اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

نسبه الشّريف صلّى الله عليه وآله
مُحمّد بن عبد الله بن عبد المُطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة مدرك بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السّلام‏.

والده صلّى الله عليه وآله
هو عبد الله بن عبد المطلب الملقب بالذبيح ولد بمكة المكرمة سنة 81 ق ه‍
وتوفي بالمدينة سنة 53 ق ه‍ وأمه فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمر ابن مخزوم.

والدته صلّى الله عليه وآله
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب قرشية زهرية أمها برة بنت عبد العزى بن قصى بن كلاب بن مرة وأم أبيها وهب عاتكة بنت الاوقص ابن مرة بن هالة بن فالح بن ذكوان من بنى سليم.
ماتت آمنة والنّبيّ صلّى الله عليه وآله ابن أربع سنين. وقيل أنّها توفيت لست سنين مضت من مولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله بالابواء بين مكة والمدينة وكانت قد خرجت به صلّى الله عليه وآله إلى أخوال أبيه بنى النجار،المقيمين في يثرب، تزورهم فماتت فقدمت به أم أيمن بعد موت أمه بخمسة أيام. وقال أبو سعيد دفنت أمه صلّى الله عليه وآله بمكة وأهل مكة يزعمون أن قبرها في مقابر أهل مكة من الشعب المعروف شعب أبى دب وكان أبو دب رجلاً من سراة بنى عمرو.وكان ذلك في سنة 576 م قبل بعثة النّبيّ صلّى الله عليه وآله بأربع وثلاثين سنة.


كيفية اقتران والده بوالدته صلّى الله عليه وآله
نقل أنّ عبد المطلب أخذ ولده عبد الله إلى وهب بن عبد مناف فزوجه آمنة ابنة وهب، وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف فأتاه عبد المطلب فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب آمنة بنت أخيه وهب لابنه عبد الله فتزوجاهما في مجلس واحد فولدت آمنه لعبدالله رسول الله صلّى الله عليه وآله وولدت هالة لعبد المطلب حمزة وصفية وكان سن عبد الله حين تزوج ثلاثين سنة وقيل خمسا وعشرين ولم يكن لآمنة أخ ولا أخت فلذلك لم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وآله خال ولاخالة وإنما بنو زهرة يقولون نحن أخواله لان آمنة أمه منهم ولم يكن لعبد الله ولا لآمنة ولد غيره صلّى الله عليه وآله فذلك لم يكن له أخ ولا أخت لكن كان له ذلك من الرضاع.
وقال ابن شهر آشوب في مناقبه: كانت امرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فقالت: أنت الذي فداك أبوك بمئة من الإبل؟ قال: نعم، فقالت: هل لك أن تقع علي مرة واعطيك من الابل مئة، فنظر إليها وأنشأ:
أمّا الحرام فالممات دونه * وأحل لا حل فاستبينه* فكيف بالأمر الذي تبتغينه.
ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها يوماً وليلة فحملت بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله ثمّ انصرف عبد الله فمر بها فلم يربها حرصاً على ما قالت أوّلاً فقال لها عند ذلك مختبراً: هل لك فيما قلت لي فقالت لا؟ قد كان ذلك مرة فاليوم لا. ثمّ قالت: أي شئ صنعت بعدي؟ قال: زوجني أبي آمنة فبت عندها، فقالت:
لله ما زهرية سلبت * ثوبيك ما سلبت وما تدري
ثمّ قالت: رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون في، وأبى الله إلا أن يضعه حيث يحب، ثمّ قالت:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم * أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوه * فتائل قد ميثت له بدخان
وما كان ما يحوى الفتى من نصيبه * بحرص ولا ما فاته بتواني
ويقال: إنّه مر بها وبين عينيه غرة كغرة الفرس وكان عند الأخبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا، وكانوا قد قرأوا في كتبهم: إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دماً فاعلموا أنّه قد ولد أبو السفاك الهتاك، فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا واجتمع خلق على ان يقتلوا عبد الله فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز منه فنظر إلى رجال نزلوا من السّماء وكشفوهم عنه فزوج ابنته من عبد الله، قال: فمتن من نساء قُريش مائتا امرأة غيرة، ويقال: إنّ عبد الله كان في جبينه نور يتلألأ، فلما قرب من حمل مُحمّد لم يطق أحد رؤيته وما مر بحجر ولا شجر إلا سجد له وسلم عليه فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر وكان يوم الجمعة إلى آمنة وكانت السباع تهرب عن أبي طالب فاستقبله أسد في طريق الطائف وبصبص له وتمرغ قبله فقال أبو طالب بحق خالقك أن تبين لي حالك؟ فقال الأسد: إنّما أنت أبو أسد الله ناصر نبي الله ومربيه، فازداد أبو طالب في حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله والإيمان به والأصل في ذلك أن النّبيّ قال: خلقت أنا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام.

حمله وولادته صلّى الله عليه وآله
روي عن أمّه صلّى الله عليه وآله, أنها قالت: لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الانام، فلما حان وقت الولادة خف علي ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلا يقول: وضعت خير البشر فعوذيه بالواحد الصمد من شر كُلّ باغ وحاسد. " فولد رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنين ". فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السّماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السّماء والأرض، ورميت الشّياطين بالنجوم و حجبوا عن السّماء، ورأت قُريش الشهب والنجوم تسير في السّماء، ففزعوا لذلك، وقالوا: هذا قيام السّاعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخا كبيرا مجربا، فقال: انظروا إلى هذه النّجوم التى تهتدوا بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام السّاعة وإن كانت هذه ثابته فهو لأمر قد حدث. وأبصرت الشّياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنهم قد منعوا من السّماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإن أمراً قد حدث، فجالوا في الدّنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئا، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السّلام،‏ فقال: اخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصّرد قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبيّ قد ولد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت. قال: وكان بمكة يهودي يقال له: يوسف فلما رأى النّجوم يقذف بها وتتحرك قال: هذا نبيّ قد ولد في هذه الليلة وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد - وهو آخر الأنبياء - رجمت الشّياطين وحجبوا عن السّماء، فلما أصبح جاء إلى نادي قُريش فقال: يا معشر قُريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: لا. قال: أخطأتم والتّوراة ولد إذا بفلسطين وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كُلّ رجل منهم أهله بما قال اليهودي فقالوا: لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ قالوا: قبل ذلك، قال: فاعرضوه علي، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا: اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه، وكشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء بين كتفيه وعليها شعرات، فلما نظر إليه وقع على الأرض مغشيا عليه، فتعجب منه قُريش وضحكوا منه فقال: أتضحكون يا معشر قُريش، هذا نبي السيف ليبيرنكم وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الأبد، وتفرق النّاس ويتحدثون بخبر اليهودي ونشأ رسول الله صلّى الله عليه وآله في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر

مُرضعته صلّى الله عليه وآله
حليمة بنت أبي ذويب، وأبو ذويب: عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيسا بن عيلان. من قبيلة بني سعد بن بكر.من بادية الحديبية بالقرب من مكة زوجها هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية السعدي من بادية الحديبية. أبناؤها: كبشة، وأنسيه، والشيماء.
توفيت حليمة السّعدية رضي الله عنها بعد العام الثّامن من الهجرة بالمدينة المنورة، ودفنت بالبقيع.

فترة رضاعته صلّى الله عليه وآله
روي أنه لما ولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعآء بمكة، قالت: فخرجت معهن على أتان ومعي زوجي، ومعنا شارف لنا ما بيض بقطرة من لبن، ومعنا ولد ما نجد في ثديي ما نعلله به وما نام ليلتا جوعا "، فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها مُحمّد فكرهناه فقلنا: يتيم، وإنما يكرم الظئر الوالد، فكل صواحبي أخذن رضيعا ولم آخذ شيئا، فلما لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته فأتيت به الرحل فأمسيت وأقبل ثدياي باللبن حتى أرويته وأرويت ولدي أيضا، وقام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده، فإذا هي حافل، فحلبها وأرواني من لبنها، وروى الغلمان، فقال: يا حليمة لقد أصبنا نسمة مباركة، فبتنا بخير ورجعنا، فركبت أتانى ثمّ حملت مُحمّدا معي، فوالذي نفس حليمة بيده لقت طفت بالركب حتى أن النسوة يقلن: يا حليمة امسكي علينا، أهذه أتانك التي خرجت عليها؟ قلت: نعم، ما شأنها؟ قلن: حملت غلاما مُباركاً، ويزيدنا الله كُلّ يوم وليلة خيراً، والبلاد قحط، والرّعاة يسرحون، ثمّ يريحون، فتروح أغنام بني سعد جياعاً، وتروح غنمي شباعاً بطاناً حفلاء فتحلب وتشرب.
ونقل العلامة المجلسي قصة رضاعته صلّى الله عليه وآله، حيث قال: ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث من مضر زوجة الحارث ابن عبد العزى المضري أن البوادي أجدبت، وحملنا الجهد على دخول البلد، فدخلت مكة، ونساء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن، فسألت مرضعا " فدلوني على عبد المطلب، وذكر أن له مولودا " يحتاج إلى مرضع له، فأتيت إليه فقال: يا هذه عندي بني لي يتيم اسمه مُحمّد، فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور، فشرب من ثديي الايمن ساعة، ولم يرغب في الايسر أصلا "، واستعمل في رضاعه عدلاً "، فناصف فيه شريكه، واختار اليمين اليمين، وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله صلّى الله عليه وآله، فحملته على الاتان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا " قوة ونشاطا "، واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلاث مرات، وقالت: برئت من مرضي، وسلمت من غثي وعلي سيد المرسلين، وخاتم النّبيّين وخير الاولين والاخرين، فكان النّاس يتعجبون منها ومن سمني وبرئي ودر لبني، فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلالؤ نوره إلى عنان السّماء وسلم عليه، وقال: إن الله تعالى وكلني برعايته، وقابلنا ظبأ وقلن: يا حليمة لا تعرفين من تربين هو أطيب الطيبين، وأطهر الطاهرين، وما علونا تلعة ولا هبطنا واديا " إلا سلموا عليه، فعرفت البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا، ولم يحدث في ثيابه، ولم تبد عورته، ولم يحتج في يوم إلا مرة، وكان مسرورا " مختونا "، وكنت أرى شابا " على فراشه يعد له ثيابه، فربيته خمس سنين ويومين، فقال لي يوما ": أين يذهب إخواني كُلّ يوم؟ قلت: يرعون غنماً " فقال: إنني اليوم اوافقهم، فلما ذهب معهم أخذه ملائكة وعلوه على قلّة جبل، وقاموا بغسله وتنظيفه، فأتاني ابني وقال: ادركي مُحمّداً " فإنه قد سلب، فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السّماء فقبلته فقلت: ما أصابك؟ قال: لا تحزني إن الله معنا، وقص عليها قصته، فانتشر منه فوح مسك أذفر، وقال النّاس: غلبت عليه الشّياطين، وهو يقول: ما أصابني شيء، وما عليّ من بأس، فرآه كاهن وصاح وقال: هذا الذي يقهر الملوك، ويفرق العرب.
ونقل ابن سعد في طبقاته: إنّه لما قدمت حليمة قدم معها زوجها وابن لها صغير ترضعه يقال له عبدالله وأتان قمراء وشارف لهم عجفاء قد مات سقبها من العجف ليس في ضرع أمه قطرة لبن فقالوا نصيب ولدا نرضعه ومعها نسوة سعديات فقدمن فأقمن أياما فأخذن ولم تأخذ حليمة ويعرض عليها النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقالت يتيم لا أب له حتى إذا كان آخر ذلك أخذته وخرج صواحبها قبلها بيوم فقالت آمنة يا حليمة أعلمي أنك قد أخذت مولودا له شأن والله لحملته فما كنت أجد ما تجد النساء من الحمل ولقد أتيت فقيل لي إنك ستلدين غلاما فسميه أحمد وهو سيد العالمين ولوقع معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السّماء قال فخرجت حليمة إلى زوجها فأخبرته فسر بذلك وخرجوا على أتانهم منطلقة وعلى شارفهم قد درت باللبن فكانوا يحلبون منها غبوقا وصبوحا فطلعت على صواحبها فلما رأينها قلن من أخذت فأخبرتهن فقلن والله إنا لنرجو أن يكون مباركا قالت حليمة قد رأينا بركته كنت لا أروي ابني عبد الله ولا يدعنا ننام من الغرث فهو وأخوه يريوان ما احبا وينامان ولو كان معهما ثالث لروي ولقد أمرتني أمه أن أسأل عنه فرجعت به إلى بلادها فأقامت به حتى قامت سوق عكاظ فأنطلقت برسول الله صلّى الله عليه وآله حتى تأتي به إلى عراف من هذيل يريه النّاس صبيانهم فلما نظر إليه صاح يا معشر هذيل يا معشر العرب فاجتمع إليه النّاس من أهل الموسم فقال أقتلوا هذا الصبي وانسلت به حليمة فجعل النّاس يقولون أي صبي فيقول هذا الصبي ولا يرون شيئا قد انطلقت به أمه فيقال له ما هو قال رأيت غلاما وآلهته ليقتلن أهل دينكم وليكسرن آلهتكم وليظهرن أمره عليكم فطلب بعكاظ فلم يوجد ورجعت به حليمة إلى منزلها فكانت بعد لا تعرضه لعراف ولا لاحد من النّاس.
وقال الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمّان رفعه بإسناده قال: لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب زوجه عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري فلما تزوج بها حملت برسول الله صلّى الله عليه وآله فروي عنها أنها قالت: لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الانام، فلما حان وقت الولادة خف علي ذلك حتى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلا يقول: وضعت خير البشر فعوذيه بالواحد الصمد من شر كُلّ باغ وحاسد. " فولد رسول الله صلّى الله عليه وآله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنين ". فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السّماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السّماء والأرض، ورميت الشّياطين بالنجوم و حجبوا عن السّماء، ورأت قُريش الشهب والنجوم تسير في السّماء، ففزعوا لذلك، و قالوا: هذا قيام السّاعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخا كبيرا مجربا، فقال: انظروا إلى هذه النّجوم التى تهتدوا بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام السّاعة وإن كانت هذه ثابته فهو لامر قد حدث. وأبصرت الشّياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنهم قد منعوا من السّماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإن أمرا قد حدث، فجالوا في الدّنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئا، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفا بالملائكة، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السّلام‏ فقال: اخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصرد قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبي قد ولد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت. قال: وكان بمكة يهودي يقال له: يوسف فلما رأى النّجوم يقذف بها وتتحرك قال: هذا نبي قد ولد في هذه الليلة وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد - وهو آخر الأنبياء - رجمت الشّياطين وحجبوا عن السّماء، فلما أصبح جاء إلى نادي قُريش فقال: يا معشر قُريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قالوا: لا قال: أخطأتم والتوراة ولد إذا بفلسطين وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كُلّ رجل منهم أهله بما قال اليهودي فقالوا: لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ قالوا: قبل ذلك، قال: فاعرضوه علي، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا: اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه، وكشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء بين كتفيه وعليها شعرات، فلما نظر إليه وقع على الأرض مغشيا عليه، فتعجب منه قُريش وضحكوا منه فقال: أتضحكون يا معشر قُريش، هذا نبي السيف ليبيرنكم وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الابد، وتفرق النّاس ويتحدثون بخبر اليهودي ونشأ رسول الله صلّى الله عليه وآله في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر.

أسماؤه صلّى الله عليه وآله
من أسمائه صلّى الله عليه وآله: أحمد، محمود، الماحي، الحاشر، العاقب, المقفي، نبي التّوبة, نبي الملحمة, نبيّ الرّحمة، الخاتم، ويس، وطه, الأمي، وغيرها من الأسماء المباركة.

كُناه صلّى الله عليه وآله
أبو القاسم، أبو إبراهيم.

ألقابه صلّى الله عليه وآله
من ألقابه. المُصطفى، خاتم النّبيّين، الأمِّي، المُزَّمِّل، المُدَّثِر، النّذير، المُبين، الكريم، النّور، النّعمة، الرّحمة، العبد، الرّؤوف، الرّحيم، الشاهد، المُبشر، النّذير، الدّاعي، وغيرها من الألقاب الكريمة.

تاريخ ومحل ولادته صلّى الله عليه وآله
وُلد صلّى الله عليه وآله في 17 ربيع الأوّل، من عام الفيل 571 م على المشهور بين أصحابنا في مكة المكرمة. حملت به أمّه في أيام التّشريق عند الجمرة الوسطى وكانت في منزل عبد الله بن عبد المطلب وولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله لاثنتي عشر ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال، وروي أيضاً عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة. وكانت ولادته يوم الجمعة.

