إلى الرشيد، فأمر له بمائتي ألف درهم يسبب له على بعض النواحي فاختار كور المشرق، ومضت رسله ليقبض المال ودخل هو في بعض الأيام إلى الخلاء فزحر زحرة خرجت منها حشوته كلها فسقط، وجهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، وجاءه المال وهو ينزع فقال: ما أصنع به وأنا في الموت.
6 - كتاب النجوم: من كتاب نزهة الكرام وبستان العوام تأليف محمد بن الحسين ابن الحسن الرازي وهذا الكتاب خطه بالعجمية تكلفنا من نقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من أعربه.
وروي أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر فأحضره، فلما حضر عنده قال: إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة، وفقهاء العامة يقولون: إن رسول الله قال: إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا وأمير المؤمنين كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولاده وذريته الذين يقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.
فقال له الكاظم: هذا حديث ضعيف، وأسناده مطعون فيه والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل والأنبياء كانوا عالمين بها، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن" وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ".
وقال في موضع آخر " فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم" فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، وما قال إني سقيم، وإدريس كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" وقال في موضع" والنازغات غرقا " إلى قوله " فالمدبرات أمرا " يعني بذلك اثني عشر برجا، وسبعة سيارات، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عز وجل، و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء، وورثة الأنبياء الذين قال الله عز وجل " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.
فقال له هارون: بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهره عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشنعوا عليك وأنفس عن العوام به، وغط هذا العلم، وارجع إلى حرم جدك.
ثم قال له هارون وقد بقي مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها قال له: سل فقال: بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله أخبرني أنت تموت قبلي ؟ أو أنا أموت قبلك ؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى: آمني حتى أخبرك فقال: لك الأمان فقال: أنا أموت قبلك، وما كذبت ولا أكذب، ووفاتي قريب، فقال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر فقال له: سل فقال: خبروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا، وجوارينا، وأنكم تقولون من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم ؟ فقال له موسى ؟ كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك، وإذا كان الامر كذلك، فكيف يصح البيع والشراء عليهم، ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم ونقعد معهم، ونأكل معهم، ونشتري المملوك، ونقول له: يا بني وللجارية يا بنتي، ونقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله سبحانه فلو أنهم عبيدنا وجوارينا، ما صح البيع والشراء وقد قال النبي لما حضرته الوفاة: الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، يعني: صلوا وأكرموا مماليككم، وجواريكم، ونحن نعتقهم وهذا الذي سمعته غلط من قائله، ودعوى باطلة، ولكن نحن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين، والذي يوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة، فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.
وأما الغنائم والخمس من بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله فقد منعونا ذلك ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدم، الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك فإن نفذ إلينا أحد هدية ولا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي لي كراع لقبلت - والكراع اسم القرية، والكراع يد الشاة - وذلك سنة إلى يوم القيامة، ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنها زكاة رددناها، وإن كانت هدية قبلناها، ثم إن هارون أذن له في الانصراف فتوجه إلى الرقة ثم تقولوا عليه أشياء فاستعاده هارون وأطعمه السم فتوفي.


السندي يسقي الامام الكاظم عليه السلام السم ويشهد عليه
الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله قال: قلت: من ؟ وكيف رأيته ؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلى الخير، فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به، ويكثرون في ذلك، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره أمير المؤمنين، وها هو ذا صحيح، موسع عليه في جميع أمره فاسألوه.
قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل، وإلى فضله وسمته فقال: أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات وإني أخضر غدا وبعد غد أموت.
قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة، قال الحسن: وكان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صديق، مقبول القول، ثقة ثقة جدا عند الناس.


