اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

الكاتب : سماحة العلامة الدکتور الشيخ عبد الکريم العقيلي دام ظله
الموضوع : عقائد
تاريخ النشر : 1427


بسم الله الرّحمن الرّحيم

رسالة مُختصرة في المُراد من الشّاهد والشّهيد

الإخوة الأكارم من أهل العلم والتّقى، طلاب علم آل العبا، عليهم صلوات العليّ الأعلى.(1)
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
براعة الاستهلال في أوّل المقال، دعائي لكم خالصاً بالتّوفيق، لنيل علمي المعقول والمنقول, والسّير على خطى وهُدى آل الرّسول، عليهم الصّلوات المؤبدات. وبعد:

أوّد أن أُدشن في مقام الجواب، هو أنّ أهل العلم يمتازون بصفة التّحقيق والتّدقيق، وعدم الرّدّ إن لم يسعهم فقه أو فهم المقام، حتّى يأذن الله بالفتح، أو أمر من عنده, وما أنسب بالمقام في بدوه أن أنقل كلمة الشّيخ الرّئيس ابن سينا، وهو يُدشّن حقيقة هامّة في العلم والتّلقّي، وهي: كلما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان ما لم يذُدك عنه قائم البُرهان.(2) وعلى هذا فإنّ ما سألتم عنه أمر دقيق، حارت فيه عُقول الحُكماء، وتاهت أحلام الألباء, وصعق قوم وغشي آخرون؛ ذلك لأنّ التّعريف لحقيقة الشّاهد والشّهيد فيه سرّ دقيق، أرجو الدّقة والمُتابعة بمُنتهى ما لهذه الكلمات من معان، فأقول :
الشّاهد: هو من انكشف له تمام حقائق ودقائق وهياكل وصور عوالم الإمكان كُلّه، أجمع، أكتع، أبتع، أبصع, فلم يعزب عنه مثقال ذرّة في السّموات والأرضين والخلق أجمعين، أصغر من ذلك أو أكبر. وخلاصة الخلاصة، هو مقام من لا يسعه ملك مُقرب، أو نبيّ مُرسل، بل لا يحتمله أحد أبداً.
والدّليل القاطع، والبُرهان السّاطع، كتاب الله الذي بين أيديكم تتلونه آناء الليل وأطراف النّهار، يقول ومن أصدق منه قيلاً:
وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.(3)
ومن البيّن لذي بصيرة، يرى الواحد واحداً، أنّ حصر المُشاهدة به جلّ وعلا وبرسوله والمؤمنين، الذين هُم هُنا، وبضرس قاطع آل مُحمّد عليهم السّلام؛ وذلك بمُقتضى العطف، أي عطف مقام الرّسول صلى الله عليه وآله عليه تعالى، وكذا أهل البيت عليهم السّلام.
ولتوضيح الحال، نقول: إنّه قد صرّح الحقّ تعالى، بأنّ العمل الصّادر من الموجود، أيّا كان، حبة خردل أو جبل، وفي أيّ بُقعة من زوايا وخبايا عوالم الوجود والموجود, هي مُنكشفة تمام الانكشاف للحقّ جلّ وعلا، وبما أنّه عطف عليه مقام الرّسول وآله، يعلم أنّ لهم هذا الانكشاف بتمامه، وإلاّ لما ذكرهم أو لاستثناهم, وهو تعالى في مقام البيان، هذا بيان للنّاس. ولنستريح بعد سفرنا هذا، فقد لقيتم منه نصباً، بنقل طرائف الحكمة، عن الشّيخ الكُليني طاب مرقده، في باب عرض الأعمال على النّبيّ صلّى الله عليه وآله، والأئمّة عليهم السّلام. بسنده عن عبد الله بن أبان الزّيات، وكان مكيناً عند الإمام الرّضا عليه السّلام قال:
قلت للرّضا عليه السّلام: ادع الله لي ولأهل بيتي، فقال: أو لست أفعل؟ والله، إنّ أعمالكم لتعرض عليّ في كُلّ يوم وليلة, قال: فاستعظمت ذلك, فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون؟ قال: هو والله عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.(4)
ومن المُستحب المُؤكّد، مُراجعة الباب ليكحل نظركُم، بما أفاده الأطياب عليهم صلوات ربّ الأرباب، ولمزيد الفائدة ارجعوا البصر إلى باب: في أنّ الأئمة شُهداء الله عز وجل على خلقه.(5) وباب: في أنّ الأئمة ولاة أمر الله، وخزنة علمه.(6) وباب: في أنّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وإنّه لا يخفى عليهم شئ صلوات الله عليهم.(7) وكذلك باب: إنّ الأئمة ورثوا علم النّبيّ وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.(8)
وفي الختام فقد بان لكم الصُّبح من مغرسه، وظهر لكم جواب ما بقي من تساؤل، وإنّه لعمر الحقّ كاف واف شاف، لبناء صرح المُعتقد الحقيق, وفي أمان من بيده ملكوت السّموات والأرضين.
والسّلام عليكم وعلى أهل العلم أجمعين



هوامش
1 – هذه الرّسالة القيّمة كتبها سماحة سماحة العلامة الدکتور الشيخ عبد الکريم العقيلي دام ظله، جواباً على سؤال من بعض الطّلبة في حوزة السّيدة زينب عليها السّلام. هذا نصّ السّؤال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
إلى سماحة الشّيخ العُقيلي دام عزّه:
ما هو التّعريف الدّقيق للشّهيد، أي الشّاهد على الأعمال، نرجو التّوضيح؟ وهل الشّهادة على الأعمال مُتوقفة على حياة الشّاهد، فإذا مات لم يعُد شهيداً؛ لقوله تعالى على لسان عيسى، على نبينا وآله وعليه السّلام: وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم.
2 - راجع الإشارات والتّنبيهات: 3 / 418، النمط العاشر في أسرار الآيات.
3 – التّوبة: 105.
4 - - الكافي: 1 / 219، ح 4.
5 - الكافي: 1 / 190 .
6 - الكافي: 1 / 192 .
7 - الكافي : 1 / 260 .
8 - الكافي: 1 / 223 .