مبعثه صلّى الله عليه وآله
وبعث يوم السّابع والعشرين من رجب وله اربعون سنة, حيث كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله في أواخر العقد الثالث من عمره الشّريف يلقى إليه الوحي عن طريق الإلهام والإلقاء في نفسه، والانكشاف له من خلال الرؤية الصادقة، فكان يرى في المنام الرؤية الصادقة، وهي درجة من درجات الوحي.
وجاء في تفسير الدر المنثور: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وآله من الوحي الرؤية الصادقة، فكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فلق الصبح.
ثمّ حبَّبَ الله إليه الخلاء، فكان يخلو بِغار حراء، وهو كهف صغير في أعلى جبل حراء، في الشمال الشرقي من مَكَّة، فكان صلّى الله عليه وآله يتحنَّث فيه ويتعبَّد، إذ ينقطع عن عالم الحِسِّ والمادَّة، ويستغرق في التأمّل والتعالي نحو عالم الغيب والملكوت، والاتجاه إلى الله تعالى.
وحينما بلغ صلّى الله عليه وآله الأربعين من عمره، عام 13 قبل الهجرة 610 م، أتاه جبرائيل في غار حراء، فألقى إليه كلمة الوحي، وأبلغه بأنَّه نبي هذه البشرية، والمبعوث إليها.
وتفيد الروايات أنّ أوَّل آيات القُرآن الكريم التي قرأها جبرائيل على مُحمّد صلّى الله عليه وآله هي: بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ * اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
وبعد تلقِّيه صلّى الله عليه وآله ذلك البيان الإلهي، عاد النّبيّ إلى أهله، وهو يحمل كلمة الوحي، ومسؤولية حمل الأمانة التي كان ينتظر شرف التكليف بها، فعاد واضطجع في فراشه، وتدثَّر ليمنح نفسه قِسطاً من الراحة والاسترخاء، ويفكِّر ويتأمل فيما كُلِّف به.
فجاءه الوحي ثانية، وأمره بالقيامِ وتَركِ الفراش، والبدء بالدعوة والإنذار، إذ جاء هذا الخطاب في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ .
فانطلق مستجيباً لأمر الله تعالى، مبشِّراً بدعوته، وكان أول من دعاه إلى سبيل الله وفاتَحَه زوجته خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها وابن عمِّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام‏، الذي كان صبيّاً في العاشرة من عمره، فآمَنَا به، وصدَّقاه، ثمّ آمن به مَملوكه زيد بن حارثة، فكانت النوات الأُولى لبدء الدعوة الإلهية الكبرى.
فقد كان صلّى الله عليه وآله يختار أصحابه فرداً فرداً، ولم يوجِّه دعوته إلى الجميع في تلك المرحلة، إلى أن جاء الأمر الإلهي: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ .

تعاليمه صلّى الله عليه وآله
جاء صلّى الله عليه وآله بالمساواة بين جميع الخلق، وبالأخوَّة، والعفو العام عمَّن دخل في الإسلام، ثمّ سنَّ شريعةً باهرةً، وقانوناً عادلاً، تلقَّاه عن الله عزَّ وجل ثمّ تَلقَّاه المسلمون منه.

مُعجزاته صلّى الله عليه وآله
معجزته الخالدة هي القُرآن الكريم، أما المعجزات التي حصلت في صدر الإسلام فهي كثيرة لا يمكن حصرها منها.

القُرآن الكريم
لأن القُرآن معجز بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى, حيث تحدى الإنس والجن في أكثر من مناسبة على أن يأتوا بمثله, بل بسورة واحدة أو أقل فعجزوا عن ذلك رغم اشتهارهم بالبلاغة والفصاحة, حيث قال تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا القُرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ و قال تعالى: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاس وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ و لم يستطع الكافرون فعل أي شيء من ذلك ولن يستطيعوا.

انشقاق القمر
قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السّاعة وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ .
جاء في تفسير مجمع البيان ما مضمونه: اجتمع المشركون، وجاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقالوا: إن كنت صادقاً، فَشُقَّ لنا القمرَ فرقتين.
فقال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وآله: إنْ فعلتُ تؤمِنون بِنبُوَّتي.
قالوا: نعم.
فسأل رسول الله صلّى الله عليه وآله ربَّه، أن يعطيه ما قالوا، فانشقَّ القمر نصفين، والرّسول‏ ينادي: يا فلان، يا فلان، اِشهدوا.
فقال ناس: سَحَرنا مُحمّد، فقال رجل: إن كان سَحَركم فلَمْ يَسْحَر النّاس كلهم.
إنّ هذه الحادثة رواها كثير من الصحابة، في كتب العامة والخاصة، ولم ينكرها إلا قليل، واشتهارها بين الصحابة يمنع القول بخلافها.
ثمّ إنّ الآية الأولى ذكرت اقتراب السّاعة مع انشاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة مُحمّد صلّى الله عليه وآله، ونبوَّتُه وزمانُه من شروط اقتراب السّاعة.
كما تتحدث الآية الثانية عن عناد قُريش، وعدم انقيادها للمعجزات، وأنهم متى رأوا معجزة باهرة، وحجة واضحة، اعرضوا عن تأمُّلها، والانقياد لصحَّتها، وقالوا: سِحْرٌ مستمر، يشبه بعضه بعضاً.
ثمّ تتناول الآيات الشريفة اللاحقة أنباء الهالكين من الأُمَم السابقة، ثمّ يعيد سبحانه عليهم نبذة من أنبائهم، إعادة ساخطٍ معاتبٍ، فيذكر سوء حالهم في يوم القيامة عند خروجهم من الأجداث، وحضورهم للحساب.

نزول المطر بدعائه
لقد أمحلت البلاد و أصابها قحط شديد فدخل رجل المسجد ورسول الله صلّى الله عليه وآله قائم على المنبر يخطب فاستقبل الرجل النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله هلكت الأموال و انقطعت السبل فادع الله لنا يغيثنا، فرفع الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله يديه فقال: اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا قال أنس: والله ما في السّماء من سحاب ولا قرعة و لا شيء وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما الترس فلما توسطت السّماء انتشرت ثمّ أمطرت والله ما رأينا الشمس ستا ثمّ دخل الرجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلّى الله عليه وآله قائم يخطب فاستقبله الرجل وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ادع الله يمسكها فرفع رسول الله صلّى الله عليه وآله يديه فقال: اللهم حوالبنا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال ومنابت الشجر قال أنس: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس.

نبوع الماء بين أصابعه
ومن مُعجزاته صلّى الله عليه وآله نبوع الماء من بين أصابعه الشريفة فقد قال أنس بن مالك رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وحانت صلاة العصر والتمس النّاس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلّى الله عليه وآله بوضوء فوضع رسول الله صلّى الله عليه وآله يده في ذلك الإناء وأمر النّاس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ النّاس حتى توضأوا من عند آخرهم قال قتاده قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: زهاء ثلاثمّئة رجل.

فيضان ماء بئر الحديبية
عندما كان صلّى الله عليه وآله بالحديبية هو وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان في الحديبية بئر ماء فنزحها أصحابه بالسقي منها حتى لم يبق فيها ما يملأ كأس ماء وكانوا ألفاً وأربعمئة رجل، وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلّى الله عليه وآله فجاء فجلس على حافة البئر فدعا بماء فجيء به إليه فتمضمض منه، ومجّ ما تمضمض به في البئر فما هي إلا لحظات، وإذا البئر فيها الماء فأخذوا يسقون فسقوا وملأوا أوانيهم وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمئة رجل وهم أهل بيعة الرضوان.

الطّعام القليل يشبع العدد الكثير
نقل عن أبي طلحة أنّه قال لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلّى الله عليه وآله ضعيفاً أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم فأخرجت أقراصاً من شعير ثمّ أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثمّ دسته تحت يدي ولاثتني ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وآله في المسجد و معه النّاس فقمت عليهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أرسلك أبو طلحة.؟ فقلت: نعم قال: طعام؟ قلت: نعم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لمن معه: قوموا. فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلّى الله عليه وآله فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأبو طلحة معه فقال رسول صلّى الله عليه وآله: هلم يا أم سليم ما عندك. فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وآله ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثمّ خرجوا ثمّ قال: ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمّانون رجلاً.

أداء دين جابر الذي استغرق كُلّ ماله
عن جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه قال: إن أبي توفى و عليه دين فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقلت: إن أبي ترك دينا وليس عندي الا ما يخرج نخلة ولا يبلغ ما يخرج سنين ماعليه فانطلق معي لكي لا يفحش علي الغرماء فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا ثمّ آخر ثمّ جلس عليه قال: انزعوه فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم.

انقياد الشجر له
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: سرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وآله حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلّى الله عليه وآله يقضي حاجته فأتبعته بإداوة فيها ماء، فنظر فلم ير شيئا يستتر به و إذ شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق إلى أحدهما فأخذ ببعض من أغصانها وقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لايم بينهما أي جمعهما، وقال: التئما علي بإذن الله. فالتأمتا قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي منه فيبعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني إلتفاتة فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وآله مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا وقامت كُلّ واحدة منهما على ساق.

حنين الجذع شوقاً إليه
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخطب إلى جذع نخلة فقالت امرأة من الأنصاروكان لها غلام نجار: يا رسول الله إن لي غلاماً نجارًا أفآمره أن يتخذ لك منبرًا تخطب عليه؟ قال: بلى، فاتخذ له منبرًا فلما كان يوم الجمعة خطب صلّى الله عليه وآله على المنبر فأنّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئنّ الصبي، فقال صلّى الله عليه وآله: " إن هذا بكى لما فقد من الذكر.

هجرته صلّى الله عليه وآله
هاجر صلّى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة المنورة في بداية شهر ربيع الأوّل بعد مرور 13 عاماً من مبعثه، وذلك لشدة أذى المشركين له ولأصحاب.
بقي بمكة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة، ثمّ هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين.

مباهلته صلّى الله عليه وآله
كَتب رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى أهل نَجْران يدعوهم إلى الإسلام: أما بعد، فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبَيْتُم فقد أذنتم بحربٍ، والسّلام‏ .
فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به، وذُعِر ذُعراً شديداً، فبعثَ إلى رجل من أهل نجران يقال له: شَرْحَبيل بن وداعة، فدفع إليه كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأيك؟
فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله تعالى إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوَّة، فما يؤمن أن يكون هذا الرجل نبياً، وليس لي في النبوَّة رأي، لو كان أمراً من أمور الدّنيا أشرف عليك فيه وجهدت لك.
فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلَّمهم، فأجابوا مثل ما أجاب شرحبيل، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل، وعبد الله ابنه، وحبار بن قنص، فيأتوهم بخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله فسألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى ابن مريم؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنَّهُ عَبدُ الله .
ومثل هذا الجواب يختلفُ عند المغالين بعيسى، فَهُم يزعمُونه ابن الله، وهو من جوهرة الألوهية، وذلك لخلقه دون أب، فيكون ابناً لله.
فنزلت آية المباهلة الكريمة، قال تعالى: فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ .
حاملة إجابة وافية، قاطعة لأعذار مُؤلِّهِي المسيح ومُتبنِّيه، وهي بنفس الوقت من غُرَر الآيات بشأن الكرام من آل الكساء عليهم السّلام‏.
حيث تعبِّر عن الإمام علي عليه السّلام‏ بـ أَنفُسَنَا، وعن فاطمة عليها السّلام‏ بـ نِسَاءنَا، وعن الإمامين الحسن والحسين عليهما السّلام‏ بـ أَبْنَاءنَا .
مما يدلُّ على أخَصِّ الاختصاصات لهؤلاء بالرسالة القدسية المُحمّدية، وهي بنفس الوقت دعوة صارخة لِمُباهلة الكاذبين المصرِّين على كذبهم، فيما يخص عيسى عليه السّلام‏.
فدعاهم صلّى الله عليه وآله إلى اجتماع حاشد، من أعزِّ الملاصقين من الجانبين، لِيبتَهِل الجميع إلى الله تعالى، في دعاءٍ قاطع، أن ينزل لَعنَتَه على الكاذبين.
فخرج صلّى الله عليه وآله وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الإمام الحسين عليه السّلام‏، وأخذ بيد الإمام الحسن عليه السّلام‏، وفاطمة عليها السّلام‏ تمشي خلفه، والإمام علي عليه السّلام‏ خلفها، وهو صلّى الله عليه وآله يقول: إذا دَعوتُ فأمِّنوا .
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى !! إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أنْ لا نُبَاهلك، وأن نقرّك على دينك.
فقال صلّى الله عليه وآله: فإِذَا أبَيْتُم المباهلة فأسلِموا، يَكُن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين .
فأبَوا، فقال صلّى الله عليه وآله: فإنِّي أناجِزُكم القتال .
فقالوا: ما لنا بحرب العَرَب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تردَّنا عن ديننا، على أن نؤدِّي إليك في كُلّ عام ألفي حُلَّة، ألف في صَفَر، وألف في رَجَب، وثلاثين دِرعاً عادية من حديد.
فصالحهم صلّى الله عليه وآله على ذلك وقال: والذي نَفسِي بِيَده، إن الهَلاك قد تَدَلَّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لَمُسِخوا قِرَدة وخنازير، ولاضطَرَم عليهم الوادي ناراً، ولاستأْصَلَ الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حَال الحول على النصارى كلُّهم حتى يهلكوا.
وقوله: ألفٌ في صَفَر، المراد به شهر محرَّم، وهو أول السنة عند العرب، وقد كان يسمى صَفَراً في الجاهلية، فيقال صفر الأوّل، وصفر الثاني، وقد كانت العرب تنسئ في صفر الأوّل، ثمّ أقرَّ الإسلام الحرمة في صفر الأوّل، فَسُمِّي لذلك بشهر الله المحرَّم، ثمّ اشتهر بالمُحرَّم.

حصار قُريش ومناصرة أبي طالب له صلّى الله عليه وآله
بعد أن فشلت جميع وسائل الإرهاب، والحرب النفسية والدعائية ضد النّبيّ صلّى الله عليه وآله ومن آمن معه، امتنع زعماء قُريش، وقرَّروا أن يقاطعوا أبا طالب، وبني هاشم، ومُحمّداً، وأصحابه، مقاطعة اقتصادية واجتماعية، وكتبوا عهداً بذلك وعلّقوه في جوف الكعبة.
وكان ذلك في اليوم الأوّل من شهر محرم الحرام، في السنة السابعة للبعثة النبوية.
ومما جاء في تلك الصحيفة الظالمة: ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناكحوهم، ولا يعاملوهم، حتى يدفعوا إليهم مُحمّداً فيقتلوه.
وتعاهدوا على ذلك، وختموا الصحيفة بثمّانين ختماً، ثمّ حصرت قُريش رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته من بني هاشم، وبني عبد المطلب في شعب أبي طالب، ويقال له: شعب بني هاشم.
استمرَّ الحصار وطال حتى أنفق أبو طالب والنّبيّ صلّى الله عليه وآله مالهما، كما أنفقت خديجة أموالها الطائلة في هذه المحاصرة الظالمة.
وأشتدَّ خلالها الخطب على المسلمين، وراحوا يعانون من الجوع والأذى، ويأكلون نباتات الأرض، ولم يكن يصلهم من الطّعام شيء، إلا ما كان يتسرب سراً من بعض المتعاطفين معهم، واستمرت الأوضاع على هذه الشاكلة ثلاث سنوات تقريباً.
وحين اشتدَّ العسر والأذى، وصبر المسلمون، جاء الفرج، وتدخل النصر الإلهي، فأرسل الله حشرة الأرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتها، ما عدا ما كان فيها من اسم الله سبحانه، فعندها هبط جبرائيل عليه السّلام‏ وأخبر مُحمّداً صلّى الله عليه وآله بذلك.
أخبر النّبيّ أبا طالب بهذا النبأ العظيم، وأطلعه على ما حدث للصحيفة الظالمة، فتوجها مع باقي بني هاشم نحو البيت الحرام، ليُحدثوا طواغيت قُريش بما أخبر به رب العزة، وليؤكدوا لهم دليلاً أخراً على صدق نبوَّة مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
فجلس أبو طالب بفناء الكعبة، وأقبلت عليه قُريش فقالوا له: آنَ لك يا أبا طالب أن تذكر العهد، وأن تشتاق إلى قومك، وتدع اللُّجاج في ابن أخيك.
فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم، فلعلَّنا أن نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترك القطيعة، فأحضروها.
فخاطبهم أبو طالب: هذه صحيفتكم.
قالوا: نعم.
قال: فهل أحدثتم فيها حدثاً.
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
فقال لهم: إنَّ مُحمّداً أعلمني عن رَبِّه، أنه بعث الأرضة، فأكلت كُلّ ما فيها إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقاً ماذا تصنعون؟
قالوا: نكف ونمسك.
فقال: فإن كان كاذباً دفعته إليكم.
قالوا: قد أنصفْتَ وأجملْتَ.
وبدأت اللحظات الحاسمة.
فإذا بالأرضة قد أكلت كُلّ ما في الصحيفة، إلا مواضع اسم الله عزَّ وجلَّ، فَبُهِت الطغاة، وأخذَتْهم العزة بالإثمّ، وقالوا: ما هذا إلا سحر.
لم يستطع كفار مكة مصادرة هذا الحدث العظيم بهذا الرد التافه، بل راح النّاس يتفاعلون معه، فأسلم كثيرون، وصدَّقوا هذه المعجزة.
وعلى أثر ذلك فُكَّ الحصار، وخَرج النّبيّ مُحمّد صلّى الله عليه وآله ومن معه من الشعب أعِزَّةً مُنتصِرين.