شهادته ودفنه عليه السلام
1 - عن علي بن سويد السائي قال: كتب إلي أبو الحسن الأول في كتاب إن أول ما أنعى إليك نفسي في ليالي هذه، غير جازع، ولا نادم، ولا شاك فيما هو كائن، مما قضى الله وحتم، فاستمسك بعروة الدين آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي، والمسالمة والرضا بما قالوا.
2 - عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لما قبض الرشيد على موسى ابن جعفر وهو عند رأس النبي قائما يصلي فقطع عليه صلاته وحمل ... ويقول: إليك أشكو يا رسول الله ما القى وأقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون فلما حمل إلى بين يدي الرشيد شتمه وجفاه، فلما جن عليه الليل أمر ببيتين فهيئا له فحمل موسى بن جعفر إلى أحدهما في خفاء ودفعه إلى حسان السروي وأمره أن يصير به في قبة إلى البصرة فيسلمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر، وهو أميرها، ووجه قبة أخرى علانية نهارا إلى الكوفة معها جماعة ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر .
فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم، فدفعه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك، وشاع أمره، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه، وأقفل عليه وشغله عنه العيد فكان لا يفتح عنه الباب إلا في حالتين حال يخرج فيها إلى الطهور، وحال يدخل إليه فيها الطعام.
قال أبي: فقال لي الفيض بن أبي صالح: - وكان نصرانيا ثم أظهر الاسلام وكان زنديقا، وكان يكتب لعيسى بن جعفر، وكان بي خاصا - فقال: يا أبا عبد الله لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا أشك أنه لم يخطر بباله قال أبي: وسعي بي في تلك الأيام إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس ابن ربيعة في رقعة دفعها إليه أحمد بن أسيد حاجب عيسى قال: وكان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم، وكان أكبرهم سنا، وكان مع سنه يشرب الشراب ويدعو أحمد بن أسيد إلى منزله فيحتفل له ويأتيه بالمغنين والمغنيات، ويطمع في أن يذكره لعيسى فكان في رقعته التي دفعها إليه إنك تقدم علينا محمد بن سليمان في إذنك وإكرامك وتخصه بالمسك، وفينا من هو أسن منه، وهو يدين بطاعة موسى بن جعفر المحبوس عندك.
قال أبي: فإني لقائل في يوم قائظ إذ حركت حلقة الباب علي فقلت: ما هذا ؟ فقال لي الغلام: قعنب بن يحيى على الباب يقول: لا بد من لقائك الساعة فقلت: ما جاء إلا لأمر ائذنوا له، فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي صالح بهذه القصة والرقعة، وقد كان قال لي الفيض بعد ما أخبرني: لا تخبر أبا عبد الله فتخوفه فإن الرافع عند الأمير لم يجد فيه مساغا وقد قلت للأمير: أفي نفسك من هذا شئ حتى أخبر أبا عبد الله فيأتيك فيحلف على كذبه ؟ فقال: لا تخبره فتغمه فإن ابن عمه إنما حمله على هذا لحسد له فقلت له: أيها الأمير أنت تعلم إنك لا تخلو بأحد خلوتك به، فهل حملك على أحد قط ؟ قال: معاذ الله قلت: فلو كان له مذهب يخالف فيه الناس لأحب أن يحملك عليه قال: أجل ومعرفتي به أكثر. قال أبي: فدعوت بدابتي وركبت إلى الفيض من ساعتي فصرت إليه ومعي قعنب في الظهيرة فاستأذنت عليه، فأرسل إلي: جعلت فداك قد جلست مجلسا أرفع قدرك عنه، وإذا هو جالس على شرابه فأرسلت إليه لا بد من لقائك فخرج إلي في قميص دقيق وإزار مورد فأخبرته بما بلغني فقال لقعنب: لا جزيت خيرا ألم أتقدم إليك أن لا تخبر أبا عبد الله فتغمه ثم قال: لا بأس فليس في قلب الأمير من ذلك شئ قال: فما مضت بعد ذلك إلا أيام يسيرة حتى حمل موسى بن جعفر سرا إلى بغداد وحبس ثم أطلق، ثم حبس وسلم إلى السندي بن شاهك، فحبسه وضيق عليه ثم بعث إليه الرشيد بسم في رطب وأمره أن يقدمه إليه ويحتم عليه في تناوله منه ففعل، فمات .
3 - عن عمر بن واقد قال: إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر، وما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته، واختلافهم في السر إليه بالليل والنهار خشية على نفسه وملكه، ففكر في قتله بالسم فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة، وأخذ سلكا فعركه في السم، وأدخله في سم الخياط، وأخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط، حتى علم أنه قد حصل السم فيها فاستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب وقال لخادم له: احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له: إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب وتنغص لك به، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلتها عن آخر رطبة فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه يبقي منها شيئا ولا يطعم منها أحدا. فأتاه بها الخادم وأبلغه الرسالة فقال له: ائتني بخلال فناوله خلالا، وقام بإزائه وهو يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها وخرجت تجر سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى بن جعفر فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وعوت وتهرت قطعة قطعة واستوفى عليه السلام باقي الرطب، وحمل الغلام الصينية حتى صار بها إلى الرشيد.
فقال له: قد أكل الرطب عن آخره ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: فكيف رأيته ؟ قال: ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤمنين قال: ثم ورد عليه خبر الكلبة وأنها قد تهرت وماتت، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا، واستعظمه، ووقف على الكلبة فوجدها متهرئة بالسم فأحضر الخادم ودعا له بسيف ونطع وقال له: لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك فقال: يا أمير المؤمنين إني حملت الرطب إلى موسى بن جعفر وأبلغته سلامك، وقمت بإزائه فطلب مني خلالا فدفعته إليه فأقبل يغرز في الرطبة بعد الرطبة ويأكلها حتى مرت الكلبة فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمى بها فأكلتها الكلبة وأكل هو باقي الرطب، فكان ما ترى يا أمير المؤمنين.
فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى إلا أنا أطعمناه جيد الرطب، وضيعنا سمنا، وقتل كلبتنا ما في موسى حيلة. ثم إن سيدنا موسى دعا بالمسيب وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلا به فقال له: يا مسيب فقال: لبيك يا مولاي قال: إني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة، مدينة جدي رسول الله لأعهد إلى علي ابني ما عهده إلي أبي وأجعله وصيي وخليفتي، وآمره بأمري قال المسيب: فقلت: يا مولاي كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها، والحرس معي على الأبواب ؟ فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا ؟ فقلت: لا يا سيدي قال: فمه ؟ قلت: يا سيدي ادع الله أن يثبتني فقال: اللهم ثبته.
ثم قال: إني أدعو الله عز وجل باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين ابني علي بالمدينة، قال المسيب: فسمعته يدعو ففقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأحاد الحديد إلى رجليه فخررت لله ساجدا لوجهي شكرا على ما أنعم به علي من معرفته.
فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب واعلم أني راحل إلى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت فقال لي: لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو إمامك، و مولاك بعدي فاستمسك بولايته، فإنك لا تضل ما لزمته فقلت: الحمد لله.
قال: ثم إن سيدي دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها، ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني، واصفر لوني، واحمر واخضر، وتلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي، فإذا رأيت بي هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحدا، ولا على من عندي إلا بعد وفاتي.
قال المسيب بن زهير: فلم أزل أرقب وعده حتى دعا بالشربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يا مسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي، ودفني، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فان كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي فان الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.
قال: ثم رأيت شخصا أشبه الاشخاص به جالسا إلى جانبه، وكان عهدي بسيدي الرضا وهو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى وقال لي: أليس قد نهيتك يا مسيب ؟ فلم أزل صابرا حتى مضى، وغاب الشخص ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد فوافى السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم، وهم لا يعرفونه.
فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فاني إمامك ومولاك، وحجة الله عليك بعد أبي يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون، ثم حمل عليه السلام حتى دفن في مقابر قريش، ولم يرفع قبره أكثر مما أمر به ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه.
4 - عن عمر بن واقد قال: أرسل إلى السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد يستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم ركبت إليه. فلما رآني مقبلا قال: يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت: نعم قال: فليس هنا إلا خير قلت: فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري فقال: نعم ثم قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت: لا فقال: أتعرف موسى بن جعفر ؟ فقلت: إي والله إني لأعرفه، وبيني وبينه صداقة منذ دهر فقال: من ههنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له أقواما، ووقع في نفسي أنه قد مات قال: فبعث وجاء بهم كما جاء بي فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن جعفر ؟ فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلا ممن يعرف موسى بن جعفر عليه السلام وقد صحبه.
قال: ثم قام فدخل وصلينا، فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وحلانا ثم دخل إلى السندي قال: فخرج السندي فضرب يده إلي فقال لي: قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا، ودخلنا فقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت ثم قال للقوم: انظروا إليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد ؟ فقلنا: نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد ثم قال: يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه قال: ففعل فقال: أترون به أثرا تنكرونه ؟ فقلنا: لا ما نرى به شيئا ولا نراه إلا ميتا قال: فلا تبرحوا حتى تغسلوه وأكفنه وأدفنه قال: فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل فصلى عليه السندي بن شاهك ودفناه ورجعنا فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر مني كيف يقولون إنه حي وأنا دفنته.
5 - عن الحسن بن عبد الله الصيرفي، عن أبيه قال: توفي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي السندي ابن شاهك، فحمل على نعش ونودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه.
فلما اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا ألا من أراد أن يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط، فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه: ما هذا ؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش فقال لولده وغلمانه: يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي، فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد.
فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم، وخرقوا عليهم سوادهم، ووضعوه في مفرق أربعة طرق وأقام المنادين ينادون ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج، وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار، عليها القرآن كله، واحتفى ومشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش، فدفنه هناك وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر: وصلتك رحم يا عم، و أحسن الله جزاءك، والله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا.
6 - يونس بن عبد الرحمن قال: حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم فلما وضع على شفير القبر إذا رسول من السندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته - وكان مع الجنازة - أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتى يروه صحيحا لم يحدث به حدث، قال: فكشف عن وجه مولاي حتى رأيته وعرفته ثم غطى وجهه وادخل قبره .
7 - عن محمد بن غياث المهلبي قال: لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى عليه السلام وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس تحير الرشيد، فدعا يحيى بن خالد البرمكي فقال له: يا أبا على أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه. فقال له يحيى بن خالد: الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمتن عليه، و تصل رحمه فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا، وكان يحيى يتولاه، وهارون لا يعلم ذلك، فقال هارون: انطلق إليه وأطلق عنه الحديد وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمك إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة وتسألني العفو عما سلف منك، وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة. وهذا يحيى بن خالد هو ثقتي ووزيري وصاحب أمري فسله بقدر ما أخرج من يميني وانصرف راشدا. قال محمد بن غياث: فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد أن أبا إبراهيم قال ليحيى: يا أبا علي أنا ميت، وإنما بقي من أجلي أسبوع، اكتم موتي وائتني يوم الجمعة عند الزوال، وصل علي أنت وأوليائي فرادى وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق لا يراك ولا تراه لنفسك، فاني رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه أنه يأتي عليكم فاحذروه، ثم قال: يا أبا علي أبلغه عني يقول لك موسى بن جعفر: رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه والسلام. فخرج يحيى من عنده واحمرت عيناه من البكاء حتى دخل على هارون فأخبره بقصته وما ورد عليه فقال هارون: إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا فلما كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم وقد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك فاخرج إلى الناس حتى نظروا إليه، ثم دفن عليه السلام ورجع الناس، فافترقوا فرقتين فرقة تقول: مات، وفرقة تقول: لم يمت.


يوم شهادته عليه السلام
1 - الكافي: قبض لست خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، وقبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان، ثم شخص هارون إلى الحج وحمله معه ثم انصرف على طريق البصرة، فحبسه عند عيسى بن جعفر ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك، فتوفي في حبسه، ودفن ببغداد في مقبرة قريش.
2 - الكافي: سعد والحميري معا، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قبض موسى ابن جعفر وهو ابن أربع وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة، وعاش بعد جعفر خمسا وثلاثين سنة.
روضة الواعظين: وفاته كانت ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب، وقيل لخمس خلون منه سنة ثلاث وثمانين ومائة.
3 - إقبال الأعمال: محمد بن علي الطرازي باسناده إلى أبي علي بن إسماعيل بن يسار قال: لما حمل موسى إلى بغداد، وكان ذلك في رجب سنة تسع وسبعين و مائة دعا بهذا الدعاء، كان ذلك يوم السابع والعشرين منه يوم المبعث.
4- الدروس: قبض مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب، سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل: يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى وثمانين ومائة.
5 - عيون أخبار الرضا : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن سليمان بن حفص قال : إن هارون الرشيد قبض على موسى بن جعفر سنة تسع وسبعين ومائة ، وتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وهو ابن سبع و أربعين سنة ، ودفن في مقابر قريش ، وكانت إمامته خمسا وثلاثين سنة وأشهرا ، وأمه أم ولد يقال لها حميدة وهي أم أخويه إسحاق ومحمد ابني جعفر، ونص على ابنه علي بن موسى الرضا بالإمامة بعده
6 - عيون أخبار الرضا: الطالقاني، عن الحسن بن علي بن زكريا ، عن محمد بن خليلان قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عتاب بن أسيد ، عن جماعة ، عن مشايخ أهل المدينة قالوا : لما مضى خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد ولي الله موسى ابن جعفر مسموما سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة ، وفيه السدرة ، ومضى إلى رضوان الله وكرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة ، وقد تم عمره أربعا وخمسين سنة ، وتربته بمدينة السلام في الجانب الغربي بباب التين في المقبرة المعروفة بمقابر قريش


القاتل
الحاكم العباسي هارون


مدة سجنه عليه السلام
أمضى الامام الكاظم عليه السّلام في سجون هارون الرشيد سبع سنوات، وفي رواية 13 سنة حتى أعيت هارون فيه الحيلة ويئس منه فقرر قتله، وذلك بأن أمر بدس السم له في الرطب فاستشهد سلام الله عليه في 25 من شهر رجب عام 183هـ.


