اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الله تعالي في مُحكم كتابه الكريم:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )(1)
صدق الله العليّ العظيم

أسرار قُرانيّة في حقائق وأنوار مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم

السرّ الأوّل


ليس هناك في الآفاق ولا في الأنفس، حقيقة جامعة، وآية ساطعة، غير الميامين، مُحمّد وآله الطّاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين.

تقريب الاستدلال:

إذا تدبّرنا في معنى" آياتنا " فلا نجد معنى واقعياً دقيقاً لها، إلاّ الحقائق الّتي لم يسبُقها سابق، ولا يلحقها لاحق، ولا يفوقها فائق، ولا يطمع في إدراكها طامع، وهي عبارة عن الصّورة الإنسانيّة الكاملة، المُتثملة بمُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم.
ورد عن الإمام الهادي عليه السّلام، في الزّيارة الجامعة الكبيرة، أنّه قال:
أشهد أنّ هذا سابق لكُم فيما مضى، وجار لكُم فيما بقى، وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت بعضها من بعض، خلقكم الله أنواراً، فجعلكُم بعرشه مُحدقين... فبلغ الله بكُم أشرف محلّ المُكرمين، وأعلى منازل المُقرّبين، وأرفع درجات المُرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه فائق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتّي لا يبقى ملك مُقرب، ولا نبيّ مُرسل، ولا صدّيق ولا شهيد ولا عالم، ولا جاهل، ولا دنيّ ولا فاضل، ولا مؤمن صالح، ولا فاجر طالح، ولا جبّار عنيد، ولا شيطان مُريد، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد، الاّ عرّفهم جلالة أمركُم، وعظم خطركُم، وكبر شأنكُم، وتمام نوركُم، وصدق مقاعدكُم، وثبات مقامكُم، وشرف محلّكُم، ومنزلتكُم عنده، وكرامتكُم عليه، وخاصّتكُم لديه، وقرب منزلتكُم منه...(2)
وهذا المعنى، بل هذه الحقيقة، مُبرهن عليها عقلاً ونقلاً.
أمّا العقل: فإنّه يقطع بأنّ هذه الآيات، هي حقائق وجوديّة خارجيّة، لها مقام التّقدّم في الشّرافة على الخلائق، ومقام الكاشفيّة عن المُراد في الموجودات كافّة، ولذا عبّر الكتاب المجيد عنها:( وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)(3)
وعلى هذا فلا نجد في عوالم الكون والإمكان، حقائق وجوديّة خارجيّة شريفة، كاشفة مُنيرة، غير الحقيقة المُحمديّة العلويّة.
أمّا النّقل: ورد عن الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، أنّه قال لجابر الأنصاري: إنّ أوّل ما خلق الله نور نبيّك يا جابر.
وفي مورد التّعليق على هذا الحديث الشّريف، قال القندوزي الحنفي : المُراد هو الحقيقة المُحمّديّة المشهورة بين الكُمّلين.(4)
وبما ذكرنا يتّضح، أن ما ذكره جمهور المُفسّرين، وأهل الظّاهر بأنّ المُراد بالآيات، هي العلامات والدّلائل، معنى قشري ظاهري، بل حقيقة العلامات والدّلالات، مُحمّد وآل مُحمّد صلوات الله عليهم. قال العلامة الطّباطبائي، رحمه الله: إنّ المُراد بالآيات، الحُجج الدّالّة على التّوحيد، وما يتبعه من المعارف الحقّه، ثمّ أنّ من تعقّل الحُجج الحقّة من آيات الآفاق والأنفس، بسلامة من العقل، ثمّ استسلم لها بالإيمان والانقياد، ليس هو من الموتى، ولا ممّن ختم الله على سمعه وبصره.(5) فقد نقل مجموعة من عُلمائنا الأعلام، أنّ المُراد من الآيات، في الآية القرآنيّة الشّريفة الأئمة المعصومون، صلوات الله عليهم.
أخرج الشّيخ الأقدم، أبو القاسم، جعفر بن مُحمّد بن قولويه القُمي (ت 368 هجري) في كتابه، كامل الزّيارات، عن الإمام الصّادق عليه السّلام – في حديث طويل – قال: يقول الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فأيّ آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق؟! وقال: (وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا) فأيّ آية أكبر منّا).(6)
إذن، هم صلوات الله عليهم، الحقيقة التي نطق عنها مُحكم التّنزيل، بقوله تعالى : (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى).(7) وبتعبير أوضح: هم الكون الجامع، المُسمى في السّماوات ب (أحمد) وفي الأرضين ب (محمّد). ولا يخفى على ذوي الألباب، إنّ عليّاً، هو نفس مُحمّد، صلوات الله عليهم، بنصّ القُرآن المجيد : (وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ) فكلّ ما ثبت لمُحمّد، صلّى الله عليه وآله، فهو ثابت لعليّ، عليه السّلام، خلا النّبوّة. خلاصة المخاض: إنّ إراءة هذه الآيات في الآفاق، وفي الأنفس، إنّما يُراد منها، إظهار أنوارهم، وإبراز حقائقهم، وإشراقة دولتهم، صلوات الله عليهم، حتّى يتبيّن للخلق، أنّهم الحقّ . قال تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).(8)
وقال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).(9)
وقال المُصطفى، صلى الله عليه وآله، في المُعتبر، المنقول في كُتب الخاصّة والعامّة: (عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ لا يتفرقان).(10)
وورد أيضاً عن سيّدة نساء العالمين، فاطمة الزّهراء عليها السّلام، أنّها قالت: (عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ).(11)
والحمد لله ربّ العالمين

هذه مُقتطفات قصيرة من الأنوار الإلهيّة، والأسرار الرّبانيّة، المودعة في كتاب الله الكريم، والمُتحصلة في الخارج بأرباب النّعم وهُداة الأمم، مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم أجمعين، نحن مستعدون للحوار في بيانها، والإجابة على الاستفسارات التي يطرحها الأخوة والأخوات؛ ليكون البحث واضحاً والغرض مُتحققاً، جعلنا الله وإيّاكم، من العارفين بحقّ مُحمّد وآل مُحمّد، صلوات الله عليهم، والعاملين بذلك، والمحشورين في زُمرتهم، إنّه سميع مُجيب ، والله من وراء القصد.
عبد الكريم العُقيلي
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش
1 ـ فصّلت: 53.
2 ـ عيون أخبار الرّضا عليه السّلام للصّدوق: 1 / 307، تهذيب الأحكام للطّوسي: 6 / 98، المحتضر للحسن بن سُليمان الحلّي: 121.
3 ـ الأحزاب: 46.
4 ـ ينابيع المودّة للقُندوزي الحنفي: 1 / 56.
5 ـ الميزان: 15 / 390.
6 ـ كامل الزّيارات: 543 باب 108 ح 830.
7 ـ النّجم: 8 – 9.
8 ـ الزّمر: 69.
9 ـ التّوبة: 32.
10 ـ المسائل الصّاغانيّة للشّيخ للمُفيد: 109، الخصال للشّيخ الصّدوق: 496، الأمالي للشّيخ الصّدوق: 150، كفاية الأثر للخزاز: 20، ينابيع المودّة للقُندوزي الحنفي: 1 / 124.
11 ـ أورده القُندوزي الحنفي، في ينابيع المودّة: 1/ 173.