صُلح الحُديبية
قرَّر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يسير بأصحابه من المدينة المنورة إلى مكة، ليزور بيت الله الحرام، بعد أن رأى في منامه أنه يدخله هو وأصحابه آمِنين من غير قتال.
كما روت ذلك الآية الشريفة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا .
فتوجَّه الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله نحو مكة، ومعه ما يقرب من ألف وأربعمِائة من المهاجرين والأنصار، وذلك في الأوّل من ذي القعدة، من السنة السادسة للهجرة، وقد ساقوا معهم سبعين بَدَنة هديّاً، لتُنْحَر في مكة.
فلما تناهَى الخبر إلى قُريش فزعت، وظنت أنَّ مُحمّداً صلّى الله عليه وآله يريد الهجوم عليها، فراحت تتدارس الموقف، وتعدُّ نفسها لِصدِّه عن البيت الحرام.
ولما بلغ الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله أخبار إعداد قُريش، والتهيّؤ لقتاله، غيَّر مسيره، وسلك صلّى الله عليه وآله طريقاً غير الطريق الذي سلكته قُوَّات قُريش المتوجهة لقتاله.
ثمّ استقرَّ في وادي الحُدَيْبيَّة، وأرسل إليهم أحد أفراد قبيلة خزاعة، ليُبلِّغهم بالأهداف التي جاء من أجلها، أي أنه جاء ليزور البيت، تقرُّباً إلى الله عزَّ وجلَّ لتبليغ دعوته، فإنْ هم رفضوا فسيقاتلهم حتى النصر.
فاستجابت قُريش لنداء الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله لما رأتْ قوَّته وإصراره على ما يريد، وأدركت ما بها من ضعف وعجز عن المقاومة.
وبدأ الحِوار، وثُبِّتَت مبادئ الصلح، ودعا الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله الإمام علي عليه السّلام‏ لكتابة بنود الاتفاقية التي جاء فيها ما يأتي:
1 - إيقاف الحرب بين الطرفين لِمُدَّة عشر سنين.
2 - مَن أحبَّ أن يدخل في عهد مُحمّد صلّى الله عليه وآله فعل، ومَن أحبَّ الدخول في عهد قُريش فعل.
3 - أن يكون الإسلام ظاهراً بمكة، لا يُكرَه أحدٌ على دينه، ولا يؤذى، ولا يُعيَّر.
4 - أن يرجع الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله هذا العام، ثمّ يعود إلى مكة في العام القادم، بدون سلاح.
فتأثّر بعض المسلمين من الاتفاقية السالفة الذكر، وأحَسُّوا بِخَيْبة الأمل، وأخذوا يُظهرون جزعهم وتساؤلهم.
لكن النتائج جاءت على خلاف تصوُّراتهم وأوهامهم، فقد بدأت نتائج الصُلح وآثاره الإيجابيَّة تظهر، وتتفاعل لتمهِّد إلى تحول كبير.
وبدأ المسلمون يدركون قِيمة هَذِه الاتِّفاقية التي شَلَّت نشاط قُريش المعادي، وفسحت المجال أمام الدعوة الإسلامية، لِشَقِّ طريقها بين صفوف القبائل العربية.
فأقبل النّاس على الدخول في الإسلام، وأمِن المستخِفُّون بإسلامهم، فأعلنوا دينهم، ومكَّن الله نبيَّه من دخول مكة وأداء مراسم العمرة في العام القادم.
وأخيراً، فلقد وصف القُرآن الكريم هذا الصُلح بـ الفتح في بعض آياته، لأنه كان حقاً الممهِّد للنصر الكبير، وهو فتح مكة في سنة 8 هـ .

أبرز معاركه صلّى الله عليه وآله
معركة بدر الكبرى
بعدَ أنِ استقرَّ الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله في المدينة، بدأ يخطِّط عسكرياً لضَرْبِ رأس المال الذي كانت قُريش تعتمد عليه اعتماداً مباشراً في تجارتها.
ولتحقيق هذا الهدف خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه ثلاثمّائة وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه، للسيطرة على القافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان، فعلم أبو سفيان بخُطَّة المسلمين، فغيَّر طريقه، وأرسلَ إلى مكة يطلب النجدة من قُريش.
فأقبَلَتْ بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل، وقَرَّروا الهجوم على جيش النّبيّ صلّى الله عليه وآله وأصحابه، بالقرب من بئرِ ماءٍ يُدعَى ماء بدر، ويبعد 160 كيلو متراً عن المدينة المنورة.
وقد تجلَّت العناية الإلهية بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وأصحابه منذ ليلة المعركة، إذ بعث الله المطر الغزير، والمسلمون يغشاهم النعاس.
فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وآله عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود سِرّاً، لاستطلاع أحوال جيش العدو، فَطَافا في معسكرهم، ثمّ رَجعا، فأخبَرا بأنَّهم مذعورون فزعون.
وهو قوله تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السّماء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ .
فدفع الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله الراية إلى الإمام علي عليه السّلام‏، ولواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر، ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ، وقال صلّى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ إنْ تُهلِكَ هَذه العصَابَة لا تُعبَد في الأرض . فبرز الإمام علي عليه السّلام‏ إلى الوليد بن شيبة، فضربه على يمينه فقطعها، فأخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامة علي، ويقول الإمام عليه السّلام‏: ظنَنتُ أنَّ السّماء وقعت على الأرض، ثمّ ضربه الإمام عليه السّلام‏ ضربة أخرى فقتله.
وبرز له حنظلة بن أبي سفيان فضربه الإمام عليه السّلام‏، فسالت عيناه، ولزم الأرض.
وأقبل العاص بن سعيد، فلقيَه علي الإمام عليه السّلام‏ فقتله، وسأل رسول الله صلّى الله عليه وآله: مَن له عِلْم بِنَوفل بن خُوَيْلِد .
فأجاب الإمام علي عليه السّلام‏: أنَا قَتلتُه .
فكبَّر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: الحَمدُ للهِ الذي أجَابَ دَعوَتي فِيه.
ورُوِي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله أخذ كفّاً من الرمل، فرمى به الأعداء، وقال صلّى الله عليه وآله: شَاهَت الوُجوه، اللَّهُمَّ أَرعِبْ قلوبهم، وزَلْزِل أقدامهم .
فانهزم المشركون، والمسلمون يتبعونهم يقتِّلون ويأسِّرون.
ووقعت أحداث هذه المعركة في السّابع عشر من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة.
وهكذا حقَّقَ الله عزَّ وجلَّ النصر للمسلمين، واندحرت قُريش، وتشتَّتَ جَيشُها، وفقدت هيبتها وسُمعتها، كما تحققت للمسلمين في هذه المعركة مكاسب مالية، وعسكرية، وعقائدية، وإعلامية، ساهمت في خِدمة الإسلام، وتثبيت أركانه، وأوجدت منعطفاً كبيراً في مجمل الأحداث في الجزيرة العربية.

معركة أحد
في الخامس عشر من شهر شوال سنة 3 هـ وقعت غزوة أحد، وأحُد: جبلٌ يبعد عن المدينة المنوَّرة ميلين أو ثلاثة.
ولمَّا كانت نتائج معركة بَدْرٍ قاسية على مشركي مكة، فقريش لا يقرّ لها قرار حتى تثأر لكرامتها، ولمن قُتِل من أشرافها، فمضت تستعدُّ لقتال المسلمين، وتجهِّز لأخذ الثأر، ومحو العار.
فخرجت قُريش بثلاثة آلاف رجل، يقودهم أبو سفيان نحو المدينة، فتعبَّأ رسول الله صلّى الله عليه وآله مع أصحابه، وسَوَّى الصفوف، وأعطى الراية بيد أمير المؤمنين عليه السّلام‏.
ثمّ وضع مجموعة من الرماة خلف الجيش، وأوصاهم بالثبات وعدم ترك أماكنهم، وأكَّد على ذلك، حتّى روي أنّه صلّى الله عليه وآله أوصاهم بأنْ يلزموا مراكزهم ولا يتركوها، حتى في حالة النصر أو الهزيمة.
فنشبَتْ الحرب بين الجانبين، فَصَاحَ طَلْحَة بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين: مَنْ يُبارز؟
فبرز إليه الإمام علي عليه السّلام‏، فبدره بضربة على رأسه فقتله، ثمّ تقدَّم بلواء المشركين أخوه والنساء خلفه، يحرِّضن ويضرِبْن بالدفوف، فتقدَّم نحوه حمزة عم النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وضربه ضربة واحدة وصلت إلى رئته، فمات.
وفي إرشاد المفيد: كان أصحاب اللواء يوم أُحُد تسعة، قتلهم الإمام علي عليه السّلام‏ عن آخرهم.
وفي تاريخ الطبري: لما قُتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين، وانتقضت صفوفهم، ونساؤهم يَدعين بالوَيل بعد الفرح وضرب الدفوف.
وقال الواقدي: لما انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا، حتى أخرجوهم من المعسكر، وانشغلوا بجمع الغنائم.
فلما رآهم الرماة الذين أوصاهم الرّسول‏ بعدم ترك أماكنهم قال بعضهم لبعضٍ: لمَ تقيمون هنا في غير شيء، لقد هزم الله العدو، وهؤلاء إخوانكم مشغولون بجمع الغنائم، فاذهبوا واغنموا معهم.
فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لكم: احمُوا ظُهُورَنا، وإنْ غَنِمْنا فلا تشرِكُونا .
فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا.
وأخيراً ذهبوا إلى معسكر المشركين يجمعون الغنائم، وتركوا أماكنهم من الجبل، ولما نظر خالد بن الوليد إلى خلاء أماكنهم كرَّ بالخيل إلى موضع الرماة، وحملوا عليهم، فرماهم القوم حتى أصيبوا.
وعندما وجد المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم، وكرُّوا على المسلمين من أمامهم، وهم مشغولون بجمع الغنائم، فأصبح المسلمون وسط الحلقة، وانتقضت سيوفهم، وأخذ يضرب بعضهم بعضاً من العجلة والدهشة !!
فتفرَّق أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وآله عنه، وأخذ المشركون يحملون عليه يريدون قتله، ويقول ابن الأثير في ذلك: قاتل رسول الله صلّى الله عليه وآله يومَ أحُد قِتالاً شديداً، فرَمَى بالنبل حتى انتهى، وانكسر قوسه، وانقطع وتره.
وفي رواية الشيخ المفيد: كُسِر أنفُه ورباعيته السُفلى، وسال الدم على وجهه الكريم
شهادة حمزة عليه السّلام‏
قالت هند بنت عتبة - زوجة أبي سفيان لِـوَحْشي: إن أنت تَمكَّنْتَ من قتل مُحمّد، أو علي، أو حمزة بن عبد المطلب، سأعطيك جائزة، فأوعدها بقتل حمزة.
ويقول وحشي: واللهِ إني لأنظر إلى حمزة يَهدُّ النّاس بسيفه، ما يلقي أحداً يمرُّ به إلا قتله، فهززت حربتي فرميتُه، فوقعت في أربيته [ أصل الفخذ ]، حتى خرجت من بين رجليه، فوقع، فأمهلته حتى مات، وأخذت حربتي وانهزمت من المعسكر.
وروي أن هند وقعت على القتلى، ولما وصلت إلى حمزة بقرتْ كبده، فلاكته، فلم تستطع أن تَسيغه، فلفِظَتْه، ثمّ قطعت أنفه وأذنيه، وجعلت ذلك كالسوار في يديها، وقلائِد في عنقها.
وبعد انصراف جيش المشركين بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله الإمام علياً عليه السّلام‏ وقال له: أُخرُجْ في آثَار القَوم، فإن كَانُوا قد اجتنبوا الخَيل، وامتطوا الإبل فإنَّهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وسَاقوا الإبل، فهم يُريدون المَدينة، فوَ الله لَئِن أرادوها لأسِيرَنَّ إليهم فيها، ثمّ لأُنَاجِزَنَّهم .
فقال الإمام علي عليه السّلام‏: فخرَجْتُ في آثارهم، فرأيتهم امتطوا الإبل واجتنبوا الخيل.
وروي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد انتهاء المعركة، أخذ عمه حمزَة بن عبد المطلب، ووضعه إلى القبلة، ووقف على جنازته، وانتحب حتى نشق، أي: شهق، حتى بلغ به الغشي.
وكان صلّى الله عليه وآله يقول: يَا عَمّ رسول الله، وأسد الله، يا حمزة، يا فاعِلَ الخيرات، يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله .
وبعد أن عاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه إلى المدينة، استقبَلَتْه فاطمة عليها السّلام‏، ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه، ولحقه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام‏، وقد خضَّب الدم يده إلى كتفه، ومعه سيفه ذو الفقار، فناوله فاطمة وقال عليه السّلام‏لها: خُذي هَذا السَّيف، فقد صدَّقني .
وقال لَهَا الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله: خُذيهِ يا فَاطِمة، فقَدْ أدَّى بَعلُك ما عليه، وقد قتل اللهُ بِسيفِه صَنادِيد قُريش .

معركة الخندق
لما نقضت بنو قريظة صلحها مع الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله، وانضمَّت إلى صفوف المشركين، تغيَّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام.
فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل، ممَّا أدَّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين، وتزَلْزَلَتْ نفوسهم، وظَنّوا بالله الظنونا.
فبدأ العدو هجومه على المسلمين بعبور الخندق - الذي حفره الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله وأصحابه حول المدينة - بقيادة أحد أبطال الشرك والكفر، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري، فازداد الخطر على المسلمين، لأن العدو بدأ بتهديدهم من داخل حصونهم.
فراح ابن عبد ودٍّ يصول ويجول، ويتوعَّد ويتفاخر ببطولته، وينادي: هل من مبارز؟
فقام الإمام علي عليه السّلام‏ وقال: أنَا لَهُ يا رَسولَ الله .
فأذن صلّى الله عليه وآله له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه دِرعه، وعمَّمه بعمامَتِه.
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ هذا أخي، وابن عمي، فلا تَذَرْني فرداً، وأنت خير الوارثين .
ومضى الإمام علي عليه السّلام‏ إلى الميدان، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله: يا عمرو، إنَّك كنت عاهدْتَ الله أن لا يدعوك رجل من قُريش إلى إحدى خلتين إلا قبلتها .
قال عمرو: أجل.
فقال الإمام علي عليه السّلام‏: فإنّي أدعوك إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الإسلام .
فقال: لا حاجة لي بذلك.
فقال الإمام علي عليه السّلام‏: فإنِّي أدعوكَ إلى البراز .
فقال عمرو: إنِّي أكره أن أُهريقَ دمك، وإنَّ أباكَ كان صديقاً لي.
فردَّ عليه الإمام علي عليه السّلام‏ قائلاً: لكنِّي والله أحِبّ أنْ أقتلَكَ .
فغضب عمرو، وبدأ الهجوم على الإمام علي عليه السّلام‏، فصدَّه برباطة جأش، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين، وكان ذلك في الثالث من شوال، في سنة 5 هـ .
ولمَّا عاد الإمام عليه السّلام‏ ظافراً، استقبله رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول: لَمُبَارَزَة عَليّ بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أمَّتي إلى يوم القيامة .
فلولا الموقف البطولي للإمام عليه السّلام‏، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل، وهكذا كانت بطولة الإمام علي عليه السّلام‏ في غزوة الخندق الأحزاب، من أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال.