مكان الدفن
دفن في العراق / بغداد / الكاظمية مدينة السلام, في المقبرة المعروفة بمقابر قريش.


مدة الإمامة
مدة إمامته عليه السلام 35 سنة


كلمات في الإمام الكاظم عليه السّلام
1 - كان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت لما روى عنه قال: حدثني موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد وهكذا إلى النبي ثم قال أحمد: وهذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق

2 - لقيه أبو نواس فقال:

إذا أبصرتك العين من غير ريبة *** وعارض فيك الشك أثبتك القلب
ولو أن ركبا أمموك لقادهم *** نسيمك حتى يستدل بك الركب
جعلتك حسبي في أموري كلها *** وما خاب من أضحى وأنت له حسب



زيارة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام

آداب الزيارة
لقداسة أمر زيارة الأنبياء والأولياء الأوصياء عليهم أفضل الصلاة والسّلام.. وردت الأخبار الوفيرة في آدابها وسننها وأحكامها، ما دعا العلماءَ إلى تخصيص فصول لها في كتبهم. وقد أوردوا في صدر ذلك الآيتين الكريمتين التاليتين:
" فاخلَعْ نَعَليكَ إنّك بالوادِ المقدَّسِ طُوى ".
" يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النبيِّ ولا تَجْهَروا له بالقولِ كجَهْرِ بعضِكم لبعضٍ أن تَحْبَطَ أعمالُكم وأنتم لا تشعرون * إنّ الذين يَغُضّون أصواتَهم عندَ رسولِ اللهِ أولئك الذين امتحَنَ اللهُ قلوبَهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم ".
ذلك أنّ الآية الأُولى تُومئ إلى إكرام الروضات المقدّسة، وخلع النعلين فيها بل عند الاقتراب منها، لا سيّما في الطفّ بكربلاء والغريّ بالنجف الأشرف.. والآية الثانية تدلّ على لزوم خفض الصوت عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وعدم جهر الصوت، خلال الزيارة وغيرها؛ لما رُوي من أن حرمة الأنبياء والأئمّة عليهم السّلام بعد وفاتهم كحرمتهم في حياتهم.
ومن الأحكام والآداب الواردة في الزيارة:
1 - أنّه لا ينبغي للجُنب والحائض والنُّفَساء دخول مراقد الأنبياء والأئمّة عليهم السّلام.
2 - وأنّه يستحبّ غُسلُ الزيارة والدعاء خلاله: اللهمّ طهّرْني من كلّ ذنب، وجنّبْني من كلّ كَرْب، وذلّلْ لي كلَّ صعب، إنّك نعم المولى ونعم الربّ، ربُّ كلّ يابسٍ ورطب ". وقد ورد في ظلّ قوله تعالى: " خُذوا زينتَكم عندَ كلِّ مسجد " أنّ من تفاسيرها: الغُسل عند لقاء كلّ إمام.
3 - الوقوف على باب المَزور والدعاء والاستئذان بالمأثور، فإن وجد الزائر رقّة دخل.
4 - استقبال وجه المزور، والدعاء بتضرّع بعد وضع الخدّ الأيمن، ثمّ الدعاء عند وضع الخد الأيسر، سائلاً من الله تعالى بحقّ صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته.
5 - الزيارة بالمأثور.
6 - صلاة ركعتين للزيارة، ثمّ الدعاء بعد الركعتين بما نُقل، وإلاّ بما سَنَح للزائر في أمور دينه ودنياه، وليعمّم الدعاء؛ فإنّه أقرب إلى الإجابة.
7 - تلاوة شيء من القرآن عند الضريح وإهداؤه إلى المزور، والمنتفع بذلك هو الزائر، وفيه تعظيم للمزور.
8 - إحضار القلب في جميع الأحوال ما استطاع الزائر ذلك، والتوبة من الذنب، والاستغفار، والإقلاع عن الآثام.
9 - استحباب العود إلى الزيارة ما دام الزائر مقيماً، فإن حان الخروج ودّع وداعاً بالمأثور، وسأل اللهَ تعالى العودة إليه.
10 - أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً منه قبلَها؛ فإنّ الزيارة ينبغي أن تحطّ الأوزار إذا صادفت القبول، وأن تصرف عن الذنوب والموبقات، كالصلاة التي قال الله تعالى فيها: " إنّ الصلاةَ تَنهى عنِ الفحشاءِ والمُنْكَر، ولَذِكْرُ اللهِ أكبر.. ".
11 - تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة؛ تعظيماً لحرمة المكان، وليشتدّ الشوق.. ورُوي أنّ الخارج من الروضة يمشي القهقري حتّى يتوارى.
12- التصدّق على المحتاجين في تلك البقعة، فإنّ الصدقة مضاعفة فيها لا سيّما الهديّة إلى الذريّة الطاهرة.
13 - يستحبّ الزيارة في المواسم المشهورة قصداً.
14 - من السُّنّة تقبيل الأضرحة المقدّسة؛ تعبيراً عن المودّة والإجلال، ولو سجد الزائر على الأعتاب ونوى الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أَولى.

فضل زيارة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام
وفي خصوص هذا أيضاً وردت روايات كثيرة، اخترنا منها هذه الباقة العاطرة:
1 - عن محمّد بن سنان قال: قلت للرضا عليه السّلام: ما لمَن زار أباك ؟
قال: الجنّة، فزُرْه.
أجل، مع الاعتقاد الحقّ وحسن التولّي والتمسّك بحجزة آل الله عليهم السّلام، والقبول.
2 - وعن الحسين بن محمّد الأشعريّ قال: قال الرضا عليه السّلام: مَن زار قبر أبي ببغداد كان كمَن زار رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وقبر أمير المؤمنين عليه السّلام، إلاّ أنّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام فضلَهما.
قال الشيخ المجلسيّ: يعني كونهما أفضل من الإمام موسى الكاظم عليه السّلام لا ينافي مساواتَهم في فضل الزيارة، ويُحتمل أن يكون المعنى أنّهم مشتركون في أنّ لزيارتهم فضلاً عظيماً، لكن زيارتهما أفضل؛ لفضلهما، والرأي الأوّل أظهر.
3 - وذكر الخطيب البغداديّ في ( تاريخ بغداد 120:1 ) بإسناده عن عليّ بن الخلاّل قال: ما همّني أمرٌ فقصدتُ قبر موسى بن جعفر عليه السّلام وتوسّلتُ به إلاّ سهّل اللهُ لي ما أُحبّ . كما ذكر أنّه رأى في بغداد امرأة تهرول، فقيل لها: إلى أين ؟ قالت: إلى موسى بن جعفر؛ فإنّه حُبِس ابني. فقال لها حنبليّ: إنّه قد مات في الحبس ( أي الإمام مات محبوساً فكيف يُتَوسَّل به لنجاة محبوس! وكان في قوله هذا لهجة استهزاء ) فقالت المرأة: بحقّ المقتول في الحبس، أن تُريَني القدرة. فإذا بابنِها قد أُطلق، وأُخذ ابن المستهزئ بجنايته.
4 - وفي ( الكتاب العتيق ) للغرويّ، عن أبي عليّ بن همّام، عن الحسن بن محمّد بن جمهور العميّ قال: رأيت في سنة ستّ وتسعين ومئتين ـ وهي السنة التي تقلّد فيها عليّ بن محمّد بن موسى بن الفرات وزارةَ المقتدر ـ أحمدَ بن ربيعة الأنباريّ الكاتب، وقد اعتلّتْ يدُه العلّة الخبيثة، وعظم أمرها حتّى راحت واسودّت، وأشار يزيد المتطبّب بقطعها، ولم يشكّ أحدٌ ممّن رآه في تلفه.
فرأى في منامه مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقال له: يا أمير المؤمنين، أما تستوهب لي يدي ؟ فقال: أنا مشغول عنك، ولكنِ آمضِ إلى موسى بن جعفر؛ فإنّه يستوهبها لك. فأصبح فقال: إئتوني بمَحمل ووطّئوا تحتي واحملوني إلى مقابر قريش. ففعلوا به ذلك بعد أن غسّلوه وطيّبوه وطرحوا عليه ثوباً، وحملوه إلى قبر موسى بن جعفر صلوات الله عليه.. فلاذ به ودعا، وأخذ من تربته وطلى به يده إلى الكتف وشدَّها.
فلمّا كان من الغد حلّها وقد سقط كلُّ لحمٍ وجلدٍ عليها حتّى بقيت عظاماً وعروقاً وأعصاباً مشبّكة، وانقطعت الرائحة. وبلغ خبرُه الوزير فحُمل إليه، حتّى نظر إليه، ثمّ عُولج فرجع إلى الديوان وكتب بها كما كان، وفيه يقول صالح الديلميّ:
وموسى قد شفى الكفـ ـفَ مِن الكاتب إذْ زارا.

