اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الله تعالي في مُحكم كتابه الكريم:
(وجاء ربّك والملك صفّاً صفاّ)(1)
صدق الله العليّ العظيم

أسرار قُرانيّة في حقائق وأنوار مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم

السّرّ الثّالث


في بيان أنّهم صلوات الله عليهم الأنوار الإلهيّة والأسرار الرّبّانية المودعة في القُرآن المجيد.

تقريب الاستدلال:

إعلم، وفّقك الله للحقّ واتباعه، وجنّبك الباطل وآثاره، إنّ للقُرآن ظاهراً وباطناً، ومُحكماً ومُتشابهاً، وإنّ القُرآن يُفسّر بعضه بعضاً. فإن أعجزك الفهم عن درك هذه الحقائق والأنوار - والعياذ بالله- فلا يفوتنّك التّفهيم، إن شاء الله تعالى. فالغنيمة كُلّ الغنيمة، في اتباع الحقائق النّورانيّة، والأسرار الرّبانيّة، المودعة في كتاب الله الكريم، المُتمثلة بأرباب النّعم، وهُداة الأمم، مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم، فهم المقصودون من المجيء، في الآية القُرآنيّة المزبورة الذّكر. أوّلاً: إنّ المجيء والانتقال من حال إلى حال، لازمه عدّة اُمور، منها: الحركة والسّكون. وهذه من لوازم المُمكن المخلوق؛ وهي ليست صفات الحقّ على الإطلاق، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، إذن، فالمجيء يُطلق على الرّبّ بالمجاز العقلي، فلابدّ هُنا من تقدير ـ كما صرّح عُلماؤنا الأعلام بذلك ـ نقل العلامة الطّبرسي رحمه الله في الاحتجاج، عن الإمام أمير المؤمنين، صلوات الله عليه، قال في خصوص هذه الآية الشّريفة، وفي حديث طويل: وليس جيئه - جلّ ذكره- كجيئة خلقه؛ فإنّه ربّ كُلّ شيء، ومن كتاب الله يكون تأويله على تنزيله، ولا يشبه تأويله بكلام البشر، ولا فعل البشر.(2) ونقل الشّيخ الصّدوق رحمه الله في عيون الأخبار، عن الإمام الرّضا عليه السّلام، في تفسير هذه الآية، قال: إنّ الله لا يوصف بالمجيء والذّهاب ـ تعالى عن الانتقال ـ إنّما يعني بذلك: وجاء أمر ربّك…(3) فما المقصود إذن من الأمر الذي يجيء؟ الأمر ليس لفظاً أو مُصطلحاً اعتباريّاً، أو شيئاً مجهولاً، بل الأمر الذي يجيء مع الملائكة، ويصطّف معهم يُراد به حقيقة وجوديّة كالملائكة، هذه الحقيقة الوجوديّة، المُعبر عنها بالأمر، تجدها مُصرّحاً بها في ،الزّيارة الجامعة الكبيرة، حيث يقول المعصوم عليه السّلام: [والمُستقرين في أمر الله] وقوله [وأمره إليكُم] .(4) وورد في زيارة الإمام الحُسين عليه السّلام: [إرادة الرّبّ في مقادير أموره تهبط إليكم، وتصدر من بيوتكم].(5) وثانياً: إنّ المُراد من الرّبّ في اللغة والاصطلاح، يشمل معاني عديدة، منها: السّيّد، المولى، المربى، المدبر وغيرها. قال ابن منظور في لسان العرب وابن الأثير في النّهاية: الرّب يُطلق في اللغة على المالك، والسّيد، والمدبر، والمُربى، والقيّم، والمنعم، ولا يُطلق غير مضاف إلاّ على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف، فيقال: رب كذا(6). وأيّ سيّد ومولى ومُربى ومنعم أجلّ وأشرف من مُحمّد وآل مُحمّد، أرباب النّعم وهداة الأمم، صلوات الله عليهم؟! إذن، على ضوء هذا وغيره تقرّر بأن يكون المقصود من مجيء الرّبّ، في الآية الشّريفة، هو مجيء أولياء الله الطّاهرين، المعصومين صلوات الله عليهم، لكي تعرض عليهم أعمال الخلائق أجمعين، ويتولّون حسابهم، بإذن الله تعالى. والحمد لله ربّ العالمين.

هذه مُقتطفات قصيرة من الأنوار الإلهيّة، والأسرار الرّبانيّة، المودعة في كتاب الله الكريم، والمُتحصلة في الخارج بأرباب النّعم وهُداة الأمم، مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم أجمعين، نحن مستعدون للحوار في بيانها، والإجابة على الاستفسارات التي يطرحها الأخوة والأخوات؛ ليكون البحث واضحاً والغرض مُتحققاً، جعلنا الله وإيّاكم، من العارفين بحقّ مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم، والعاملين بذلك، والمحشورين في زُمرتهم، إنّه سميع مُجيب ، والله من وراء القصد.
عبد الكريم العُقيلي
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش
1 ـ الفجر:22. 2 ـ الاحتجاج: 1 / 250، احتجاجه عليه السّلام على الزّنديق، عنه المشهدي في كنز الدّقائق: 11 / 348. وأنظر كذلك مفاتيح الغيب للرّازي: 31 / 158 ـ مورد الآية. 3 ـ عيون أخبار الرّضا عليه السّلام: 1 / 115، باب 11، ح 19. 4 ـ أنظر كتاب الصّوارم القاطعة في إثبات صحّة الزّيارة الجامعة، لسماحة الشّيخ العُقيلي: 58 و 111. 5 ـ أنظر كامل الزّيارات للقُمّي : 366، ضمن زيارة الإمام الحُسين عليه السّلام. 6 ـ لسان العرب لابن منظور: 1 / 399 , النّهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 2 / 179.وانظر كذلك الزبيدي في تاج العروس: 1 /260.