فتح خيبر
لم يكن بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وبين يهود خيبرٍ عهدٌ، بخلاف بني قنيقناع والنضير وقريضة، فقد كان بينه الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله وبينهم عهد، ومعنى ذلك أن النّبيّ صلّى الله عليه وآله توجَّه إليهم ليدعوهم إلى الإسلام، أو قبول الجزية، أو الحرب، فلمَّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم.
وكان يهود خَيْبَر مضاهرين، ليهود غطفان على رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان هذا سبب خروج النّبيّ صلّى الله عليه وآله إليهم.
فقد ذكر ابن الأثير وغيره، أن يهود خَيْبَر كانوا مضاهرين ليهود غطفان على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإنَّ غطفان قصدت خَيْبَر ليضاهروا اليهود فيها، ثمّ خافوا المسلمين على أهليهم وأموالهم فرجعوا.
وكان المسلمون في هذه الغزوة ألفاً وأربعمائة ومعهم مِائتي فرس، فلما نزلوا بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة، حتى طلعت الشمس، وأصبح اليهود، وفتحوا حصونهم، وغدوا إلى أعمالهم.
فلما نظروا إلى رسول الله قالوا: مُحمّد والخميس ـ أي: الجيش ـ وولّوا هاربين إلى حصونهم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباح المنذرين .
فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وكان أول حصونهم قد افتتح هو حصن ناعم، ثمّ القموص، ثمّ حصن الصعب بن معاذ، ثمّ الوطيح والسلالم، وكان آخر الحصون فتحاً حِصْن خَيْبَر.
وفي خيبر بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله أبا بكر برايته، وكانت بيضاء، وعقد له، فرجع ولم يَكُ فتح وقد جهد.
ثمّ بعث في الغد عمر بن الخطاب برايته، وعقد له أيضاً، ومعه النّاس، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبِّنُونَه ويجبِّنُهم كسابقه.
وخرجت كتائب اليهود يتقدمهم ياسر أو ناشر ـ أخ مرحب ـ فكشفت الأنصار حتى انتهوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاشتدَّ ذلك على رسول الله، وقال صلّى الله عليه وآله: لأبعَثَنَّ غداً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبَّانه، لا يولي الدبر، يفتحُ الله على يَدَيه.
فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً، ورجا كُلّ واحد من قُريش أن يكون صاحب الراية غداً.
وكان الإمام علي عليه السّلام‏ أرمد شديد الرمد، فدعاه صلّى الله عليه وآله، فقيل له أنه يشتكي عينيه.
فلما جاء الإمام علي عليه السّلام‏ أخذ صلّى الله عليه وآله من ماء فمه، ودَلَّك عينيه، فَبَرئَتَا، حتى كأنْ لم يكن بهما وجع.
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ اكفِهِ الحَرَّ والبَرْد، فما اشتكى من عينيه، ولا من الحَرِّ والبرد بعد ذلك أبداً.
فعَقَد صلّى الله عليه وآله للإمام عليه السّلام‏، ودفع الراية إليه، وقال له: قَاتِل ولا تَلتَفتْ حتى يَفتح اللهُ عليك .
فقال الإمام علي عليه السّلام‏: يَا رَسولَ الله، عَلامَ أقاتِلُهُم؟.
فقال صلّى الله عليه وآله: عَلى أن يَشهدوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله، وأنِّي رسول الله، فإذا فعلوا ذلك حَقَنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحِسابُهُم عَلى اللهِ عزَّ وَجل .
فقال سلمه: فخرجَ والله يُهروِل وأنا خلفه، نتَّبع أثره، حتى ركز رايته تحت الحصن، فاطَّلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال الإمام عليه السّلام‏: أنَا عَلي بنَ أبِي طَالِب .
فقال اليهودي: علوتم أو غلبتم.
وخرج إليه أهل الحصن، وكان أول من خرج إليه منهم الحارث - أخ مرحب -، وكان فارساً، شجاعاً، مشهوراً بالشجاعة، فانكشف المسلمون، وثَبَتَ الإمام علي عليه السّلام‏، فتضاربا، فقتله الإمام عليٌّ عليه السّلام‏، وانهزم اليهود إلى الحصن.
فلما علم مرحب أخاه قد قتل نزل مسرعاً، وقد لبس درعين، وتقلَّد بسيفين، واعتمَّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفراً وحَجَراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار، وهو يرتجز ويقول:
قَدْ علِمَت خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ ** شَاكي السِّلاح بَطلٌ مُجرَّبُ
أطعنُ أحياناً وحِيناً أضرِبُ ** إذا اللُّيوث أقبلَتْ تَلتَهِبُ
فردّ عليٌّ عليه السّلام‏ عليه، وقال:
أنَا الذي سَمَّتْني أمِّي حَيْدَرة ** أكِيلُكُم بالسَيف كَيل السَّـندَرَة
لَيثٌ بِغابَاتٍ شَديد قَسْـوَرَة ** وحيدرة: اسم من أسماء الأسد.
فاختلفا ضربتين، فبدره الإمام علي عليه السّلام‏ فضربه، فقدَّ الحَجَرَ والمغفر ورأسه، حتى وقع السيف في أضراسه، فقتله.
فكبَّر الإمام علي عليه السّلام‏، وكبَّر معه المسلمون، فانهزَم اليهود إلى داخل الحصن، وأغلقوا بابَ الحِصْن عَليهم، وكان الحِصْنُ مُخَندقاً حوله، فتمكَّن الإمام علي عليه السّلام‏ من الوصول إلى باب الحصن، فعالجه وقلعه، وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة، التي طولها ثمّانون شبراً، أي: أربعون ذراعاً، فجعلها جِسراً فَعبر المسلمون الخندق، وظفروا بالحصن، ونالوا الغنائم؟
ولما انصرَفَ المسلمون من الحصن أخذ الإمام علي عليه السّلام‏ الباب بيمناه، فَدَحى بِهَا أذرعاً من الأرض - أربعون ذراعاً -، وكان الباب يعجزُ عن فَتحِه أو غَلقِه اثنان وعشرون رجلاً منهم.

فتح مكة المكرمة
استمرَّت نتائج صُلحِ الحُدَيْبِية الذي عُقِد بين النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقريش في سنة 6 هـ تتفاعل لصالح النّبيّ، فانضمَّت قبيلة خزاعة إلى معسكر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وانضمَّت قبيلة كنانة إلى معسكر قُريش، فأصبح هناك حِلفان خلال فترة الصُلْح والسّلام‏. وشاء الله سبحانه أن تتهيّأ أسباب النصر الكبير والفتح المبين، فينشُب الصراع بين قبيلَتَي كنانة وخزاعة على أثر هجوم الأولى على الثانية، فانضمَّت قُريش إلى كنانة، فشعر أبو سفيان بخطورة الموقف بعد نصره لكنانة، فاضطرَّ إلى الذهاب للنبي صلّى الله عليه وآله ليكلِّمه، فلم يرد النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليه شيئاً. ثمّ حاول أن يستنجد ببعض الصحابة وبأهل بيت النّبيّ صلّى الله عليه وآله فلم يشفعوا له، وعاد إلى مكّة يجر أذيال الهزيمة، وأخذ الرّسول‏ صلّى الله عليه وآله وأصحابه يتجهَّزون لقتال كُفَّار مكّة، حتّى بلغ تعدادهم عشرة آلاف مقاتل، وكان صلّى الله عليه وآله يخطِّط لِئَلاَّ يقَع القِتال بينه وبين قُريش في داخل مكّة، لأنَّها حرم الله الآمن.
وفي الثاني من شهر رمضان سنة 8 هـ توجَّه النّبيّ صلّى الله عليه وآله وجيشه نحو مكّة، وقاموا بتطويقها، وإشعال النيران في الصحراء على مقربة منها، ممّا أثار الرعب في نفوس الطغاة، وعلى رأسهم أبو سفيان.
وأخيراً استسلم أبو سفيان للنبي صلّى الله عليه وآله، ونطق بالشهادتين خوفاً ورعباً، وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله العباس بن عبد المطلب أن يقف بأبي سفيان حيث تمرُّ جنود الله، ليرى بِعَينه عظمة الإسلام.
فيقول أبو سفيان للعباس: لقد أصبح مُلْك ابن أخيك عظيماً.
فيردُّ عليه العباس: وَيْحك، إنّها النبوَّة.
وهكذا تحقَّق النصر الكبير، ودخل رسول الله صلّى الله عليه وآله مكّة المكرمة، فاتحاً منتصراً من غير قتال، ولا سفك دماء، متواضعاً، مستغفراً، مسبِّحاً بحمد ربّه.
وقال تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النّاس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا .

زوجاته صلّى الله عليه وآله
1 - خديجة بنت خويلد، وهي الزوجة الأولى له صلّى الله عليه وآله.
2- سودة بنت زمعة.
3- عائشة بنت أبي بكر.
4- غزية بنت دودان أم شريك.
5- حفصة بنت عمر.
6- رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة.
7- أم سلمة بنت أبي أميَّة.
8- زينب بنت جحش.
9- زينب بنت خزيمة.
10- ميمونة بنت الحارث.
11- جويرية بنت الحارث.
12- صفية بنت حيي بن أخطب.

أولاده صلّى الله عليه وآله من خديجة عليها السّلام‏
تزوج خديجة صلّى الله عليه وآله وهو ابن بضع وعشرين سنة وولد له صلّى الله عليه وآله منها عبد الله و القاسم و إبراهيم و فاطمة الزهراء عليها السّلام‏ وهي أم أبيها ومنها ذريته صلّى الله عليه وآله وقيل أيضاً زينب ورقية وأم كلثوم. فولد له منها أي من خديجة قبل مبعثه عليه السّلام‏ القاسم، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث الطّيب والطّاهر وفاطمة عليها السّلام‏. وروي أيضاً أنه لم يولد بعد المبعث إلاّ فاطمة عليها السّلام‏ وأن الطّيب والطّاهر ولدا قبل مبعثه.

أَعْمَامُهُ صلّى الله عليه وآله
نقل العلامة المجلسي في بحاره، قال: كان لعبد المطلب عشرة أسماء: عمر، وشيبة الحمد، وسيد البطحاء، وساقي الحجيج، وساقي الغيث، وغيث الورى في العام الجدب، وأبو السادة العشرة، وحافر زمزم، وعبد المطلب، وله عشرة بنين: الحارث، والزبير، وحجل وهو الغيداق، وضرار وهو نوفل، والمقوم، وأبو لهب وهو عبد العزى، وعبد الله، وأبو طالب، وحمزة، والعباس، وكانوا من أمهات شتى إلا عبد الله وأبو طالب والزبير، فإن أمهم فاطمة بنت عمرو بن عايذ، وأعقب من البنين خمسة: عبد الله أعقب مُحمّدا " صلّى الله عليه وآله سيد البشر، وأبو طالب أعقب طالباً وجعفراً " وعقيلاً " وعليّاً " عليه السّلام‏ سيد الوصيين، والعباس أعقب عبد الله وقثمّ والفضل وعبيد الله، والحارث أعقب عتبة ومعتبة وعتيقاً "، وكان لعبد المطلب ست بنات: عاتكة، واميمة، والبيضاء وهي ام حكيم، وبرة، وصفية وهي ام الزبير، وأروى، ويقال: وريدة، وأسلم من أعمام النّبيّ صلّى الله عليه وآله أبو طالب وحمزة والعباس، ومن عماته صفية وأروى وعاتكة، وآخر من مات من أعمامه العباس، ومن عماته صفية.
وقال محيى الدين النووي في المجموع: وكان لعبد المطلب اثنا عشر ولداً، عبد الله أبو النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، والعباس، وشرار، وحمزة، وحجل، وأبو لهب، وقثمّ، والغيداق الملقب بالمقوم، والحارث والعقب منهم لسته حمزه والعباس وأبو لهب والحارث وأبو طالب وعبد الله وقد ذكر ابن حزم وغيره أن حمزة انقرض عقبه.
وقال الطبري في ذخائره: وكان لرسول صلّى الله عليه وآله اثنا عشر عما بنو عبد المطلب أبوه صلّى الله عليه وآله ثالث عشرهم: الحارث وأبو طالب واسمه عبد مناف والزبير ويكنى أبا الحارث وحمزة وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق والمقوم وضرار والعباس وقثمّ وعبد الكعبة وحجل ويسمى المغيرة، وقيل كانوا إحدى عشر فأسقط المقوم، وقيل هو عبد الكعبة، وقيل عشرة وأسقط الغيداق وحجلا، وقيل تسعة، ولم يذكر ابن قتيبة وابن إسحق وأبو سعيد غيره فأسقط قثمّ. وأمهاتهم شتى فحمزة والمقوم وحجل لام هي هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة والعباس وضرار وقثمّ لام هي نثيلة بنت جناب بن كلب من النمر بن قاسط، والحارث من صفية بنت حنيذ من بنى عامر بن صعصعة وابو لهب من لبنى بنت هاجر من خزاعة و عبد الله ابو النّبيّ صلّى الله عليه وآله وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة لام وهى فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم. ولم يعقب منهم إلا أربعة الحارث والعباس وأبو طالب وأبو لهب وكان أكبرهم الحارث وبه كان يكنى عبد المطلب شهد معه حفر رمزم، ومن ولده وولد ولده جماعة لهم صحبة سيأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى وذكر غيرهم ممن أسلم من بنى الاعمام ولم يدرك الاسلام منهم غير أربعة أبو طالب وأبو لهب حمزة والعباس ولم يسلم غير حمزة والعباس.

عَمَّاتُه صلّى الله عليه وآله
أميمة وأم حكيمة وبرَّة وعاتكة وصفيَّة وأَرْوَى

شعراؤه صلّى الله عليه وآله
حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة و كعب بن مالك.

مُؤذِّنوه صلّى الله عليه وآله
بلال الحبشي وبن أم مكتوم وسعد القرط.

نقش خاتمه صلّى الله عليه وآله
مُحمّد رَسُولُ الله.

طيبه صلّى الله عليه وآله
قال الإمام الصّادق عليه السّلام‏: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله: ينفق على الطيب أكثر ممّا ينفق على الطّعام، وكان صلّى الله عليه وآله لا يعرض عليه طيب إلاّ تطيّب به ويقول: هو طيّب ريحه، خفيف محمله، وكان يتطيّب بالمسك حتّى يرى وبيصه بريقه في مفرقه. وكان صلّى الله عليه وآله يتطيّب بذكور الطيب، وهو المسك والعنبر، ويتطيّب بالغالية تطيّبه بها نساؤه بأيديهنّ، وكان يستجمر بالعود القماري قمار موضع بالهند، وكان يعرف في الليلة الظلماء قبل أن يرى بالطيب، فيقال: هذا النّبيّ صلّى الله عليه وآله.

تسريحة شعره صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يمتشط ويرّجل رأسه بالمدرى مشط حديدي أو خشبي، وترجّله نساؤه، وتتفقّد نساؤه تسريحه إذا سرّح رأسه ولحيته فيأخذن المشاطة الشعر الساقط، ولربّما سرّح لحيته في اليوم مرّتين.
وكان صلّى الله عليه وآله يضع المشط تحت وسادته إذا امتشط به، ويقول: إنّ المشط يذهب بالوباء .

دهانه صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يحبّ الدهِن ويكره الشعث، ويقول صلّى الله عليه وآله: إنّ الدهن يذهب بالبؤس، وكان يدهن بأصناف من الدهن، وكان إذا أدهن بدأ برأسه ولحيته، ويقول صلّى الله عليه وآله: إنّ الرأس قبل اللّحية .
وكان يدهن بالبنفسج ويقول صلّى الله عليه وآله: هو أفضل الأدهان، وكان صلّى الله عليه وآله إذا أدهن بدأ بحاجبيه، ثمّ بشاربيه، ثمّ يدخل في أنفه ويشمّه، ثمّ يدهن رأسه، وكان يدهن حاجبيه من الصداع، ويدهن شاربيه بدهن سوى دهن لحيته.

تكحّله صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يكتحل في عينه اليمنى ثلاثاً، وفي اليسرى اثنتين، وقال: من شاء اكتحل ثلاثاً وكلّ حين، ومن فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج، وربّما اكتحل وهو صائم، وكانت له مكحلة يكتحل بها باللّيل، وكان كحله الإثمّد حجر الكحل .

نظره صلّى الله عليه وآله في المرآة
كان صلّى الله عليه وآله ينظر في المرآة، ويرجّل جمّته ويمتشط، وربّما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله، وقال ذلك لعائشة حين رأته ينظر في ركوة فيها ماء في حجرتها، ويسوّي فيها جمّته وهو يخرج إلى أصحابه فقالت: بأبي أنت وأُمّي تتمرأ في الركوة وتسوّي جمّتك، وأنت النّبيّ وخير خلقه؟
فقال صلّى الله عليه وآله: إنّ الله تعالى يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل .

سننه صلّى الله عليه وآله
لابد لمن أراد الهجرة إلى ربّه تعالى، أن يتخلّق بأخلاق الله ورسوله وأهل بيته ويستن بسننهم، فكثيرٌ من سنن رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السّلام‏ أصبحت مهجورةً، بل أكثر المسلمين استبدلها بما هو أدنى منها، قال تعالى: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرّسول‏ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ .
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها، فكلّما ازدادت أخلاق المرء كلّما اقترب من رسول الله صلّى الله عليه وآله أكثر، وعليه فلابد من معرفة بعض أخلاقه وسننه صلّى الله عليه وآله، نذكر منها ما يلي:

سننه العامّة
1ـ خافض الطرف ينظر إلى الأرض، ويغض بصره بسكينة وأدب، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السّماء لتواضعه بين النّاس.
2ـ يبادر إلى من لقيه بالسّلام‏ والتحيّة لأنّ السّلام‏ قبل الكلام، وهو علامة التواضع، وللبادئ بالسّلام‏ تسعةً وستون حسنة، وللرادّ واحدة.
3ـ لا يتكلّم في غير حاجة ومناسبة، ويتحرّج من الكلام كما يتحرّج من الميتة.
4ـ تعظم عنده النعمة، ولا يذم منها شيئاً، فيشكر النعم ولا يحتقر شيئاً منها مهما كان قليلاً، ولا يذمّها لأنّها من الله تعالى.
5ـ جلّ ضحكه التبسّم، فلا يقهقه ولا يرفع صوته كما يفعل أهل الغفلة.
6ـ يقول: أبلغوني حاجةَ منْ لا يقدرُ على إبلاغ حاجته، حتّى لا يكون محجوباً عن حاجات النّاس، ويقضيها إن استطاع.
7ـ يتفقّد أصحابه.
8ـ يسألُ النّاس عمّا في النّاس ليكون عارفاً بأحوالهم وشؤونهم.
9ـ لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر ـ كالاستغفار والتهليل والدعاء ـ فإنّها كفّارة المجلس.
10ـ يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، فهو أقرب إلى التواضع وأبعد عن هوى النفس.
11ـ يكرم كُلّ جلسائه نصيبه، فلا يكون الإكرام على حساب الآخر.
12ـ من سأله حاجةً لم يرجع إلاّ بها أو ميسور من القول، فإن قدر عليها قضاها له، وإلاّ أرجعه بكلمة طيّبة أو دعاء أو نصيحة أو إرشاد.
13ـ يترك المراء، والمراء هو الطعن في كلام الآخرين بقصد التحقير والإهانة ولإظهار التفوّق والكياسة، وسببه العدواة والحسد، ويسبّب النفاق ويمرض القلب.
14ـ يترك ما لا يعنيه، فلا يتدخّل أو يقحم نفسه فيما ليس له.
15ـ لا يقطع على أحد كلامه حتّى يفرغ منه.
16ـ يساوي في النظر والاستماع للناس.
17ـ أفصح النّاس منطقاً وأحلاهم، وكان يقول: أنا أفصح العرب، وإنّ أهل الجنّة يتكلّمون بلغة مُحمّد .
18ـ يتكلّم بجوامع الكلم بما يلزم، فلا فضول مضر، ولا إيجاز مخل.
19ـ أشجع النّاس، وكان ينطلق إلى ما يفزع النّاس منه قبلهم، ويحتمي النّاس به، وما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه.
20ـ كثير الحياء، أشد من العذراء في سترها.
21ـ يبكي حتّى يبتلى مصلاّه، خشيةً من الله عز وجل من غير جرم.
22ـ يتوب إلى الله تعالى في كُلّ يوم سبعين مرّة، فيقول: أتوب إلى الله .
23ـ يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين، ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم.
24ـ يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ويصافح الغني والفقير، ولا يحتقر مسكيناً لفقره، ولا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو، ويسلّم على من استقبله من غني وفقير، وكبير وصغير.
25ـ ينظر في المرآة، وربما نظر في الماء ليتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله، وقال: إنّ الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل .
26ـ ما خُيّر بين أمرين إلاّ أخذ بأشدّهما، ترويضاً لنفسه على مخالفة الهوى، وركوب المصاعب.
27ـ ما أكل متّكئاً قط حتّى فارق الدّنيا، تواضعاً لربّه تعالى.
28ـ إذا أكل أكل ممّا يليه، وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، فيشرب أوّلاً ثمّ يحمد الله تعالى ويتنفّس، يفعل ذلك ثلاث مرّات.
29ـ كان يمينه لطعامه، وشماله لبدنه، وكان يحب التيمّن في جميع أموره.
30ـ إذا حدّث بحديث تبسّم في حديثه.
31ـ أكثر ما يجلس تجاه القبلة.
32ـ كان لتواضعه، يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، فيضعه في حجره إكراماً لأهله، وربما بال الصبي، فإذا انصرف القوم غسل ثوبه.
33ـ لا يدعُ أحداً يمشي معه إذا كان راكباً، حتّى يحمله معه، فإن أبى قال: تقدّم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد .
34ـ إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده.
35ـ خدم أنس النّبيّ صلّى الله عليه وآله تسع سنين، فلم يقل صلّى الله عليه وآله له أبداً: هلاّ فعلت كذا؟ أو لمَ فعلتَ كذا؟ ولا عاب عليه شئ قط.
36ـ يدعو الجميع بكنُاهُم إكراماً لهم، واستمالةً لقلوبهم، ويكنّي من لا كنية له.
37ـ يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، يقدّمها له إكراماً لضيفه وطمأنةً لنفسه، فإن أبى أصرّ عليه حتّى يقبل.
38ـ يخرج بعد طلوع الشمس، لأنّ الجلوس للتعبّد والدعاء والذكر بين الطلوعين أفضل من طلب الرزق.
39ـ إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل، قعد عند أوّل مكان يجد من طرف دخوله.
40ـ ما كلّم النّاس بكنه عقله أبداً، حيث قال: إنّا معاشر الأنبياء، أمرنا أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم، ولم يكن هذا منه إلاّ لحسن خلقه وتواضعه ورأفته بالناس.
41ـ كثير الضراعة والابتهال إلى الله تعالى، دائم السؤال من الله تعالى أن يُزيّنه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق، وكان يقول: اللهم حسّن خُلقي، ويقول: اللهم جنّبني منكراتِ الأخلاق .
42ـ يُقلّم أظفاره ويقص شاربيه يوم الجمعة، قبل أن يخرج إلى الصّلاة.
43ـ كانت فيه مداعبة، وذلك رأفةٌ منه لأمّته، لكيلا يبلُغ بأحدٍ منهم التعظيمُ له، فلا ينظرُ إليه، حذراً من المبالغة في التقديس، فيقولون قولاً عظيماً، نعوذ بالله تعالى، كما هو شأنُ النصارى في عيسى عليه السّلام‏، وكان صلّى الله عليه وآله ليُسرُ الرجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة.
44ـ يُخاطب جلساءَه بما يناسب، فعن زيد بن ثابت قال: كنّا إذا جلسنا إليه صلّى الله عليه وآله إنْ أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإنْ أخذنا في ذكر الدّنيا أخذ معنا، وإنْ أخذنا في ذكر الطّعام والشراب أخذ معنا.
45ـ لم يكن له صلّى الله عليه وآله خائنة الأعين، النظرة الخائنة إلى ما لا يحل، والغمز بالعين، والرمز باليد.
46ـ قال صلّى الله عليه وآله: أكرم أخلاق النّبيّين والصدّيقين، البشاشة إذا تراءوا، والمصافحةُ إذا تلاقوا .
47ـ لا يُعرضُ له طيب إلاّ تطيّب.
48ـ إذا حدّث الحديث أو سئل عن الأمر كرّره ثلاثاً ليفهم المستمع أو السائل ويُفهم عنه، عند نقله للحديث أو الإجابة إلى قومه.
49ـ إذا سئل شيئاً، فإذا أراد أن يفعله قال: نعم، وإذا أراد أن لا يفعل سكت، ولا يقول لشيء: لا.
50ـ لا ينظر إلى ما يستحسن من الدّنيا حتّى لا يؤخذ به أو يستغرق فيه.
51ـ إذا أحزنه أمرٌ لجأ إلى الصّلاة، وكان يحب الخلوة بنفسه للذكر والتفكّر والتأمّل ومراجعة أمره.
52ـ يهيئ ماء وضوئه بنفسه لقيامه وتهجّده في الليل، ولا يطلب من ذلك من أحد.
53ـ يقوم بأعمال أزواجه معيناً لهم في شؤونهم، ويقطع اللحم.
54ـ لا يُثبتُ بصرهُ في وجه أحد، محدقاً به حتّى يأمن ويستأنس.
55ـ يلبسُ خاتمَ فضة في خنصره الأيمن، ويستاك عند الوضوء، منظفّاً أسنانه، ويشيع الجنائز، ويعودُ المرضى في أقصى المدينة.
56ـ أكثر النّاس تبسّماً، ما لم تجرِ عظةٌ، ما لم يجرِ إلى التطرّق إلى الموعظة فلا يناسبها التبسّم.
57ـ لا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلاّ خفّف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟
58ـ كان صلّى الله عليه وآله في الرضا والغضب لا يقول إلاّ حقّاً.
59ـ قال صلّى الله عليه وآله: اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين .

سننه عند النوم
1ـ إذا دخل المنزل توضّأ، ثمّ يصلّي ركعتين يوجز فيهما، ثمّ يأوي إلى فراشه، وكان صلّى الله عليه وآله ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره.
2ـ إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت، وإذا قام من نومه قال: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور .
3ـ إذا استيقظ من النوم خرّ لله ساجداً.
4ـ يتوضّأ عن النوم، ويتوسّد اليمين، ويسبّح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاث وثلاثين، ويكبّر أربعاً وثلاثين، ويستقبل القبلة بالوجه، ويقرأ فاتحة الكتاب وآية الكرسي.

سننه في الأزواج والأولاد
1ـ قال صلّى الله عليه وآله: من كان يحب أن يتبع سنّتي، فإنّ من سنّتي التزويج .
2ـ وقال صلّى الله عليه وآله: كان إبراهيم عليه السّلام‏ غيوراً، وأنا أغير منه .
3ـ إذا أصبح عند الصباح، مسح على رؤوس ولده وولدِ ولدهِ.
4ـ من سننه صلّى الله عليه وآله في الصبي عندما يولد: يسمّيه باسم حسن ـ كأسماء العبودية لله تعالى، وأسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السّلام‏ ـ ويحلق رأسه، ويختنه، ويعق عنه.
5ـ إذا أصاب أهله خصاصةٌ ـ فقر وحاجة شديدان ـ قال: قوموا إلى الصّلاة، ويقول: بهذا أمرني ربّي، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى .

سننه في آداب المائدة
1ـ كان صلّى الله عليه وآله يأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وكان يأكل على الحضيض ـ القرار من الأرض ـ وينام على الحضيض.
2ـ يتّكي عند الأكل على فخذه الأيسر.
3ـ ما قُدم له صلّى الله عليه وآله طعامُ فيه تمر إلاّ بدأ به.
4ـ يأكل مع أهله وخدمه، ومع من يدعوه من المسلمين إلاّ أن ينزل بهم ضيفٌ، فيأكل مع ضيفه.
5ـ أحبُ الطّعام إليه ما تكاثرت عليه الأيدي.
6ـ يحمد الله بين كُلّ لقمتين.
7ـ إذا أفطر عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الأخيار.
8ـ إذا شرب تنفّس ثلاثاً، مع كُلّ واحدة منها تسمية إذا شرب، يسمّي باسم الله تعالى قبل الشرب، وتحميدٌ إذا انقطع، ولا يتنفّس في الإناء، بل يبعده عن فمه، ثمّ يتنفس صلّى الله عليه وآله.
9ـ إذا شرب يمص الماء مصّاً، ولا يعبه عبّاً.
10ـ يأكل ما وجد، وهذا دليل القناعة والشكر والأدب.
11ـ يُحب من اللحم الذراع، ويُعجبه العسل، ويأكُلُ العنب حبّة حبّة، ويأكل البطيخ والرمان، ويأكل التمر ويشرب عليه الماء.
12ـ كان صلّى الله عليه وآله تمريّاً، وهكذا كُلّ الأئمّة عليهم السّلام‏.
13ـ إذا أكل سمّى، ويأكُلُ ما قرب منه من الطّعام، ولا يأخذُ الذي أمام غيره، ويأكل بثلاث أصابع ـ الإبهام والسبابة والوسطى ـ وكان لا يأكُلُ وحده.
14ـ ما ذمّ طعاماً أبداً، فإذا أعجبه أكله، وإذا كرهه تركه، ولا يُحرمه على غيره.
15ـ إذا فرغ لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها، وكان يلطع القصعة، ولا يأكل وحده ما أمكنه ذلك.
16ـ لا يأكل الطّعام الحار حتّى يبرد.
17ـ يتوضّأ قبل الطّعام.
18ـ يغسل اليدين قبل الطّعام وبعده.
19ـ إذا أتاه الضيف أكل معه، ولم يرفع يده من السفرة حتّى يرفع الضيف يده، أي لا يمتنع عن الطّعام وضيفه يأكل لوحده، لئلا يستوحش أو يخجل أو يكف وهو لم يشبع بعد.

سننه في الأموات ومتعلّقاتها
1ـ إذا تبع جنازة غلبته كآبةُ، وأكثر حديث النفس، وأقلّ الكلام.
2ـ إذا أُصيب بمصيبة قام فتوضّأ وصلّى ركعتين، وقال: اللهم قد فعلت ما أمرتنا، فانجز لنا ما وعدتنا من استجابة الدعاء والتصبّر.
3ـ من سننه صلّى الله عليه وآله رش الماء على القبر، ويبدأ من الرأس إلى الرجل، ثمّ يدور حول القبر من الجانب الآخر، ثمّ يرش على وسط القبر.
4ـ من سننه صلّى الله عليه وآله رفع القبر أربع أصابع مفروجة، وأن يكون مسطّحاً لا مسنماً، أي بأن يكون مائلاً منحنياً.
5ـ من سننه صلّى الله عليه وآله صناعةُ الطّعام لأهل المصيبة ثلاثة أيّام، تُرسلُ إليهم، وأمّا الأكل عندهم فهو من عمل الجاهلية.

سننه في الصّلاة
1ـ إذا دخل وقتُ الصّلاة، كأنّه لا يعرف أهلاً ولا حميماً، فلا ينشغل بشيء عن إقامة الصّلاة
2ـ إذا قام إلى الصّلاة كأنّه ثوب ملقى لخشوعه، فلا يتحرّك منه إلاّ ما حرّكته الريح.
3ـ يوصي بتسوية الصفوف في صلاة الجماعة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم.

سننه في السّفر
1ـ يحمل معه في السّفر: المرآة، والمِكحلة، والمسواك، والمقراض، والمشط، وقارورة الطيب، وإبرة وخيوط.
2ـ إذا مشى يخطو تكفؤاً، فلا يتبختر ويتقلع، ومشى مشياً يعرف أنّه ليس بعاجز ولا كسلان.
3ـ إذا سلك طريقاً لم يرجع فيه، يذهب من طريق ويرجع من آخر.
4ـ كان صلّى الله عليه وآله في سفره إذا هبط سبّح، وإذا صعد كبّر.
5ـ لا يرتحل من مكان ما إلاّ وصلّى عنده ركعتين، ليشهد عليه بالصلاة.
6ـ إذا ودّع المؤمنين دعا لهم بالسّلام‏ة والغنيمة، وممّا قاله: زوّدكم الله بالتقوى، ووجهكم إلى كُلّ خير، وقضى لكم كُلّ حاجةٍ، وسلم دينكم ودنياكم، وردّكم إليّ سالمين .
7ـ يكره أن يسافر الرجل في غير رفقة.

سننه في الملابس
1ـ أكثر ثيابه البيض، وتعجبه الثياب الخضر.
2ـ كان صلّى الله عليه وآله يحث أمّته على النظافة ويأمر بها.
3ـ له عدّة خواتم وكان يتختّم باليمين.
4ـ يكره السوداء إلاّ في ثلاث: العمامة والخف والكساء.
5ـ يلبس نعل اليمين قبل اليسار، يخلع اليسار قبل اليمين.
6ـ له ثوب للجمعة خاصّة، يتزّين به لأنّه يوم عيد، فيميّزه عن غيره من الأيّام.

كلماته القصار صلّى الله عليه وآله
1- قال صلّى الله عليه وآله: إنما بُعِثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق .
2- وقال صلّى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابُها .
3- وقال صلّى الله عليه وآله: أحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ .
4- وقال صلّى الله عليه وآله: بالبرِّ يستعبد الحرُّ .
5- وقال صلّى الله عليه وآله: بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك .
6- وقال صلّى الله عليه وآله: ثلاث تقسي القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، واتيان باب السلطان .
7- وقال صلّى الله عليه وآله: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها .
8- وقال صلّى الله عليه وآله: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا .
9- وقال صلّى الله عليه وآله: حب الدّنيا رأس كُلّ خطيئة .
10- وقال صلّى الله عليه وآله: رأس الحكمة مخافة الله .
11- وقال صلّى الله عليه وآله: سادة النّاس في الدّنيا الأسخياء، سادة النّاس في الآخرة الأتقياء .
12- وقال صلّى الله عليه وآله: السعيد من وُعظ بغيره .
13- وقال صلّى الله عليه وآله: شر النّاس من باع آخرته بدنياه، وشرٌ من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره .
14- وقال صلّى الله عليه وآله: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس .
15- وقال صلّى الله عليه وآله: عليك بالجماعة فإن الذئب يأخذ القاصية .
16- وقال صلّى الله عليه وآله: عجبت لمن يحتمي من الطّعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار .
17- وقال صلّى الله عليه وآله: الغني غني النفس .
18- وقال صلّى الله عليه وآله: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامس فتهلك .
19- وقال صلّى الله عليه وآله: لا مال أعود من العقل .
20- وقال صلّى الله عليه وآله: لا فقر أشد من الجهل .
21- وقال صلّى الله عليه وآله: من أحب قوماً حشر معهم .
22- وقال صلّى الله عليه وآله: من يصلح ما بينه وبين الله يصلح الله ما بينه وبين النّاس .
23- وقال صلّى الله عليه وآله: ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه .
24- وقال صلّى الله عليه وآله: مداراة النّاس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش .
25- وقال صلّى الله عليه وآله: يسِّروا ولا تعسِّروا .
26- وقال صلّى الله عليه وآله: يطبع المؤمن على كُلّ خصلة ولا يطبع على الكذب ولا على الخيانة .