كيفيّة زيارة الإمام موسى الكاظم عليه السّلام
وردت نصوص كثيرة وصيغ وفيرة في زيارة الإمام الكاظم سلام الله عليه، بعضها تُفرده في السلام عليه والبعض الآخر تشفعه بالزيارة مع حفيده الإمام محمّد الجواد عليه السّلام المدفون إلى جنبه وفي روضته المنوّرة المطهّرة:

الزيارة الأولى:
يستحبّ أن تغتسل للزِّيارة مندوباً، ثمّ تقصد المشهد الشريف، وتدخل إلى الضريح الطاهر بسكينة ووقارٍ وتقول:
بِسْمِ اللهِ وَباللهِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله، وَالسَّلاَمُ عَلَى أوْلِياءِ اللهِ.
فإذا وقفت عليه فقل:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللهِ فِي ظُلُماتِ الأرْضِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللهِ.
أشْهَدُ أنَّكَ قَد أَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَلَوْتَ الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وَجاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، وَصَبرْتَ عَلَى اَلأذى فِي جَنْبِهِ مُحْتَسِباً، وَعَبَدْتَهُ مُخْلِصاً حَتّى أتَاكَ الْيَقِينُ.
أشْهَدُ أنَّكَ أوْلى بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأنَّكَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ حَقّاً، أبْرَأُ إلى اللهِ مِنْ أعْدائِكَ، وَأتَقَرَّبُ إلى اللهِ بِمُوالاتِكَ، أتَيْتُكَ يَا مَوْلايَ عارِفاً بِحَقِّكَ، مُوالِياً لأِوْلِيائِكَ، مُعادِياً لأِعْدائِكَ، فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ.
ثمّ تنكبّ على القبر وتقبِّله، وتضع خدَّيك عليه، وتحوَّلْ إلى عند الرّاس وقف وقُل:
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، أشْهَدُ أنَّكَ صادِقٌ صِدِّيقٌ، أدَّيْتَ ناصِحاً، وَقُلْتَ أمِيناً، وَمَضَيْتَ شَهِيداً، لَمْ تُؤْثِرْ عَمىً عَلَى هُدىً، وَلَمْ تمِلْ مِن حَقٍّ إلى باطِلٍ، صَلّى الله عَلَيْكَ وَعَلَى آبائِكَ وَأبْنائِكَ الطَّاهِرِينَ.
ثمّ قبِّل القبر وصلِّ ركعتين عند الرأس، وصلِّ بعدها ما أحببت واسجُد وقُل:
اللّهُمَّ إلَيْكَ اعْتَمَدْتُ، وَإلَيْكَ قَصَدْتُ، وَلِفَضْلِك رَجَوْتُ، وَقَبْرَ إمامِي الَّذِي أوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَهُ زُرْتُ، وَبِهِ إلَيْكَ تَوَسَّلْتُ، وَبِحَقِّهِمُ الَّذِي أوْجَبْتَ على نَفْسِكَ اغْفِرْ لِي وَلِوالِديَّ وَلِلْمؤْمِنِينَ يَا كَرِيمُ.
ثمّ تُقلِّبُ خدَّك الأيمن وتقول:
اللّهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ حَوائِجِي، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاقْضِها.
ثمّ تقلّب خدَّك الأيسر فتقول:
اللّهُمَّ قَدْ أحْصَيْتَ ذُنُوبِي، فَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْها، وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِما أنْت أهْلُهُ.
ثمّ عُدْ إلى السُّجود وقُل:
شكراً شُكراً.. مائة مرَّة.
ثمَّ ارفعْ رأسَك من السُّجود وادعُ بما شئت.