أدعيته القصيرة صلّى الله عليه وآله
1- من دعائه صلّى الله عليه وآله في شهر رمضان بعد الصّلاة الواجبة:
اللهمَّ أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغنِ كُلّ فقير، اللهم أشبع كُلّ جائع، اللهم اكسُ كُلّ عريان، اللهم اقضِ دين كُلّ مدين، اللهم فرِّج عن كُلّ مكروب، اللهم رُدَّ كُلّ غريب، اللهم فك كُلّ أسير، اللهم أصلح كُلّ فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشفِ كُلّ مريض، اللهم سُدَّ فقرنا بغناك، اللهم غيِّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر إنَّك على كُلّ شيء قدير .
2- دعاؤه صلّى الله عليه وآله يوم بدر:
اللهم أنت ثقتي في كُلّ كرب، وأنت رجائي في كُلّ شدَّة، وأنت لي في كُلّ أمر نزل بي ثقة وعُدَّة، كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقلُّ فيه الحيلة، ويخذل فيه القريب، ويشمت به العدو، وتُعييني فيه الأُمور، أنزلته بك وشكوته إليك راغباً فيه إليك عمن سواك ففرَّجته وكشفته عني وكفيتنيه، فأنت ولي كُلّ نعمة، وصاحب كُلّ حاجة، ومنتهى كُلّ رغبة، فلك الحمد كثيراً ولك المنُّ فاضلاً .
3- دعاؤه صلّى الله عليه وآله يوم الأحزاب:
يا صريخ المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، اكشف عني همي وغمي وكربي، فإنَّك تعلم حالي وحال أصحابي، فاكفني حول عدوي فإنه لا يكشف ذلك غيرك .
4- دعاء علّمه صلّى الله عليه وآله لبعض أصحابه يتَّقي به شرَّ العدو:
يا سامع كُلّ صوت، يا محيي النفوس بعد الموت، يا من لا يعجل لأنه لا يخاف الفوت، يا دائم الثبات، يا مخرج النبات، يا محيي العظام الرميم الدارسات، بسم الله، اعتصمت بالله، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، ورميت كُلّ من يؤذيني بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
5 - دعاؤه صلّى الله عليه وآله لقضاء الدين، علمه للإمام علي عليه السّلام‏
اللهم اغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
6- دعاؤه صلّى الله عليه وآله إذا وضعت المائدة بين يديه:
سبحانك اللهم ما أحسن ما تبتلينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعطينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعافينا، اللهم أوسع علينا وعلى فقراء المؤمنين والمسلمين .
الرجوع إلى الأعلى

لباسه صلّى الله عليه وآله
عن الإمام الصّادق عليه السّلام‏قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يلبس من القلانس اليمنية والبيضاء والمضرّبة وذات الأُذنين في الحرب، وكانت عمامته السحاب، وكان له برنس يتبرنس به .
وكان صلّى الله عليه وآله إذا لبس ثوباً جديداً قال: الحمد لله الذي كساني ما يواري عورتي، وأتجمّل به في النّاس، وكان إذا نزعه نزع من مياسره أوّلاً.
وكان صلّى الله عليه وآله من فعله إذا لبس الثوب الجديد حمد الله، ثمّ يدعو مسكيناً فيعطيه خلقانه ثمّ يقول: ما من مسلم يكسو مسلماً من سمل ثيابه لا يكسوه إلاّ الله عزّ وجلّ إلاّ كان في ضمان الله وحرزه وحيّزه ما واراه حيّاً وميّتاً .
وكان صلّى الله عليه وآله إذا لبس ثيابه واستوى قائماً قبل أن يخرج قال: اللّهم بك استترت، وإليك توجّهت، وبك اعتصمت، وعليك توكّلت، اللّهم أنت ثقتي، وأنت رجائي، اللّهم اكفني ما أهمّني وما لا أهتمّ به، وما أنت أعلم به منّي، عزّ جارك وجلّ ثناؤك، ولا إله غيرك، اللّهم زوّدني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجّهني للخير حيث ما توجّهت، ثمّ يندفع لحاجته.

فراشه صلّى الله عليه وآله
عن الإمام علي عليه السّلام‏ قال: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله عباءة، وكانت مرفقته أُدم حشوها ليف فثنيّت ذات ليلة، فلمّا أصبح قال: لقد منعني اللّيلة الفراش الصّلاة، فأمر صلّى الله عليه وآله أن يجعل بطاق واحد، وتفرش له حيثمّا انتقل، وكان صلّى الله عليه وآله له بساط من شعر يجلس عليه وربّما صلّى عليه.

نعله صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله إذا لبس بدأ باليمنى، وإذا خلع بدأ باليسرى، وكان يأمر بلبس النعلين جميعاً وتركهما جميعاً كراهة أن يلبس واحدة دون أُخرى، وكان يلبس من الخفاف من كُلّ ضرب.

نومه صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره، وإذا آوى إلى فراشه اضطجع على شقّه الأيمن، ووضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن، ثمّ يقول: اللَّهم قني عذابك يوم تبعث عبادك .
وكان صلّى الله عليه وآله له أدعية يقولها إذا أخذ مضجعه منها: اللَّهم إنّي أعوذ بك بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، اللّهم إنّي لا أستطيع أن أبلغ في الثناء عليك ولو حرصت أنت كما أثنيت على نفسك .
وكان صلّى الله عليه وآله يقول عند منامه: بسم الله أموت وأحيا وإلى الله المصير، اللّهم آمن روعتي، واستر عورتي، وأدّ عنّي أمانتي، وكان صلّى الله عليه وآله يقرأ آية الكرسي عند منامه.
وعن الإمام الباقر عليه السّلام‏قال: ما استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وآله من نوم قطّ إلاّ خرّ لله عزّ وجلّ ساجداً، وكان ممّا يقول إذا استيقظ: الحمد لله الذي أحياني بعد موتي، إنّ ربيّ لغفور شكور.
وأيضاً كان يقول: اللّهم إنّي أسألك خير هذا اليوم ونوره وهداه وبركته وطهوره ومعافاته، اللّهم إنّي أسألك خيره وخير ما فيه، وأعوذ بك من شرّه وشرّ ما بعده .

سواكه صلّى الله عليه وآله
كان صلّى الله عليه وآله يستاك كُلّ ليلة ثلاث مرات: مرّة قبل نومه، ومرّة إذا قام من نومه إلى وروده، ومرّة قبل خروجه إلى صلاة الصّبح، وكان يستاك بالأراك أمر بذلك جبرائيل، وقال صلّى الله عليه وآله: لقد أُمرت بالسّواك حتّى خشيت أن يكتب عليَّ .

عبادته صلّى الله عليه وآله في غار حراء
كانت عند العرب بقايا من الحنيفية، التي ورثوها من دين النّبيّ إبراهيم عليه السّلام‏، فكانوا - مع ما هم عليه من الشرك - يتمسكون بأمور صحيحة، توارثها الأبناء عن الآباء.
وكان بعضهم أكثر تمسكاً بها من بعض، بل كانت قِلَّة منهم تعاف وترفض ما كان عليه قومها من الشرك، وعبادة الأوثان، وأكل الميتة، ووأد البنات، ونحو ذلك من العادات التي لم يأذن بها الله، ولم يأت بها شرع حنيف.
وكان من تلك الطائفة ورقة بن نوفل، وزيد بن نفيل، ورسولنا صلّى الله عليه وآله.
والذي أمتاز عن غيره بإعتزاله صلّى الله عليه وآله النّاس للتعبُّد، والتفكُّر في غار حِرَاء، فما هو خبره صلّى الله عليه وآله في هذا الشأن؟، هذا ما سنقف عليه في المقال التالي:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله يتأمَّل منذ صغره، ما كان عليه قومه من العبادات الباطلة، والأوهام الزائفة، التي لم تجد سبيلاً إلى نفسه، ولم تلقَ قبولاً في عقله.
وذلك بسبب ما أحاطه الله من رعاية، وعناية، لم تكن لغيره صلّى الله عليه وآله من البشر، فبقيت فطرته على صفائها، تنفر من كُلّ شيء غير ما فطرت عليه.
هذا الحال الذي كان عليه صلّى الله عليه وآله دفع به إلى إعتزال قومه، وما يعبدون من دون الله، وحبَّب الله إليه عبادته بعيداً عن أعين قومه، وما كانوا عليه من عبادات باطلة، وأوهام زائفة.
فكان صلّى الله عليه وآله يأخذ طعامه، وشرابه، ويذهب إلى غار حِرَاء، كما ثبت في الحديث المُتَّفَق عليه، أنه صلّى الله عليه وآله قال: جاورت بِحِرَاء شهراً .
وحِراء هو غار صغير، في جبل النور، على بعد ميلين من مكة، فكان صلّى الله عليه وآله يقيم فيه الأيام والليالي ذوات العدد.
وكان اختياره لهذه العزلة، والانقطاع عن النّاس بعض الوقت، من الأسباب التي هيَّأها الله تعالى له، لِيعدَّه لما ينتظره من الأمر العظيم، والمهمّة الكبيرة التي سيقوم بها، وهي إبلاغ رسالة الله تعالى للناس أجمعين.
واقتضت حكمة الله تعالى أن يكون أول ما نَزَّل عليه صلّى الله عليه وآله الوحيَ في هذا الغار.
فهذا ما كان من أمر تعبده صلّى الله عليه وآله، وإعتزاله قومه، وما كانوا عليه من العبادات والعادات.
وقد أحاطه الله سبحانه بعنايته ورعايته، وهيَّأ له الأسباب التي تعدّه لحمل الرسالة للعالمين.
وهو صلّى الله عليه وآله في حالِهِ التي ذكرنا ينطبق عليه، قوله تعالى في حق موسى عليه السّلام‏: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي طه:93.
إنّه الإعداد لأمر عظيم، تنوء الجبال بحمله، إنها الأمانة التي كان يُعدُّ صلّى الله عليه وآله لحملها إلى النّاس أجمعين، ليكون عليهم شهيداً يوم القيامة، تحقيقاً لقوله تعالى: وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ . النحل: 89.
فجزاه الله عن أمته، وعن العالمين خير الجزاء، وجمعنا معه صلّى الله عليه وآله تحت ظِلِّه، يوم لا ظِلَّ إلا ظِلّه.

فضل الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله
1ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: أكثروا الصّلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم .
2ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من صلّى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي .
3ـ قال سهل بن سعد: قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله فإذا بأبي طلحة، فقام إليه فتلقّاه، فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله إنّي لأرى السرور في وجهك؟ قال صلّى الله عليه وآله: أتاني جبرائيل آنفاً فقال: يا مُحمّد: من صلّى عليك مرّة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له بها عشر درجات .
4ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلق، فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، لا يصلّي عليَّ أحد صلاة إلاّ سمّاه باسمه واسم أبيه، وقال: يا مُحمّد صلّى عليك فلان بن فلان، وقد ضمن لي ربّي تبارك وتعالى أنّه أردّ عليه بكلّ صلاة عشراً .
5ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ فقد شقي .
6ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من ذكرتُ عنده فخطئ الصّلاة عليّ خطئ طريق الجنّة.
7ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: البخيل من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ .
8ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: لا صلاة لمن لا يصلّي عليّ .
9ـ قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من صلّى عليّ واحدة، صلّى الله عليه عشراً .
10ـ قال فضالة بن عبيد: سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله رجلاً يدعو في الصّلاة، ولم يذكر الله عزّ وجل، ولم يصلّ على النّبيّ، فقال صلّى الله عليه وآله: عجل هذا، ثمّ دعاه وقال له ولغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثمّ ليصلّ على النّبيّ، ثمّ ليدع بعدما شاء .
ومن المعلوم إن الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله يجب أن تقترن بالصلاة على آله الطيبين الطاهرين, وإلا لا صلاة لمن يصلي على النّبيّ صلّى الله عليه وآله ويمسك, وقد وردت روايات صحيحة عند الخاصة والعامة تنص على ذلك,وتنهى عن الصّلاة البتراء، منها:
روى في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابي عبد الله عليه السّلام‏ قال: " سمع ابي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول " اللهم صل على مُحمّد " فقال له ابي لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على مُحمّد واهل بيته ".
وجاء في مسند زيد: ولا يسئ الاعتقاد في الزيدية الا من تكون عقيدته أموية في بغضه لآل مُحمّد ومقلديهم. وهذا كتاب الزيدية ونص إمامهم، فهل نصوص الائمة الاربعة غير هذا؟. ومما جرى عليه النّاس ولم يعرفوا سبب ذلك: وهو عدم ذكر آل رسول الله صلّى الله عليه وآله في الكتابة في كتبهم في الصّلاة، وسبب عدم ذكرها ان الاموية شددت في ذكر الآل كما هو مشهور من قتلهم وتشريدهم في البلاد، حتى ان الحجاج منع من التحديث عن علي كرم الله وجهه، حتى كان الحسن البصري وجماعة من التابعين إذا رووا حديثا وكانوا في الجوامع لم يقدروا ان يصرحوا بذكر علي خوفا من سيف الحجاج، فكانوا يقولون: وعن ابي زينب عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم. فجرى النّاس على ذلك من عدم ذكر الآل. والآن بحمد الله، زال المانع وذلك الزمن المخوف، والآن كتب الهند وبعض الكتب المصرية الحديثة وأمثالها الذين اهلها متنورون، صاروا يذكرون الآل في الصّلاة بعد ذكر النّبيّ فيجعلونها من جملة الصّلاة، والصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم التي لا يذكر فيها الآل تسمى بالصلاة البتراء المنهى عنها كما في الحديث: لا تصلوا علي الصّلاة البتراء. قيل: يارسول الله، وما الصّلاة البتراء؟ قال: ان تصلوا علي ولا تصلوا على آلي. وأخرج الدار قطني والبيهقي في حديث من صلّى علي ولم يصل على اهل بيتي لم تتقبل منه، واخرج مسلم وغيره لما نزل قوله تعالى: ان الله وملائكته يصلون على النّبيّ. الآية. قالوا: يارسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد. مع ان العلماء كلهم متفقون على مشروع الصّلاة على النّبيّ وآله في التشهد في الصلوات الخمس قبل التسليم، ولكن بين من يجعلها فرضا وهم الامام الشافعي واحمد واهل البيت، وبين من يجعلها سنة وهو أبو حنيفة ومالك.
نقل ابن حجر في الصواعق قول الشافعي:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القُرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر إنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له.

فقال: فيحتمل لا صلاة له صحيحة فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصّلاة على الآل، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه.
وقال الرازي في تفسيره: إن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصّلاة وقوله: أللهم صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد، و ارحم مُحمّداً وآل مُحمّد. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل فكل ذلك يدل على أن حب آل مُحمّد واجب. وقال: أهل بيته صلّى الله عليه وآله ساووه في خمسة أشياء: في الصّلاة عليه وعليهم في التشهد. وفي السّلام‏. والطهارة. وفي تحريم الصدقة. وفي المحبة.
وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى: كفى شرفا لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله وفخرا ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كُلّ صلاة.
وروى محب الدين الطبري في الذخاير، عن جابر رضي الله عنه أنه كان يقول: لو صليت صلاة لم أصل فيها على مُحمّد وعلى آل مُحمّد ما رأيت أنها تقبل.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي أمير المؤمنين عليه السّلام‏: كُلّ دعاء محجوب حتى يصلّى على مُحمّد وآل مُحمّد.
ومن تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النّبيّ يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا المطيري، حدثنا علي بن حرب، حدثنا أبو الحسن بن أبي الفضل العبدي، حدثنا إسماعيل بن مُحمّد الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا هشيم بن بشير، عن يزيد بن ابي زياد، عن عبد الله بن أبي ليلى حدثني كعب بن عجرة قال: لما نزلت: إن الله وملائكته يصلون على النّبيّ يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قلنا: يا رسول الله قد علمنا السّلام‏ عليك، فكيف الصّلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على مُحمّد و على آل مُحمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على مُحمّد وعلى آل مُحمّد كما باركت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الصواعق المحرقة فصل الايات، الاية الثانية وفيه: صحح عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الاية قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك. فقال. قولوا اللهم صل على مُحمّد وعلى آل مُحمّد إلى آخره، فسؤالهم بعد نزول الاية واجابتهم باللهم صلّى على مُحمّد وعلى آل مُحمّد إلى آخره دليل ظاهر على أن الامر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الاية والا لم يسألوا عن الصّلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل على أن الصّلاة عليهم من جملة المأمور به وأنه صلّى الله عليه وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه لان القصد من الصّلاة عليه مزيد تعظيمه، ومنه تعظيمهم ومن ثمّ لما أدخل من مر في الكساء قال: اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم، وقضية استجابة هذا الدعاء أن الله صلّى عليهم معه فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه. ويروي: لا تصلوا على الصّلاة البتراء، فقالوا: وما الصّلاة البتراء قال تقولون: اللهم صل على مُحمّد وتمسكون، بل قولوا اللهم صل على مُحمّد وعلى آل مُحمّد.
ومن صحيح: قلنا يا رسول الله أما السّلام‏ عليك فقد عرفناه، فكيف الصّلاة عليك؟ فقال صلّى الله عليه وآله: قولوا: اللهم صل على مُحمّد وعلى آل مُحمّد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.
وعن جعفر الصّادق قال في تفسير إن الله وملائكته يصلون على النّبيّ : الصّلاة من الله عزوجل رحمة للنبي صلّى الله عليه وآله، ومن الملائكة تزكية ومدحهم له، ومن المؤمنين دعاء منهم له.
وقد أفرد سماحة الشخ عبد الكريم العقيلي كتاباً خاصاً بكيفية الصّلاة على مُحمّد وآل مُحمّد، ذكر فيه الأسرار المكنونة في الصّلاة على مُحمّد وآل مُحمّد، وذلك عن طريق المأثور من الروايات والأخبار الواردة في فضل الصّلاة، بل وجوبها.