الزيارة الثانية:
بعد أنْ تغتسل تأتي المشهد المقدَّس وعليك السكينة والوقار، فإذا أتيته فقف على بابه وقل:
اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ، لا إلهَ إلاّ اللهُ وَاللهُ أكبَرُ، الحَمدُ للهِ على هِدايَتِهِ لِدينِهِ، وَالتَّوفيقِ لِما دَعا إليه مِنْ سَبيلِهِ.
اللّهُمَّ إنَّكَ أكرَمُ مَقصودٍ، وَأكرَمُ مَأتيٍ، وَقَدْ أتَيتُكَ مُتَقَرِّباً إليكَ بِابنِ بِنتِ نَبيِّكَ صَلواتُكَ عَليهِ وَعلى آبائِهِ الطّاهِرينِ، وَأبنائِهِ الطَيِّبينَ.
اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَلا تُخَيِّب سَعيي، وَلا تَقطَع رَجائي، وَاجعَلني عِندَكَ وَجيهاً في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبينَ.
ثم تُقدّم رجلك اليمنى عند الدخول وتقول:
بِسمِ اللهِ وباللهِ، وفي سَبيلِ الله، وعلى مِلَّةِ رَسولِ الله صلّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، اللّهُمَّ اغفِر لي ولِوالدَيّ ولِجَميع المؤمنينَ والمؤمِناتِ.
فإذا وصلت إلى باب القبَّة فقف عليه واستأذن وقل:
أأدخُلُ يا رَسولَ اللهِ، أأدخُلُ يا نَبيَّ اللهِ، أأدخُلُ يا مُحَمّدَ بنَ عَبدِ اللهِ، أأدخُلُ يا أميرَ المؤمِنينَ، أأدخُلُ يا أبا مُحَمّدٍ الحَسَن، أأدخُلُ يا أبا عَبدِاللهِ الحُسين، أأدخُلُ يا أبا مُحَمَّدٍ عَليَّ بن الحُسَينِ، أأدخُلُ يا أبا جَعفَرٍ مُحَمّدَ بن عَلي، أأدخُلُ يا أبا عَبدِاللهِ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، أأدخُلُ يا مَولايَ يا أبا الحَسَنِ موسى بنَ جَعفَرٍ، أأدخُلُ يا مَولايَ يا أبا جَعفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلي.
فإذا دخلتَ فكبِّر الله ( أربعاً ) ثم تقف مستقبل القبر بوجهك والقبلة بين كتفيك وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ يا وَليَّ اللهِ وَابنَ وَليِّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابنَ حُجَّتِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صَفيَّ اللهِ وَابنَ صَفيِّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أمينَ اللهِ وَابنَ أمينِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ اللهِ في ظُلماتِ الأرضِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ الهُدى، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَلَمَ الدِّينِ وَالتُّقى، السَّلامُ عَلَيكَ يا خازنَ عِلْمِ النَبيينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا خازِنَ عِلمِ المُرسَلينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نائِبَ الأوصياءِ السّابِقينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَعدِنَ الوَحي المُبينِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صاحِبَ العِلْمِ اليَقينِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَيبَةَ عِلْمِ المُرسَلينَ.
السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ الصّالحُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ الزّاهِدُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الإِمامُ السَيِّدُ الرَّشيدُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها المقتولُ الشَّهيدُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ وَابنَ وَصيِّهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ يا موسى بن جَعفرٍ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
أشهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغتَ عَنِ اللهِ ما حَمَّلَكَ، وَحَفِظَتَ ما استَودَعَكَ، وَحَلَّلتَ حَلالَ اللهِ، وَحَرَّمتَ حَرامَ اللهِ، وَأقمتَ أحكامَ اللهِ، وَتَلَوتَ كِتابَ اللهِ، وَصَبرتَ على الأذى في جَنبِ اللهِ، وَجاهَدتَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حتى أتاكَ اليَقينَ. وَأشهَدُ أنَّكَ مَضيتَ على ما مَضى عَليهِ آباؤُكَ الطّاهِرونَ، وَأجدادُكَ الطَيِّبونَ، الأوصياءُ الهادونَ، الأئمّةُ المَهديُّونَ، لَمْ تُؤثِر عَمى على هُدى، وَلَمْ تَمِلْ مَنْ حَقٍ إلى باطِلٍ. وَأشهَدُ أنَّكَ نَصَحتَ للهِ وَلِرسولِهِ وَلأميرِ المؤمِنينَ، وَأنَّكَ أدَّيتَ الأمانَةَ، وَاجتَنَبتَ الخيانَةَ، وَأقمتَ الصَّلاةَ وآتيتَ الزكاة، وأمرتَ بالمعروف ونهيتَ عن المنكر، وعبدتَ اللهَ مخلصاً مجتهداً مُحتَسِباً حتى أتاكَ اليَقينُ، فَجَزاكَ اللهُ عَنِ الإِسلامِ وَأهلِهِ أفضَلَ الجَزاء وَأشرَفَ الجَزاءِ.
أتَيتُكَ يا ابنَ رسولِ اللهِ زائِراً عارِفاً بِحَقِّكَ، مُقِرَّاً بِفَضلِكَ، مُحتَمِلاً لِعِلمكَ، مُحتَجِباً بِذِمَّتِكَ، عائِذاً بِقَبرِكَ، لائِذاً بِضَريحكَ، مُستَشفِعاً بِكَ إلى اللهِ، موالياً لأوليائِكَ، مُعادياً لأِعدائِكَ، مُستَبصِراً بِشَأنِكَ وَبالهدى الذي أنتَ عَليهِ، عالِماً بِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكَ وَبِالعَمى الذي هم عَليهِ.
بأبي أنتَ وَأُمِّي وَنَفسي وَأهلي وَمالي وَوِلْدي يا ابنَ رَسولِ اللهِ، أتَيتُكَ مُتَقَرِّباً بزِيارَتِكَ إلى اللهِ تَعالى، وَمُستَشفِعاً بِكَ إليهِ، فَاشفَع لي عِندَ رَبِّكَ لِيَغفِرَ لي ذنوبي، وَيَعفوَ عَنْ جُرمي، وَيَتَجاوَزَ عَنْ سَيّئاتي، وَيَمحوَ عَنِّي خَطيئاتي، ويَدُخِلَني الجَنَّةَ، وَيَتَفَضَّلَ عَلَيَّ بِما هو أهلُهُ، وَيَغفِرَ ليْ وَلآِبائي وَلإِخواني وَأخواتي وَلِجَميعِ المؤمِنينَ وَالمؤمناتِ في مَشارِقِ الأرضِ وَمَغارِبِها بِفَضلِهِ وَجودِهِ وَمَنِّهِ.
ثمّ تنكبُّ على القبر وتقبِّله، وتعفِّر خدَّيك عليه، وتدعو بما تريد.
ثمّ تتحول إلى الرأس وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ يا موسى بنَ جَعفرٍ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، أشهَدُ أنَّكَ الإمامُ الهادي، وَالوَليُّ المُرشِدُ، وَأنَّكَ مَعدِنُ التَّنزيلِ، وَصاحِبُ التَّأويلِ، وَحامِلُ التَّوراةِ وَالإنجيلِ، وَالعالِمُ العادِلُ، وَالصّادِقُ العامِلُ.
يا مَولايَ أنا أبرَأُ إلى اللهِ مِنْ أعدائِكَ، وَأتَقَرَّبُ إلى اللهِ بِموالاتِكَ، فَصَلّى اللهُ عَليكَ وَعلى آبائِكَ وَأجدادِكَ وَأبنائِكَ وَشيعَتِكَ وَمُحِبِّيكَ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه.
ثمّ تصلي ركعتَي الزيارة، تقرأ فيهما سورة يس والرحمن أو ما تيسَّر من القرآن، ثمّ تدعو بما تريد.

الزيارة الثالثة:
تستأذن بما تقدَّم، ثمّ تدخل مقدِّماً رجلك اليمنى، فإذا دخلت فكبِّر الله تعالى مائة تكبيرة، وتقف مستقبل الضريح وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها العَبدُ الصّالحُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها النُّورُ السّاطِعُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها القَمرُ الطالعُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيها الغَيثُ النافِعُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَليَّ اللهِ وَحُجَّتَهُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ اللهِ في الظُّلماتِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا آلَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا بَهاءَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا بابَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صِفوَةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا خاصَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سِرَّ اللهِ المُستودَع، السَّلامُ عَلَيكَ يا صِراطَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا زَينَ الأبرارِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سَليلَ الأطهار، السَّلام عَلَيكَ يا عُنصرَ الأخيارِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مِحنَةَ الخَلقِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَزيدَ اللهِ في شَأنِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عِلْمِ النَبيينَ، وَسُلالَةَ الوَصيِّينَ، وَشاهِدَ يَومِ الدِّينِ.
أشهَدُ أنَّكَ وآباءَك الذينَ كانوا مِنْ قَبِلكَ، وَأبناءَكَ مِنْ بَعدِكَ، مَواليَّ وَأوليائي وَأئِمِّتي.
أشهَدُ أنَّكُم أصفياءُ اللهِ وَخِيرَتُهُ، وَحُجَّتُهُ البالِغَةُ، انَتَجَبَكُم بِعِلمِهِ، وَجَعَلَكُم أنصاراً لِدينِهِ، وَقُوّاماً بِأمرِهِ، وُخُزّاناً لِحِكمِهِ، وَحَفَظَةً لِسِرِِّهِ، وَأركانِاً لِتَوحيدِهِ، وَمعادِنَ لِكَلِماتِهِ، وَتَراجِمَةً لِوَحْيهِ، وَشُهوداً على عِبادِهِ.
استَرعاكُم خَلقَهُ، وَآتاكُم كِتابَهُ، وَخَصَّكُم بِكَرائِمِ التَّنزيلِ، وَأعطاكُم فَضيلَةَ التَّأويلِ، وَجَعَلَكُم تابوتَ حِكمَتِهِ، وَعَصا عِزِّه، وَمَناراً في بِلادِهِ، وَأعلاماً لِعِبادِهِ، وَأجرى فيكُم مِنْ روحِهِ، وَعَصَمَكُم مِنَ الزَّلَلِ، وَطَهَّرَكُم مِنَ الدَّنَسِ وَأذهَبَ عَنكُمُ الرّجسَ، وَآمَنَكُم مِنَ الفِتَنِ.
بِكُم تَمَّتِ النِّعمَةُ، وَاجتَمَعَتِ الفُرقَةُ، وَائتَلَفَتِ الكَلَمَةُ، وَلَكُمُ الطَّاعَةُ المُفتَرَضَةُ، وَالمَودَّةُ الواجِبَةُ، وَأنتُم أولياءُ اللهِ النُّجَباءُ، وَعِبادُهُ المُكَرَّمونَ.
أتَيتُكَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ عارِفاً بِحَقِّكَ مُستَبصراً بِشَأنِكَ، مُوالياً لاِوليائِكَ، مُعادياً لأعدائِكَ، بِأبي أنت وَأُمِّي صَلّى اللهُ عَليكَ وَسَلَّمَ تَسليماً.