كيفية صلاة الإمام أمير المؤمنين على رسول الله صلوات الله عليهم
ذكر الشيخ الكليني أعلى الله مقامه الشّريف في كتاب الرّوضة من الكافيإن الإمام أمير المؤمنين خطب في النّاس في يوم الجمعة وصلّى على رسول الله حيث قال:
اِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النّبيّ يا اَيُّها الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليماً، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَبارِكْ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَتَحَنَّنْ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، وَسَلِّمْ عَلى مُحمّد وَآلِ مُحمّد، كَاَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى اِبْراهيمَ وَآلِ اِبْراهيمَ اِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ اَللّـهُمَّ اَعْطِ مُحمّدا الْوَسيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضيلَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الْكَريمَةَ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْ مُحمّداً وَآلَ مُحمّد اَعْظَمَ الْخَلائِقِ كُلِّهِمْ شَرَفاً يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَاَقْرَبَهُمْ مِنْكَ مَقْعَداً، وَاَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ جاهاً وَاَفْضَلَهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلَةً وَنَصيباً، اَللّـهُمَّ اَعْطِ مُحمّداً اَشْرَفَ الْمَقامِ، وَحِباءَ السّلام‏، وَشَفاعَةَ الاِْسْلامِ، اَللّـهُمَّ وَاَلْحِقْنا بِهِ غَيْرَ خَزايا وَلا ناكِثينَ وَلا نادِمينَ وَلا مُبَدِّلينَ، اِلـهَ الْحَقِّ آمينَ.

فترة نبوته صلّى الله عليه وآله
وكانت فترة نبوته صلّى الله عليه وآله 23 عاماً

عمره الشّريف صلّى الله عليه وآله
كان عمره الشّريف صلّى الله عليه وآله 63 عاماً

تاريخ ومحل شهادته صلّى الله عليه وآله
استشهد صلّى الله عليه وآله في 28 صفر، في سنة 11 للهجرة.
وذكر جمع من أصحابنا منهم الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى انه قبض صلّى الله عليه وآله مسموماً.

موضع قبره صلّى الله عليه وآله
وقبره صلّى الله عليه وآله بالمدينة في حجرته التي توفى فيها، فلما قبض صلّى الله عليه وآله اختلف أهل بيته ومن حضر من أصحابه، في الموضع الذي ينبغي أن يدفن فيه: فقال بعضهم: يدفن بالبقيع. وقال آخرون: يدفن في صحن المسجد. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام‏: إن الله تعالى لم يقبض نبيه عليه السّلام‏ إلا في أطهر البقاع، فينبغي أن ندفنه في البقعة التي قبض فيها. فاتفقت الجماعة على قوله، ودفن في حجرته على ما ذكرناه.

أوصياؤه صلّى الله عليه وآله
وهمُ الأئمة المعصومون الإثنا عشر عليهم السّلام‏ أمير المُؤمِنين عَلي بن أَبي طَالب والحَسَن بن عَلي السبط والحُسين بن عَلي الشهيد وعَلي بن الحُسين زين العابدين و مُحمّد بن عَلي الباقر و جَعفَر بن مُحمّد الصّادق ومُوسَى بن جَعفَر الكاظم وعَلي بن مُوسَى الرضا ومُحمّد بن عَلي الجواد وعَلي بن مُحمّد الهادي والحَسَن بن عَلي العسكري والحجة بن الحسن المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين.
راجع سيرة المعصومين صلوات الله عليهم في موقعنا هذا فسوف تجد فيها المعلومات القيمة، فإذا اتبعت ما جاء فيها فسوف تفوز بالقدح المعلى وتحشر إن شاء الله تعالى في الجنان العلى.

أحاديث في عظمته صلّى الله عليه وآله
عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام‏ في حديث طويل قال: إذا كان يوم القياصة فأول قائم من قبره الناطق الصّادق المشفق مُحمّد المصطفى فيأتيه جبرئيل بالبراق وميكائيل بالتاج، وإسرافيل بالقصب ورضوان بحلتين ثمّ ينادي جبرئيل أين قبر مُحمّد فتقول الأرض حملتني الرياح مع الجبال فدكتني دكة واحدة فلا أدري أين قبر مُحمّد فيرتفع من قبره عمود من نور إلى عنان السّماء فيبكي جبرئيل بكاء ا شديدا فيقول له ميكائيل وما يبكيك فيقول له أو تمنعني من البكاء وهذا مُحمّد يقوم من قبره ويسألني عن أمته وانا ادري اين أمته قال: ثمّ ينصدع القبر فإذا مُحمّد قاعدا وينفض التراب عن رأسه ولحيته ثمّ يلتفت يمينا وشمالا فلا يرى من العمران شيئا فيقول يا جبرائيل بشرني فيقول ابشرك بالبراق السباق والطائر في الآفان فيقول بشرني فيقول أبشرك بالتاج فيقول بشرني فيقول أبشرك بالقصب والحلتين فيقول بشرني بأمتي لعلك خلفتهم بين أطباق النيران ما رأيتهم وانهم بعدهم في لحود.
وعن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رفعه: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السّلام‏: يا عيسى آمن بمُحمّد، وأمر أمتك أن يؤمنوا به فلولا مُحمّد ما خلقت آدم و لو لا مُحمّد ما خلقت الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتب عليه " لا إله إلا الله م ح " - يعني نصف اسم مُحمّد - فسكن.
وعن علي عليه السّلام‏، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أنا واردكم على الحوض وأنت يا علي الآمر، والحسن والحسين الساقي.
وعن حماد، عن أبي عبد الله عليه السّلام‏ وذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام‏: ما برأ الله نسمة خيرا من مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
وعن عبد الله بن مُحمّد بن أخي حماد الكاتب، عن الحسين بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السّلام‏: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله سيد ولد آدم؟ فقال: كان والله سيد من خلق الله، وما برأ الله برية خيرا من مُحمّد صلّى الله عليه وآله.
وعن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السّلام‏ قال: قال الله تبارك وتعالى: يا مُحمّد إني خلقتك وعليا نورا يعني روحا بلا بدن قبل أن أخلق سماواتي وأرضي و عرشي وبحري فلم تزل تهللني وتمجدني، ثمّ جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة فكانت تمجدني وتقدسني، وتهللني، ثمّ قسمتها ثنتين وقسمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة مُحمّد واحد وعلي واحد والحسن والحسين ثنتان، ثمّ خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحا بلا بدن، ثمّ مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا.
وعن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام‏ يقول أوحى الله تعالى إلى مُحمّد صلّى الله عليه وآله إني خلقتك و لم تك شيئا ونفخت فيك من روحي كرامة مني أكرمتك بها حين أوجبت لك الطاعة على خلقي جميعا، فمن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني وأوجبت ذلك علي وفي نسله، ممن اختصصته منهم لنفسي.
وعن مُحمّد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام‏ فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا مُحمّد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ثمّ خلق مُحمّدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الاشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى، ثمّ قال: يا مُحمّد هذه الديانة التي من تتدينها مرق ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا مُحمّد.
وعن صالح بن سهل عن أبي عبد الله عليه السّلام‏ أن بعض قُريش قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله: بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال: إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب حين أخذ الله ميثاق النّبيّين " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " فكنت أنا أول نبي قال بلى، فسبقتهم بالاقرار بالله.

ثواب زيارته صلّى الله عليه وآله
جاء في كامل الزيارات، عن عبد الله بن سنان، عن ابي عبد الله عليه السّلام‏، قال: بينما الحسين بن علي عليهما السّلام‏ في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله، إذ رفع رأسه فقال له: يا ابة ما لمن زارك بعد موتك، فقال: يا بني من اتاني زائرا بعد موتي فله الجنة، ومن أتى اباك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن اتاك زائرا بعد موتك فله الجنة
عن المعلى بن ابي شهاب، عن ابي عبد الله عليه السّلام‏، قال: قال الحسين عليه السّلام‏ لرسول الله صلّى الله عليه وآله: ما جزاء من زارك، فقال: يا بني من زارني حيا أو ميتا أو زار اباك أو زار اخاك أو زارك، كان حقا علي ان ازوره يوم القيامة حتى اخلصه من ذنوبه.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي، أو زارك في حياتك أو بعد موتك، أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما، ضمنت له يوم القيامة ان اخلصه من أهوالها وشدائدها، حتى اصيره معي في درجتي.
وعن ابي عبد الله عليه السّلام‏، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
من اتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة.
وعن ابن ابي نجران، قال: قلت لابي جعفر الثاني عليه السّلام‏: جعلت فداك ما لمن زار رسول الله صلّى الله عليه وآله متعمدا، قال: له الجنة.
وعن عبد الرحمان بن ابي نجران، قال: سألت ابا جعفرعليه السّلام‏ عمن زار قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله قاصدا، قال: له الجنة.
وعن ابي جعفر الثاني عليه السّلام‏، قال: قلت: ما لمن زار رسول الله صلّى الله عليه وآله متعمدا، قال: يدخله الله الجنة ان شأ الله.
وعن عامر بن عبد الله، قال: قلت لابي عبد الله عليه السّلام‏: اني زدت جمالي دينارين أو ثلاث، على ان يمر بي إلى المدينة، فقال: قد احسنت ما ايسر هذا، تأتي قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وتسلم عليه،اما انه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد.
وعن ابي حجر الاسلمي، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أتى مكة حاجا ولم يزرني بالمدينة جفوته يوم القيامة، ومن زارني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في احد الحرمين مكة أو المدينة لم يعرض إلى الحساب، ومات مهاجرا إلى الله، وحشر يوم القيامة مع اصحاب بدر.
عن علي بن الحسين عليهما السّلام‏، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر الي في حياتي، فان لم تستطيعوا فابعثوا الي السّلام‏، فانه يبلغني.
وعن المعلى بن ابي شهاب، عن ابي عبد الله عليه السّلام‏، قال: قال الحسين بن علي عليهما السّلام‏ لرسول الله صلّى الله عليه وآله: يا أبتاه ما جزأ من زارك، فقال صلّى الله عليه وآله: يا بني من زارني حيا أو ميتا كان حقا علي ان ازوره يوم القيامة، واخلصه من ذنوبه.
وعن الفضيل بن يسار، عن ابي جعفر عليه السّلام‏، قال: ان زيارة قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله تعدل حجة مع رسول الله مبرورة.

كيفية زيارة قبره الشّريف، والدعاء عنده صلّى الله عليه وآله
نقل ابن قولويه في كامل الزيارات والكليني في الكافي والصدوق في من لايحضره الفقيه والطوسي في المصباح والتهذيب والسيد ابن طاووس في جمال الاسبوع والاقبال زيارات عديدة لرسول الله صلّى الله عليه وآله، منها:
عن الحسين بن الحسن بن ابان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن ايوب والحسين، عن صفوان وابن ابي عمير جميعا، عن معاوية بن عمار، عن ابي عبد الله عليه السّلام‏، قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل ان تدخلها، أو حين تريد ان تدخلها، ثمّ تأتي قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله فتسلم على رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الايمن عند رأس القبر، وانت مستقبل القبلة ومنكبك الايسر إلى جانب القبر ومنكبك الايمن مما يلي المنبر، فانه موضع رأس النّبيّ صلّى الله عليه وآله وتقول:
اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، وان مُحمّدا عبده ورسوله، واشهد انك رسول الله، وانك مُحمّد بن عبد الله. واشهد انك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لا متك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله حتى اتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة، واديت الذي عليك من الحق، وانك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك افضل شرف محل المكرمين، الحمدلله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة. اللهم اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وانبيائك المرسلين، واهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يا رب العالمين من الاولين والاخرين على مُحمّد عبدك ورسولك، ونبيك وامينك، ونجيك وحبيبك، وصفيك وخاصتك، وصفوتك وخيرتك من خلقك. اللهم واعطه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الاولون والاخرون. اللهم انك قلت: ولو انهم إذ ظلموا انفسهم جأوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول‏ لوجدوا الله توابا رحيما، واني اتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي، واني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة مُحمّد صلّى الله عليه واله، يا مُحمّد اني اتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي.
وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك، وسل حاجتك، فانه احرى ان تقضى ان شأ الله.

زيارته ‏ صلّى الله عليه وآله عن بعد
في حديث عن الصّادق عليه السّلام‏ وذكر زيارة النّبيّ صلوات الله عليه وآله فقال: انه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد، فإذا اردت ذلك فمثل بين يديك شبه القبر واكتب عليه اسمه وتكون على غسل ثمّ قم قائما وقل وانت متخيل بقلبك مواجهته صلّى الله عليه وآله، ثمّ قل:
اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان مُحمّدا عبده ورسوله، وانه سيد الاولين والاخرين، وانه سيد الأنبياء والمرسلين، اللهم صل على مُحمّد وعلى اهل بيته الائمة الطيبين.
ثمّ قل: السّلام‏ عليك يا رسول الله، السّلام‏ عليك يا خليل الله، السّلام‏ عليك يا نبي الله، السّلام‏ عليك يا صفي الله، السّلام‏ عليك يا رحمة الله، السّلام‏ عليك يا خيرة الله، السّلام‏ عليك يا حبيب الله، السّلام‏ عليك يا نجيب الله، السّلام‏ عليك يا خاتم النّبيّين، السّلام‏ عليك يا سيد المرسلين، السّلام‏ عليك يا قائما بالقسط، السّلام‏ عليك يا فاتح الخير، السّلام‏ عليك يا معدن الوحي والتنزيل. السّلام‏ عليك يا مبلغا عن الله، السّلام‏ عليك ايها السراج المنير، السّلام‏ عليك يا مبشر، السّلام‏ عليك يا منذر السّلام‏ عليك يا نور الله الذي يستضاء به، السّلام‏ عليك وعلى اهل بيتك الطيبين الطاهرين الهادين المهديين. السّلام‏ على جدك عبد المطلب وعلى ابيك عبد الله، السّلام‏ على * أمك آمنة بنت وهب، السّلام‏ على عمك حمزة سيد الشهداء، السّلام‏ على عمك عباس بن عبد المطلب السّلام‏ على عمك وكفيلك أبي طالب، [ السّلام‏ على ابن عمك جعفر الطيار في جنان الخلد ]. السّلام‏ عليك يا مُحمّد، السّلام‏ عليك يا احمد، السّلام‏ عليك يا حجة الله على الولين والاخرين، والسابق في طاعة رب العالمين، والمهيمن على رسله والخاتم لأنبيائه، والشاهد على خلقه والشفيع إليه، والمكين لديه، والمطاع في ملكوته، الأحمد من الأوصاف، المُحمّد لسائر الشاراف الكريم عند الرب، والمكلم من وراء الحجب، الفائز بالسباق، والفائت عن اللحاق. تسليم عارف بحقك، معترف بالتقصير في قيامه بواجبك، غير منكر ما انتهى إليه من فضلك، موقن بالمزيدات من ربك، مؤمن بالكتاب المنزل عليك، محلل حلالك محرم حرامك. اشهد يا رسول الله مع كُلّ شاهد واتحملها عن كُلّ جاحد، انك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لامتك وجاهدت في سبيل ربك، وصدعت بأمره واحتملت الأذى في جنبه، ودعوت إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة الجميلة، وأديت الحق الذي كان عليك وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين فبلغ الله بك اشرف محل المكرمين، واعلى منازل المقربين، وارفع درجات المرسلين، حيث لا يلحقك لا حق، ولاى فوقك فائق، ولا يسبقك سابق، ولا يطمع في ادراكك طامع. والحمد لله الذي استنقذنا بك من الهلكة، وهدانا بك من الضلالة، ونورنا بك من الظلمة، فجزاك الله يا رسول الله من مبعوث افضل ما جازى نبيا عن امته ورسولا عمن ارسل إليه. بأبي انت وامي يا رسول الله، زرتك عارفا بحقك، مقرا بفضلك، مستبصرا بضلالة من خالفك وخالف اهل بيتك، عارفا بالهدى الذي انت عليه. بأبي انت وامي ونفسي واهلي ومالي وولدي انا اصلي عليك كما صلّى الله عليك وصلّى عليك ملائكته وانبياؤه ورسوله، صلاة متتابعة وافرة متواصلة، لا انقطاع لها ولا أمد ولا اجل، صلّى الله عليك وعلى اهل بيتك الطيبين الطاهرين كما انتم اهله.
ثمّ ابسط كفيك وقل:
اللهم اجعل جوامع صلواتك ونوامي بركاتك، وفواضل خيراتك وشرائف تحياتك وتسليماتك وكراماتك ورحماتك، وصلوات ملائكتك المقربين وانبياءك المرسلين وائمتك المنتجبين وعبادك الصالحين، واهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يا رب العالمين من الاولين والاخرين، على مُحمّد عبدك ورسولك وشاهدك ونبيك ونذيرك وامينك ونجيبك ونجيك وحبيبك وخليلك، وصفيك وصفوتك، وخاصتك وخالصتك ورحمتك، وخيرتك من خلقك، نبي الرحمة وخازن المغفرة وقائد الخير والبركة، ومنقذ العباد من الهلكة باذنك، وداعيهم إلى دينك القيم بأمرك. اول النّبيّين ميثاقا وآخرهم مبعثا، الذي غمسته في بحر الفضيلة للمنزلة الجليلة، والدرجة الرفيعة، والمرتبة الخطيرة، واودعته الاصلاب الطاهرة، ونقلته منها إلى الارحام المطهرة، لطفا منك له وتحننا منك عليه. إذ وكلت لصوته وحراسته وحفظه وحياطته من قدرتك، عينا عاصمة حجبت بها عنه مدانس العهر، ومعائب السفاح، حتى رفعت به نواظر العباد، واحييت به ميت البلاد، بان كشفت عن نور ولادته ظلم الاستار، والبست حرمك فيه حلل الانوار. اللهم فكما خصصته بشرف هذه المرتبة الكريمة وذخر هذه المنقبة العظيمة، صل عليه كما وفى بعهدك وبلغ رسالاتك، وقاتل اهل الجحود على توحيدك، وقطع رحم الكفر في اعزاز دينك، ولبس ثوب البلوى في مجاهدة اعدائك. واوجب له بكل اذى مسه أو كيد احس به، من الفتنة التي حاولت قتله، فضيلة تفوق الفضائل ويملك الجزيل بها من نوالك، فلقد اسر الحسرة واخفى الزفرة وتجرع الغصة، ولم يتخط ما مثل له وحيك. اللهم صل عليه وعلى اهل بيته، صلاة ترضاها لهم وبلغهم منا تحية كثيرة وسلاما، وآتنا من لدنك في موالاتهم فضلا واحسانا ورحمة وغفرانا، انك ذو الفضل العظيم. ثمّ صل صلاة الزيارة، وهي اربع ركعات تقرأ فيها ما شئت، فإذا فرغت فسبح تسبيح الزهراء عليها السّلام‏ وقل: اللهم إنك قلت لنبيك مُحمّد صلّى الله عليه وآله: ولو انهم إذ ظلموا انفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول‏ لوجودا الله توابا رحيما، ولم احضر زمان رسولك عليه وآله السّلام‏. اللهم وقد زرته راغبا، تائبا من سيئ عملي، ومستغفر لك من ذنوبي، ومقرا لك بها، وأنت اعلم بها مني، ومتوجها اليك بنبيك نبي الرحمة صلواتك عليه وآله، فاجعلني اللهم بمُحمّد واهل بيته عندك وجيها في الدّنيا والاخرة ومن المقربين. يا مُحمّد يا رسول الله بابي انت وامي يا نبي الله، يا سيد خلق الله، اني اتوجه بك إلى الله ربك وربي ليغفر لي ذنوبي، ويتقبل مني عملي، ويقضي لي حوائجي، فكن لي شفيا عند ربك وربي، فنعم المسئول ربي نعم الشفيع انت. يا مُحمّد، عليك وعلى اهل بيتك السّلام‏. اللهم واوجب لي منك المغفرة والرحمة والرزق الواسع الطيب النافع، كما اوجبت لمن اتى نبيك مُحمّدا صلواتك عليه وآله وهو حي، فأقر له بذنوبه، واستغفر له رسولك عليه السّلام‏ فغفرت له، برحمتك يا ارحم الراحمين. اللهم وقد املتك ورجوتك وقمت بى يديك ورغبت اليك عمن سواك، وقد املك جزيل ثوابك، واني لمقر غير منكر وتائب اليك مما اقترفت، وعائذ بك في هذا المقام مما قدمت من الاعمال التي تقدمت الي فيها ونهيتني عنها واوعدت عليها العقاب. واعوذ بكرم وجهك ان تقيمني مقام الخزي والذل يوم تهتك فيه الاستار وتبدو فيه الاسرار والفضائح، وترعد فيه الفرائض،، يوم الحسرة والندامة، يوم الافكة، يوم الازفة، يوم التغابن، يوم الفصل، يوم الجزاء، يوما كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم النفخة. يوم ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة، يوم النشر، يوم العرض، يوم يقوم النّاس لرب العالمين، يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه، يوم تشقق الأرض واكناف السّماء، يوم تأتي كُلّ نفسه تجادل عن نفسها، يوم يردون إلى الله فينبؤهم بما عملوا. يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون، الا من رحم الله انه هو العزيز الرحيم، يوم يردون إلى عالم الغيب والشهادة، يوم يردون إلى الله موليهم الحق، يوم يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، وكأنهم جراد منتشر، مهطعين إلى الداع إلى الله، يوم الواقعة، يوم ترج الأرض رجا، يوم تكون السّماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن، ولا يسئل حميم حميما، يوم الشاهد والمشهود، يوم تكون الملائكة صفا صفا. اللهم ارحم موقفي في ذلك اليوم بموقفي في هذا اليوم، ولا تخزني في ذلك الموقف بما جنيت على نفسي، واجعل يا رب في ذلك اليوم مع اوليائك منطلقي، وفي زمرة مُحمّد واهل بيته عليهم السّلام‏ محشري، واجعل حوضه موردي، وفي الغر الكرام مصدري، واعطني كتابي بيميني حتى افوز بحسناتي، وتبيض به وجهي، وتيسر بي حسابي، وترجح به ميزاني، وامضي مع الفائزين من عبادك الصالحين إلى رضوانك وجنانك، يا اله العالمين. اللهم اني اعوذ بك من ان تفضحني في ذلك اليوم بين يدي الخلائق بجريرتي، أو أن القى الخزي والندامة بخطيئتي، أو ان تظهر سيئاتي على حسناتي، أو ان تنوه بين الخلائق باسمي، يا كريم يا كريم، العفو العفو، الستر الستر. اللهم واعوذ بك من ان يكون في ذلك اليوم في مواقف الاشرار موقفي، أو في مقام الاشقياء مقامي، وإذا ميزت بين خلقك فسقت كلا باعمالهم زمرا إلى منازلهم، فسقني برحمتك في عبادك الصالحين، وفي زمرة اوليائك المتقين إلى جنانك يا رب العالمين.
ثمّ ودعه عليه السّلام‏ وقل:
السّلام‏ عليك يا رسول الله، السّلام‏ عليك ايها البشير النذير، السّلام‏ عليك ايها السراج المنير السّلام‏ عليك ايها السفير بين الله وبين خلقه، اشهد يا رسول الله انك كنت نورا في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بانجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها. واشهد يا رسول الله انى مؤمن بك وبالائمة من اهل بيتك، موقن بجميع ما اتيت به راض مؤمن، واشهد ان الائمة من اهل بيتك اعلام الهدى والعروة الوثقى والحجة على اهل الدّنيا. اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة نبيك عليه السّلام‏، وان توفيتنى فاني اشهد في مماتي على ما اشهد عليه في حياتي، انك انت الله لا إله الا انت وحدك لا شريك لك، وان ممدا عبدك ورسولك، وان الائمة من اهل بيته اوليائك وانصارك وحججك على خلقك وخلفاؤك في عبادك، واعلامك في بلادك وخزان علمك وحفظة سرك وتراجمة وحيك. اللهم صل على مُحمّد وآل مُحمّد وبلغ روح نبيك مُحمّدا وآله في ساعتي هذه وفي كُلّ ساعة تحية مني وسلاما، والسّلام‏ عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، لا جعله الله آخر تسليمي عليك.

كيفية السّلام‏ عليه صلّى الله عليه وآله
عن سعد بن عبد الله، عن احمد ابن مُحمّد بن عيسى ويعقوب بن يزيد وموسى بن عمر، عن احمد بن مُحمّد بن ابي نصر، عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام‏، قال: قلت: كيف السّلام‏ على رسول الله صلّى الله عليه وآله عند قبره فقال: تقول: السّلام‏ على رسول الله، السّلام‏ عليك ورحمة الله وبركاته، السّلام‏ عليك يا رسول الله، السّلام‏ عليك يا مُحمّد بن عبد الله، السّلام‏ عليك يا خيرة الله، السّلام‏ عليك يا حبيب الله، السّلام‏ عليك يا صفوة الله، السّلام‏ عليك يا امين الله. اشهد انك رسول الله، واشهد انك مُحمّد بن عبد الله، واشهد انك قد نصحت لا متك، وجاهدت في سبيل الله وعبدته حتى اتاك اليقين، فجزاك الله افضل ما جزى نبيا عن امته، اللهم صل على مُحمّد وال مُحمّد افضل ما صليت على ابراهيم وال ابراهيم، انك حميد مجيد.
عن علي بن جعفر بن مُحمّد، عن اخيه ابي الحسن موسى بن جعفر، عن ابيه، عن جده:، قال: كان علي بن الحسين عليهما السّلام‏ يقف علي قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله ويسلم عليه ويشهد له بالبلاغ، ويدعو بما حضره، ثمّ يسند ظهره إلى المروة الخضرأ الدقيقة العرض مما يلي القبر، ويلتزق بالقبر، ويسند ظهره إلى القبر، ويستقبل القبلة، ويقول: اللهم اليك الجأت امري، وإلى قبر مُحمّد صلّى الله عليه واله عبدك ورسولك اسندت ظهري، والقبلة التي رضيت لمُحمّد صلّى الله عليه واله استقبلت. اللهم اني اصبحت لا املك لنفسي خير ما ارجو لها، ولا ادفع عنها شر ما احذر عليها، واصبحت الا مور بيدك ولا فقير افقر مني، اني لما انزلت الي من خير فقير. اللهم اردني منك بخير، فلا راد لفضلك، اللهم اني اعوذ بك من ان تبدل اسمي، أو تغير جسمي، أو تزيل نعمتك عني. اللهم زيني بالتقوي، وجملني بالنعم، واغمرني بالعافية، وارزقني شكر العافية.
ونقل القاضي ابن البراج في المهذب البارع باباً في كيفية زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وآله، حيث قال:
إذا صار عند قبره عليه وآله السّلام‏، وقف عند الاسطوانة المُقدمة من جانب القبر الأيمن، عند زاويته من رأسه، فيكون منكبه الأيمن مما يلى موضع المنبر، والأيسر إلى جانب القبر، فإذا استقر في وقوفه كما ذكرناه، قال: " أشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له، واشهد أنّ مُحمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله، واشهد أنّك رسول الله، وأنّك مُحمّد بن عبد الله، واشهد أنّك قد بلغت رسالات ربّك، ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله حقّ جهاده، داعياً إلى طاعة الله، وزاجراً عن معصيته، وأنّك لم تزل بالمؤمنين رؤفاً رحيماً، وعلى الكافرين غليظاً حتّى أتاك اليقين، فبلغ الله بك أشرف محل المكرمين. الحمدلله الذي استنقذنا بك من الشّرك والضّلال، اللهم فاجعل صلواتك وصلاة ملائكتك المُقربين، وعبادك الصّالحين، وأنبيائك المُرسلين، وأهل السّماوات والأرضين، ممّن سبّح لك يا ربّ العالمين، من الأولين والآخرين، على مُحمّد عبدك ورسولك ونبيّك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصّتك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم ابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم إمنحه أشرف محله ومرتبته، وارفعه إلى اسنى درجة ومنزلة، واعطه الوسيلة والفضيلة والرّتبة العالية الجليلة، كما بلّغ ناصحاً، وجاهد في سبيلك، وصبر على الأذى في جنبك وأوضح دينك، وأقام حُججك، وهدى إلى طاعتك، وأرشد إلى مرضاتك، اللهم صلّ عليه وعلى الأئمة الأبرار من ذرّيته، والصّفوة الأخيار من عترته، وسلم عليهم أجمعين تسليماً، اللهم إنّي لا أجد سبيلاً إليك سواهم، ولا أرى شفيعاً مقبول الشّفاعة عندك غيرهم، فبهم أتقرب إلى رحمتك، وبولايتهم أرجو جنّتك، وبالبراءة من أعدائهم آمل الخلاص من عذابك. اللهم فاجعلني بهم عندك وجيهاً في الدّنيا والآخرة، وارحمني يا أرحم الراحمين، ثمّ يستقبل بوجهه النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ويجعل القبلة خلف ظهره، والقبر أمامه، ويقول: " السّلام‏ عليك يا نبيّ الله ورسوله صلّى الله عليه وآله، السّلام‏ عليك يا صفوة الله وخيرته من خلقه، السّلام‏ عليك يا أمين الله وحجّته، السّلام‏ عليك يا خاتم النّبيّين وسيّد المُرسلين، السّلام‏ عليك أيها البشير النّذير، السّلام‏ عليك أيّها الدّاعي إلى الله بإذنه والسّراج المُنير. السّلام‏ عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً، أشهد أنّك يا رسول الله، آتيت بالحقّ، وقُلت الصّدق، والحمد لله الذي وفقني للإيمان بك، والتّصديق بنبوّتك، ومنّ عليّ بطاعتك وإتباع سبيلك، وجعلني الله من أمّتك والمُجيبين لدعوتك، هداني إلى معرفتك ومعرفة الأئمة من ذرّيتك، أتقرب إلى الله بما يُرضيك، وأبرئ إلى الله ممّا يُسخطك، موالياً لأوليائك، مُعادياً لأعدائك، جئتك يا رسول الله زائراً، وقصدتك راغباً، متوسلاً إلى الله سبحانه، وأنت صاحب الوسيلة، والمنزلة الجليلة، والشّفاعة المقبولة، والدّعوة المسموعة، فاشفع لي إلى الله تعالى في الغفران والرّحمة والتّوفيق والعصمة، فقد غمرت الذّنوب، وشملت العُيوب، وأثقل الظّهر، وتضاعف الوزر، وقد أخبرتنا - وخبرك الصّدق - أنذه تعالى قال - وقوله الحق -: " ولو إنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول‏ لوجدوا الله تواباً رحيماً. وقد جئتك يا رسول الله مستغفراً من ذنوبي، تائباً من معاصي وسيئاتي، وإنّني أتوجه بك إلى الله ربّي وربّك، ليغفر لي ذنوبي، فاشفع لي يا شفيع الأمّة، وأجرني يا نبيّ الرّحمة صلّى الله عليك وعلى آلك الطّاهرين ". ويجتهد في المسألة، ثمّ يستقبل القبلة بعد ذلك بوجهه وهو في موضعه، ويجعل القبر من خلفه، ويقول: اللهم إليك ألجأت أمري، وإلى قبر نبيّك ورسولك أسندت ظهري، وإلى القبلة التي ارتضيتها استقبلت بوجهي، اللهم إني لا أملك لنفسي خيرما أرجو، ولا أدفع عنها سوء ما أحذر، والأمر كُلّها بيدك، فأسألك بحقّ مُحمّد وعترته، وقبره الطّيب المبارك وحرمته أن تصلّي عليه وآله، وأن تغفر لي ما سلف من جرمي، وتعصمني من المعاصي في مستقبل عمري، وتثبت على الإيمان قلبي، وتوسع عليّ رزقي، وتسبغ عليّ النّعم، وتجعل قسمي من العافية أوفر القسم، وتحفظني في أهلي ومالي وولدي وتكلاني من الأعداء، وتحسن لي العافية في الدّنيا، ومنقلبي في الآخرة، اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنّك على كُلّ شيئ قدير. ويقرأ سورة: إنّا أنزلناه في ليلة القدر " إحدى وعشرين مرة. ثمّ يزور في الرّوضة مولاتنا السّيدة فاطمة صلوات الله عليها.

زيارته صلّى الله عليه وآله في يوم الجمعة
قال الشّيخ في المِصباح والسّيد في جمال الاسبوع في ضمن أعمال يوم الجمعة: اعلم يستحبّ في يوم الجُمعة زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وآله والائمة عليهم السّلام‏، ورويا عن الصّادق عليه السّلام‏: انّ من أراد أن يزور قبر رسُول الله وقبر امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج عليهم السّلام‏ وهو في بلده فليغتسل في يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين وليخرج إلى فلاة من الأرض، وعلى رواية أخرى أفعل ذلك على سطح دارك ً، ثمّ يصلّي أربع ركعات يقرأ فيهنّ ما تيسّر من القُرآن, فاذا تشهّد وسلّم فليقم مستقبل القبلة, وليقل:
السّلام‏ عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، السّلام‏ عَلَيْكَ اَيُّهَا النَّبِىُّ الْمُرْسَلُ، وَالْوَصِىُّ الْمُرْتَضى، وَالسَّيِّدَةُ الْكُبْرى، وَالسَّيِّدَةُ الزَّهْراءُ، وَالسِّبْطانِ الْمُنْتَجَبانِ، وَالاَْوْلادُ الاَْعْلامُ، وَالاُْمَناءُ الْمُنْتَجَبُونَ، جِئْتُ اِنْقِطاعاً اِلَيْكُمْ وَإلى آبائِكُمْ وَوَلَدِكُمُ الْخَلَفِ، عَلى بَرَكَةِ الْحَقِّ، فَقَلْبي لَكُمْ مُسَلِّمٌ وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بِدينِهِ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، اِنّي لَمِنَ الْقائِلينَ بِفَضْلِكُمْ، مُقِرٌّ بِرَجْعَتِكُمْ، لا اُنْكِرُ للهِ قُدْرَةً وَلا اَزْعُمُ إلاّ ماشاءَ اللهُ سُبْحانَ اللهِ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، يُسَبِّحُ اللهَ بِاَسْمائِهِ جَميعُ خَلْقِهِ، وَالسّلام‏ عَلى اَرْواحِكُمْ وَاَجْسادِكُمْ، وَالسّلام‏ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

أضف تعليق


كود امني
تحديث