الصلاة عليه (سلام الله عليه):
اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَأهلِ بَيتِهِ، وَصَلِّ على موسى بنِ جَعفَرٍ وَصيِّ الأبرارِ، وَإمامِ الأخيارِ، وَعَيبَةِ الأنوارِ، وَوارِثِ السَّكينَةِ وَالوَقارِ، وَالحِكمِ وَالآثارِ، الذي كانَ يُحيي اللَّيلَ بِالسَّهَرِ إلى السَّحَرِ بِمواصَلَةِ الاستِغفار، حَليفِ السَّجدَةِ الطَّويلَةِ، وَالدُّموعِ الغَزيرَةِ وَالمناجاةِ الكَثيرَةِ، وَالضَّراعاتِ المُتَّصِلَةِ، وَمَقَرِّ النُّهى وَالعَدلِ، وَالخيرِ وَالفَضلِ، وَالنَّدى وَالبَذلِ، وَمألِفِ البَلوى وَالصَّبرِ، وَالمُضطَهَدِ بِالظُّلمِ، وَالمَقبورِ بالجَور، وَالمُعَذَّبِ في قَعرِ السُّجونِ وَظُلَمِ المَطامير، ذي السّاقِ المَرضوضِ بِحَلَقِ القُيودِ، وَالجَنازَةِ المُنادى عَلَيها بِذُلِّ الاستِخفافِ، وَالوارِدِ على جَدِّهِ المُصطفى، وَأبيهِ المَرتَضى، وَأُمِّهِ سَيِّدَةِ النِّساءِ، بإرثٍ مَغصوبٍ، وَوَلاءٍ مَسلوبٍ، وَأمرٍ مَغلوبٍ، وَدَمٍ مَطلوبٍ، وَسَمٍ مَشروبٍ.
اللّهُمَّ وَكَما صَبَرَ على غَليظِ المِحَنِ، وَتَجَرَّعَ غُصَصَ الكُربِ، وَاستَسلَمَ لِرضاكَ، وَأخلَصَ الطَّاعَةَ، وَمَحَضَ الخُشوعَ، وَاستَشعَرَ الخُضوعَ، وَعادى البِدعَةَ وَأهلَها، وَلَمْ يَلحَقه في شَيءٍ مِنْ أوامِرِكَ وَنَواهيكَ لَومَةُ لائِمٍ، صَلِّ عَلَيهِ صَلاةً ناميَةً مُنيفَةً زاكيَةً، توجِبُ لَهُ بها شَفاعَةَ أُمَمٍ مِنْ خَلقِكَ، وَقُرونٍ مِنْ بَراياكَ، وَبَلِّغْه عَنّا تَحيَّةً وَسَلاماً، وَآتِنا مِنْ لَدنكَ في موالاتِهِ فَضلاً وَإحسانا،ً وَمَغفِرةً وَرِضواناً، إنَّكَ ذو الفَضلِ العَميمِ، وَالتَّجاوزِ العَظيمِ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ.
ثمّ تصلِّي ركعتي الزيارة، وتقول عقبها وأنت قائم:
اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِحُرمَةِ مَنْ عاذَ بِكَ مِنكَ، وَلَجَأ إلى عِزِّكَ، واستَظَلَّ بِفَيئِكَ، وَاعتَصَمَ بِحَبلِكَ، وَلْمْ يَثِقْ إلاّ بِكَ، يا جَزيلَ العَطايا، يا فَكّاكَ الأُسارى، يا مَنْ سَمّى نَفسَهُ مِنْ جودِهِ وَهّاباً، أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَلا تَرُدَّني مِنْ هذا المَقامِ خائِباً، فَإنَّ هذا مَقامٌ تَغِفرُ فيهِ الذُّنوبَ العِظامَ، وَتُرجى فيهِ الرَّحمَةُ مِن الكَريمِ العَلاّمِ. مَقامٌ لا يَخيبُ فيهِ السّائِلونَ، وَلا يُجْبَهُ بِالرَّدِ الرّاغِبونَ. مَقامُ مَنْ لاذَ بِمولاهُ رَغبَةً، وَتَبَتَّلَ إليهِ رَهبَةً. مَقامُ الخائِفِ مِنْ يَومٍ يَقومُ فيهِ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ، وَلا تَنفَعُ فيهِ شَفاعَةُ الشّافِعين، إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وَكانَ مِنَ الفائِزين، ذلِكَ يَومٌ لا يَنفَعُ فيهِ مالٌ وَلا بَنون إلاّ مَنْ اتى اللهَ بِقَلبٍ سَليمٍ، وَأُزِلَفتِ الجَنَةُ لِلمُتَقينَ، وَقيلَ هذا ما كُنتُم تُوعَدونَ، لِكُلِّ أوّابٍ حَفيظٍ، مَنْ خَشيَ الرَّحمنَ بِالغَيبِ وَجاءَ بِقَلبٍ مُنيبٍ، أُدخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَومُ الخُلود.
اللَّهُمَّ فَاجعَلني مِنَ المُخلصينَ الفائِزينَ، وَاجعَلني مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيمِ، وَاغفِر لي وَلِوالِدَيّ وَلِولْدي يومَ الدِّينِ، وَألحِقني بِالصَالحِينَ، وَاخلِف على أهلي وَولْدي في الغابِرينَ، وَاجمَع بَينَنا جَميعاً في مُستَقَرِّ رَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحمينَ.
وَسَلِّمني مِنْ أهوالِ ما بَيني وَبينَ لِقائِكَ، حتّى تُبَلِّغَني الدَّرَجَةَ التي فيها مُرافَقَةِ أحبّائِك،َ الذينَ عَليهِم دَلَلْتَ، وَبِالاقتِداءِ بِهِم أمَرتَ، وَاسقِني مَنْ حَوضِهِم مَشرَباً رَويّاً سائِغاً هَنيئاً، لا أظمَأ بَعَدَهُ وَلا أُحَلّى عَنهُ أبَداً، وَاحشُرني في زُمرَتِهِم، وَتَوَفَّني على مِلَّتِهِم، وَاجعَلني في حِزبِهِم، وَعَرِّفني وجُوهَهُم في رِضوانِكَ وَالجَنَّةِ، فَإنِّي رَضيتُ بِهِم أئِمَةً وَهُداةً وَولاةً، فَاجعَلهُم أئِمَتي وَهُداتي وَوُلاتي في الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَلا تُفَرِّقْ بَيني وَبَينَهُم طَرْفَةَ عَينٍ يا أرحَمَ الرَّاحِمين، آمينَ يا رَبَّ العالَمينَ.
وصلِّ ما تختار، وادع بما تريد.

الزيارة الرابعة:
تستأذن بما تقدَّم، وتقف على ضريحه وتقول:
السَّلامُ عَلَيكَ يا وَليَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صِفوَةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ اللهِ في ظُلُماتِ الأرضِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ المُتَّقينَ، وَوارِثَ عِلْمِ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سُلالَةَ الوَصَيِّينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يا شاهِدَ يَومِ الدِّينِ.
أشهَدُ أنَّك وَآباءَكَ الذينَ كانوا مِنْ قَبِلكَ، وَأبناءَكَ الذينَ يَكونونَ مِنْ بَعدِكَ، مَواليّ وَأوليائي وَأئِمّتي وَقادَتي في الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَأشهَدُ أنَّكُم أصفياءُ اللهِ وَخيرَتُهُ مِنْ خَلقِهِ، وَحُجَّتُهُ البالِغَةُ، انتَجَبَكُم لِعلمِهِ، وَجَعَلَكُم خَزَنَةً لِسِرِّهِ، وَأركاناً لِتَوحيدِهِ، وَتَراجِمَةً لِوَحيهِ، وَمَعادِنَ لِكَلِماتِهِ، وَشُهوداً لَهُ على عِبادِهِ، وَاستَرعاكُم أمرَ خَلقِهِ، وَخَصَّكُم بِكَرائِمِ التَّنزيلِ، وَأعطاكُمُ التَّأويلَ، وَجَعَلَكُم أبواباً لِحِكمَتِهِ، وَمَناراً في بِلادِهِ، وَأعلاماً لِعبادِهِ، وَضَرَبَ لَكُم مَثَلاً مِنْ نورِهِ، وَعَصَمَكُم مِنَ الزَّلَلِ، وَطَهَّرَكُم مِنَ الدَّنَسِ، وَآمَنَكُم مِنَ الفِتَنِ.
فَبِكُم تَمَّتِ النِّعمَةَ، وَاجتَمَعَتْ بِكُم الفُرقَةُ، وَبِكُمُ انتَظَمَتِ الكَلِمَةُ، وَلَكُمُ الطَّاعَةُ المُفتَرَضَةُ، وَالمَودّةُ الواجِبَةُ الموَظَّفَةُ، وَأنتُم أولياءُ اللهِ النُّجَباءُ، أحيا بِكُمُ الصِّدقَ، فَنَصَحتُم لِعبادِهِ، وَدَعَوتُم إلى كِتابِ اللهِ وَطاعَتِهِ، وَنهَيتُم عَنْ مَعاصي اللهِ، وَذَبَبتُم عَنْ دينِ اللهِ.
أتَيتُكَ يا مَولايَ يا أبا إبراهيمَ موسى بنَ جَعفَرٍ، يا ابنَ خاتَمِ النَّبيينَ، وَابنَ سَيِّدِ الوَصيينَ، وَابنَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، عارِفاً بِحَقِّكَ وَبِولايَتِكَ، مُصَدِّقاً بِوَعدِكَ، موالياً لأِوليائِكَ، مُعادياً لأعدائِكَ، فَعَلَيكَ يا مَولايَ مِنِّي أفضَلُ التَّحيَّةِ وَالسَّلام.
ثم تقول:
اللَّهُمَّ صَلِّ على حُجّتكَ مِنْ خَلِقكَ، وَأمِينِكَ في عِبادِكَ، وَلِسانِ حِكمَتِكَ، وَمَنهَجِ حَقِّكَ، وَمَقصَدِ سَبيلِكَ، وَالسَّبَبِ إلى طاعَتِكَ، وَصِراطِكَ المُستَقيمِ، وَخازِنِكَ، وَالطَّريقِ إليكَ.. مُوسى بنِ جَعفَرٍ، فَرطِ أنبيائِكَ، وَسُلالَةِ أصفيائِكَ، داعي الحِكمَةِ، وَخازِنِ العِلْمِ، كاظِمِ الغَيظِ، وَصائِمِ القَيظِ، وَإمامِ المؤمِنينَ، وَزينِ المُهتَدينَ، الحاكِمِ الرَّضيّ، وَالامامِ الزَّكي الوَفيّ الوَصيّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ وَعَلى الأئمّةِ مِنْ آبائِهِ وَولْدهِ، وَاحشُرني في زُمرَتِهِ، وَاجعَلني في حِزبِهِ، وَلا تحْرِمني مُشاهَدَتَهُ.
اللَّهُمَّ فَكَما مَنَنتَ عَلَيَّ بِولايَتِهِ، وَبَصَّرتَني طاعَتَهُ، وَهَدَيتَني لِمودَّتِهِ، وَرَزقتَني البَراءةَ مِنْ عَدوِّهِ، فَأسألُكَ أنْ تجعَلَني مَعَهُ وَمَعَ الأئِمَةِ مِنْ آبائِهِ وَوِلدِهِ بِرَحمَتِكَ، وَمَعَ مَنِ ارتَضيتَ مِنَ المؤمِنينَ بِولايَتِهِ يا رَبَّ العالَمينَ، وَخَيرَ النّاصِرينَ.
ثمّ تصلي عليه بما تقدم في الزيارة الثانية، وتصلي صلاة الزيارة، وتدعو بعدها بالدعاء الذي تقدّم عُقيب صلاة تلك الزيارة.

وداع أبي الحسن موسى عليه السّلام
ذكر الشيّخ الطوسيّ في (تهذيب الأحكام) في وداع أبي الحسن موسى عليه السّلام: تقف على القبر كوقوفك أوَّل مرّة للزِّيارة وتقول:
السّلام عليك يا مولاي يا أبا الحسن ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله وأقرأ عليك السّلام، آمنّا بالله وبالرَّسول وبما جئتَ به ودللتَ عليه، اللّهمَّ فاكتبنا مع الشّاهدين.
قال في وداع أبي جعفر عليه السّلام: تقف عليه كوقوفك عليه حين بدأت بزيارته وتقول:
السّلام عليك يا مولاي يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله وأقرأ عليك السّلام، آمنّا بالله وبرسوله وبما جئت به ودللت عليه، اللّهمَّ اكتبنا مع الشاهدين.
ثمَّ تسأله أن لا يجعله آخر العهد منك، وادعُ بما شئت، وقبّل القبر وضع خديّك عليه إن شاء الله.



الزيارة المشتركة للإمامين الكاظم والجواد عليهم السلام
الزيارة الأولى:
* محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عمّن ذكره عن أبي الحسن عليه السّلام قال: تقول [ ببغداد ]:
السّلام عليك يا وليَّ الله، السّلام عليك يا حجّةَ الله، السّلام عليك يا نورَ الله في ظلمات الأرض، السّلام عليك يا من بدا لله في شأنه، أتيتك زائراً عارفاً بحقّك، معادياً لأعدائك، فاشفع لي عند ربّك يا مولاي.
قال: وادعُ اللهَ واسألْ حاجتك، قال: وسلّمْ بهذا على أبي جعفر محمّد بن علي ( الجواد )، وقال: قل: إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن عليّ عليهما السّلام فاغتسل وتنظّف والبس ثوبيك الطّاهرين، وزر قبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام ومحمّد بن عليِّ بن موسى عليهم السّلام، وقل حين تصير عند قبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام:
السّلام عليك يا وليَّ الله، السّلام عليك يا حجّة الله، السّلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض، السّلام عليك يا من بدا اللهِ في شأنه، أتيتك زائراً عارفاً بحقّك، معادياً لأعدائك، موالياً لأوليائك، اشفع لي عند ربّك يا مولاي.
ثمّ سل حاجتك، ثمّ سلّم على أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السّلام بهذه الأحرف وابدأ بالغسل وقل:
اللّهمَّ صلِّ على محمّد بن عليّ، الإمام البَرِّ التّقيّ، الرّضيّ المرضيّ، وحجّتك على مَن فوق الأرضين ومن تحت الثّرى، صلاة كثيرة نامية زاكية مباركة متواصلة مترادفة، كأفضلِ ما صلّيت على أحد من أوليائك.
السّلام عليك يا وليَّ الله، السّلام عليك يا نور الله، السّلام عليك يا حجّة الله، السّلام عليك يا إمام المؤمنين، ووارث النبيّين، وسُلالةَ الوصيّين، السّلام عليك يا نور الله في ظلمات الرض، أتيتك زائراً عارفاً بحقّك، معادياً لأعدائك، موالياً لأوليائك، فاشفع لي عند ربّك يا مولاي.
ثمّ سلْ حاجتك تُقضى إن شاء الله تعالى.
قال: وتقول عند قبر أبي الحسن عليه السّلام ببغداد، ويجزي في المواطن كلّها أن تقول:
السّلام على أولياء الله وأصفيائه، السّلام على أُمناء الله وأحبّائِه، السّلام على أنصار الله وخلفائِه، السّلام على محالِّ معرفة الله، السّلام على مساكن ذِكْرِ الله، السّلام على مظاهر أمر الله ونهيه، السّلام على الدعاة إلى الله، السّلام على المستقرّين في مرضاة الله، السّلام على الممحّصين في طاعة الله، السّلام على الأدلاّء على الله، السّلام على الّذين مَن والاهم فقد والى الله، ومَن عاداهم فقد عادى الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جَهلهم فقد جَهِل الله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله، ومن تخلّى منهم فقد تخلّى من الله. أُشهد الله أنّي سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، مؤمن بسرِّكم وعلانيتكم، مفوِّضٌ في ذلك كلّه إليكم، لعن الله عدوَّ آل محمّد مِن الجنّ والإنس، وأبرأ إلى الله منهم، وصلّى الله على محمّد وآله.
وهذا يجزي في الزيارات [ المشاهد ] كلّها، وتُكثر من الصّلاة على محمّد وآله وتُسمّي واحداً واحداً بأسمائهم، وتبرأ إلى الله من أعاديهم، وتَخَيّر لنفسك من الدّعاء وللمؤمنين والمؤمنات.

* * *
* وروى مؤلّف المزار الكبير الشيخ المشهديّ، عن محمد بن جعفر الرزّاز قوله: وسلّم بهذا على أبي جعفر عليه السّلام ثمَّ قال: ثمَّ تصلّي صلاة الزيّارة، فإذا فرغت منها سبّحت تسبيح الزَّهراء عليها السّلام وتقول:
اللّهمَّ إليك نصبتُ يدي، وفيما عندك عَظُمت رغبتي، فاقبل يا سيّدي توبتي، واغفر لي وارحمني واجعل لي في كلّ خير نصيباً، وإلى كلِّ خير سبيلا.
اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد واسمع دعائى، وارحم تضرّعي وتذلّلي واستكانتي وتوكّلي عليك، فأنا لك سِلم، لا أرجو نجاحاً ولا معافاة ولا تشريفاً إلاّ بك ومنك، فامنن علَيّ بتبليغي هذا المكان الشريف مِن قابل، وأنا مُعافى من كلّ مكروه ومحذور، وأعنّي على طاعتك وطاعة أوليائك الّذين اصطفيتَهم من خَلْقك.
اللّهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، وسلّمني في ديني، وامددْ لي في أجَلي، وأصلح لي جسمي، يا من رحمني وأعطاني، وبفضله أغناني، اغفر لي ذنبي، وأتممْ لي نعمتك فيما بقيَ مِن عمري، حتّى توفّاني وأنت عنّي راض. اللّهم صلِّ على محمّد وآل محمّد ولا تخرجني من ملّة الإسلام فانّي اعتصمت بحبلك، فلا تَكِلْني إلى غيرك.
اللّهمَّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعلّمني ما ينفعني، وانفعني بما علّمتَني، واملأ قلبي علماً وخوفاً من سطواتك ونقماتك. اللّهمَّ إنّي أسألك مسألةَ المضطرّ إليك المشفق من عذابك، الخائف من عقوبتك، أن تغفر لي، وتغمّدني وتحنّن عليَّ برحمتك، وتعود عليّ بمغفرتك، وتؤدِّي عنّي فريضتك، وتغنيني بفضلك عن سؤال أحد من خلقك، وتجيرني من النّار برحمتك.
اللّهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرج وليّك وابن وليّك، وافتح له فتحاً يسيراً، وانصره نصراً عزيزاً. اللّهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وأظهر حجّته بوليّك، وأحيِ سنّته بظهوره، حتّى يستقيمَ بظهوره جميعُ عبادك وبلادك، ولا يستخفيَ أحدٌ بشيء من الحقّ.
اللّهمَّ إني أرغب إليه في دولته الشريفة الكريمة، الّتي تُعِزّ بها الإسلامَ وأهله، وتُذلُّ بها النّفاق وأهله. اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، واجعلنا فيها من الدّاعين إلى طاعتك، والفائزين في سبيلك، وارزقنا كرامةَ الدُّنيا والآخرة.
اللّهمَّ ما أنكرنا من الحقِّ فعرِّفناه، وما قَصُرْنا عنه فبلِّغْناه، اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد واستجب لنا جميع ما دعوناك، وأعطِنا جميع ما سألناك، واجعلنا لأنعُمِك من الشّاكرين، ولآلائك من الذَّاكرين، واغفر لنا يا خير الغافرين، وافعل بنا وبالمؤمنين ما أنت أهله يا أرحم الرّاحمين.
ثمّ اسجد وعفّر خدّيك وامض في دعةِ الله.

الزيارة الثانية:
السّلام عليكما يا وليّيِ الله، السّلام عليكما يا حجّتَيِ الله، السّلام عليكما يا نورَيِ الله في ظلمات الأرض، أشهد أنكما قد بلّغتما عن الله ما حمّلكُما، وحفِظْتُما ما استوُدِعتما، وحَلّلتُما حلالَ الله، وحرّمتُما حرامَ الله، وأقمتُما حدودَ الله، وتلوتما كتاب الله، وصبرتما على الأذى في جَنْبِ الله محتسبَين، حتّى أتاكما اليقين. أبرأ إلى الله من أعدائكما، واتقرَّبُ إلى الله بولايتكما، أتيتكما زائراً عارفاً بحقكما موالياً لأوليائكما، معادياً لأعدائكما، مستبصراً بالهدى الّذي أنتما عليه، عارفاً بضلالةِ مَن خالفكما، فاشفعا لي عند ربّكما، فانَّ لكما عند الله جاهاً عظيماً ومقاماً محموداً.
ثمّ قبّل التربة وضع خدّك الأيمن عليها، وتحوَّل إلى عند الرأس فقل:
السّلام عليكما يا حجّتَيِ الله في أرضه وسمائه، عبدُكما ووليُّكما زائركما متقرِّباً إلى الله بزيارتكما، اللّهمَّ اجعل لي لسان صدق في أوليائك المصطفَين، وحبِّب إليَّ مشاهدهم، واجعلني معهم في الدُّنيا والآخرة يا أرحم الرّاحمين.
ثمَّ صلِّ لكلِّ إمام ركعتين للزّيارة وادع بما أحببت، فإذا أردت الانصراف فودّعهما عليهما السّلام وقل بعد أن وقفت مثل ما وقفت أولاً:
السّلام عليكما يا ولييِ الله، أستودعكما الله وأقرأ عليكما السّلام، آمنّا بالله وبالرَّسول وبما جئتما به ودَلَلْتما عليه، اللّهمَّ اكتبنا مع الشّاهدين. اللّهمَ لا تجعله آخرَ العهدِ من زيارتي إيّاهما، وارزقني مرافقتهما واحشرني معهما، وانفعني بحبّهما، والسّلام عليكما ورحمة الله وبركاته.


باب مختصر زيارة أبي الحسن موسى ومحمّد بن عليّ عليهما السّلام
تقف على قبر أبي الحسن موسى عليه السّلام، وتستقبله بوجهك، وتقول:
السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُمَاتِ الأرْضِ.
أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ عَن اللهِ ما حُمِّلْتَ، وَحَفِظْتَ ما اسْتُودِعْتَ، وَحَلَّلْتَ حَلالَ اللهِ، وَحَرَّمْتَ حَرامَ اللهِ، وَأقَمْتَ حُدُودَ اللهِ، وَتَلَوْتَ كِتابَ اللهِ، وَصَبَرْتَ عَلى الأذى فيِ جَنْبِ اللهِ مُحْتَسِباً، وَعَبَدْتَهُ مُخْلِصاً حَتّى أتاكَ اليَقينُ.
أبْرَأُ إلى اللهِ وَإلَيْكَ مِنْ أعْدائِكَ، مُسْتَبْصِراً بِالهُدى الَّذِي أنْتَ عَلَيْهِ، عارِفاً بِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكَ، اشْفَعْ ليِ عِنْدَ رَبِّكَ.
ثمّ قبّل التربة، وضع خدّك الأيمن عليها، وتحوّل إلى عند الرأس وقل:
" السّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ فيِ أرْضِهِ وَسَمائِهِ "
وتصلّي ركعتين، ثمّ تحوّل إلى عند الرجلين، فتدعو بما أحببت، وتزور أبا جعفر عليه السّلام بهذه الزيارة.
فإذا أردت الانصراف، فودّعهما عليهما السّلام، وتقف على قبر كلّ واحد منهما، وتقول:
السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللهِ، أسْتَوْدِعُكَ الله، وَأقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، آمَنَّا بِاللهِ وبِالرَّسُولِ وَبِما جِئْتُمْ بِهِ وَدَللْتُمْ عَلَيْهِ، اللّهُمَّ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ.

زيارة يوم الأربعاء
زيارة يوم الأربعاء وهو باسم موسى بن جعفر، وعليِّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليِّ بن محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
( زيارتهم عليهم السّلام ):
السّلام عليكم يا أولياءَ الله، السّلام عليكم يا حُججَ الله، السّلام عليكم يا نورَ الله في ظلمات الأرض، السّلام عليكم صلوات الله عليكم وعلى آل بيتكم الطيّبين الطّاهرين. بأبي أنتم وأُمّي، لقد عبدتم اللهَ مخلصين، وجاهدتُم في الله حقّ جهاده حتّى أتاكمُ اليقين، فلعن اللهُ أعداءَكم من الجنِّ والإنس أجمعين، وأنا أبرأ إلى الله وإليكم منهم، يا مولاي يا أبا إبراهيم موسى بنَ جعفر، يا مولاي يا أبا الحسن عليَّ بنَ موسى، يا مولاي يا أبا جعفر محمّدَ بنَ عليّ، يا مولاي يا أبا الحسن عليَّ بنَ محمّد، أنا مَولىً لكم، مؤمنٌ بسرِّكم وجَهْرِكم، متضيّفٌ بكم في يومكم هذا، وهو يوم الأربعاء، ومستجير بكم فأضيفوني وأجيروني، بآل بيتكمُ الطيّبين الطّاهرين.


ذكر وداع موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ عليهما السّلام
اللّهمَّ صلِّ على محمّد، وآل محمّد واجعلني ممن ينقلب مُفلِحاً منجحاً، سالماً غانماً، بأفضل ما ينقلب به أحد من زوّاره ومواليه ومحبّيه، بأبي أنت واُمّي ونفسي وأهلي ومالي يا موسى بن جعفر ويا محمّد بن عليّ، إجعلاني في همّكما، وصيّراني في حزبكما، وأدخلاني في شفاعتكما، واذكُراني عند ربّكما، صلّى الله عليكما وعلى أهلكما، ولا فرَّق الله بيني وبينكما، ولا قطع عنّي بركتَكما، وغفر لي ولوالديَّ ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه حميد مجيد.
ثمَّ تدعو بما تحبّ، ثمَّ تخرج ولا تجعل ظهرك إلى الضريح، وامض كذلك حتّى تغيب عن معاينتك.

   

أضف تعليق


كود امني
تحديث